ملاذ الطاقة الأفريقية في ثروتها الشمسية

خبراء يحذرون من تفاقم العجز الكهربائي حال تجاهلها

رغم الإمكانات الهائلة المتاحة للطاقة الشمسية في القارة الأفريقية إلا أن استخدامها محدود للغاية (رويترز)
رغم الإمكانات الهائلة المتاحة للطاقة الشمسية في القارة الأفريقية إلا أن استخدامها محدود للغاية (رويترز)
TT

ملاذ الطاقة الأفريقية في ثروتها الشمسية

رغم الإمكانات الهائلة المتاحة للطاقة الشمسية في القارة الأفريقية إلا أن استخدامها محدود للغاية (رويترز)
رغم الإمكانات الهائلة المتاحة للطاقة الشمسية في القارة الأفريقية إلا أن استخدامها محدود للغاية (رويترز)

أصبحت الطاقة الشمسية العنصر الجديد الذي سيغير أوراق اللعبة في عالم الطاقة وخاصة في القارة الأفريقية... وهو ما دفع خبراء الطاقة الأفارقة إلى التحذير من الخسائر الكبيرة المحتملة التي قد تواجهها الشبكات الوطنية لتزويد الطاقة الكهربائية التقليدية في أفريقيا ما لم تسارع في توجيه وجهها إلى «الشمس» والالتفات إلى طاقتها، التي باتت أسعارها وطرق تخزينها ذات جدوى اقتصادية تنذر من يهملها بخسائر فادحة في المستقبل.
وقال رئيس مجلس إدارة «اتحاد صناعة الطاقة الشمسية الأفريقية» جون فان زويلين، إن هناك العديد من الأماكن التي تنتج فعلياً طاقة شمسية بأسعار زهيدة، وهو ما يعكس التوجه الذي تشهده القارة الأفريقية إذ تنهض الطاقة الشمسية بقوة لتشكل جزءاً مهماً من مزيج الطاقة المرتبطة بالشبكات، أو غير المرتبطة بها، لافتا إلى أن الإحصاءات العالمية تشير إلى أن قدرات توليد الطاقة الشمسية في أفريقيا لا تتجاوز 1 في المائة من الإنتاج العالمي للطاقة الشمسية، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية.
من جانبه، أفاد «معهد مونتين»، البحثي المستقل المتخصص في تقديم مشوراته في السياسة العامة لتحسين المجتمعات ومقره باريس، بأن منطقة جنوب الصحراء الأفريقية هي الوحيدة على مستوى العالم التي تنمو سكانياً منذ عام 2000 بمعدلات أسرع من معدلات تزويد السكان بقدرات الوصول إلى الطاقة الكهربية.
وذكر معهد مونتين، الذي سُمي نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي الشهير ميشال دي مونتين أكثر المفكرين المؤثرين في عصر النهضة الفرنسي، أن هناك حوالي 10 في المائة فقط من محطات إنتاج الطاقة الشمسية بطاقة تزيد على 5 ميغاواط، جرى ربطها بالشبكات في جميع منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، باستثناء دولة جنوب أفريقيا.
وكشف المعهد، في تقرير له، أن أفريقيا تكاد تكون غائبة بصورة مؤلمة عن مستويات انتشار محطات توليد الطاقة الشمسية على مستوى العالم، وهو ما اعتبره فشلاً ذريعاً.
وحذر من أن الوضع سيصبح أكثر سوءاً بصورة فادحة ما لم يتم التحرك بجدية، فبحلول عام 2040 فإن ما يقرب من 95 في المائة من السكان الذين يعجزون عن الوصول إلى الكهرباء سيكونون في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية.
وعاود رئيس مجلس إدارة «اتحاد صناعة الطاقة الشمسية الأفريقية»، الذي يتخذ من العاصمة الرواندية كيغالي مقراً له، حديثه عن أحوال الطاقة الشمسية في أفريقيا، مؤكدا أن العديد من الشبكات الوطنية فقيرة الحال ولا تستطيع استيعاب أكثر من 20 إلى 30 ميغاواط في الموقع الواحد، وهو ما يقلص فرصها، مبيناً أن الشبكات التي تعجز عن حل إشكالاتها الفنية، وتعزيز قدرتها على تشارك المخاطر، والحصول على ضمانات الحكومة، وإبرام اتفاقات تشغيل ناجحة، فإن ما سيتاح لها من مشروعات مثمرة وبناءة سيكون محدوداً للغاية.
وفي الوقت نفسه، فإن أنظمة تشغيل الطاقة الشمسية المنزلية وشبكات الربط الكهربي الصغيرة ما زالت بحاجة إلى دعم كبير لتعزيز قدرتها على توليد كهرباء بأسعار مقبولة تتوافق مع المناطق النائية والريفية، التي يقطنها في العادة أقل الطبقات دخلاً في المجتمع.
ولحل مشكلة المناطق النائية والريفية، ترى جمعية «الطاقة الشمسية الأوروبية»، في تقرير أصدرته في يونيو (حزيران) الماضي واستعرضت فيه الآفاق العالمية للطاقة الشمسية بحلول عام 2024 أن مرافق الكهرباء الأفريقية التي لديها قاعدة معتبرة من العملاء والمستهلكين في المناطق الحضرية، ربما تكون قادرة على تمويل روابطها وشبكاتها الفرعية للمناطق الريفية الأكثر فقراً من خلال دعمها بالإيرادات التي تجنيها من المدن. وذكر تقرير الجمعية أن المشروعات التي تقع بالقرب من المراكز الحضرية تكون أكثر عملية وربحية بسبب ما يعرف باقتصادات الكمية، وإمكانية توسيع القدرات في المستقبل، وقلة المخاطر تجاه نقص الطلب والاستفادة من خدمات الكهرباء.
ويقول زويلين إن هناك بعض الدول داعمة للطاقة الشمسية، وساق على ذلك مثالاً بالسنغال التي أعلنت هذا الشهر إلغاء ضريبة القيمة المضافة على منتجات الطاقة الشمسية، بما فيها أنظمة مضخات المياه العاملة بالطاقة الشمسية، وأيّد ذلك «معهد مونتين»، الذي أشار إلى أن من بين 10 محطات لتوليد الطاقة الشمسية والمرتبطة بالشبكات الوطنية في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، هناك 4 في السنغال.
ووضع زويلين وصفة مثالية لمشغلي الشبكات الوطنية للكهرباء، قائلاً إن عليهم العمل على «توجيه وتسيير عملية دمج سلسلة للطاقة الشمسية في شبكاتهم»، محذراً من أنه إذا لم يفعلوا ذلك، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان المزيد والمزيد من العملاء تدريجياً ممن سينفصلون عن الشبكة بصورة كاملة، لأن الطاقة الشمسية وتخزينها لم تعد موثوقة فحسب بل باتت تتمتع بتنافسية سعرية متزايدة أيضاً.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.