وزير المالية السعودي: ماضون في المشروعات التنموية.. وبناء الاحتياطات المالية من خطوط الدفاع

على الرغم من تراجع أسعار النفط بنسبة تتجاوز 40 في المائة مقارنة بأعلى مستوى جرى تحقيقه خلال العام الحالي، فإن السعودية أعلنت أمس أنها ماضية في مشروعاتها التنموية، مع استمرارية الإنفاق لتغطية الاحتياجات الأمنية والعسكرية، يأتي ذلك في وقت انتهت فيه وزارة المالية في البلاد من إعداد الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد.
ووفقا لهذه التطورات، فإن الميزانية الجديدة المتوقع الإعلان عنها خلال 12 يوما ستشهد عجزا ماليا متوقعا بحدود 120 مليار ريال (32 مليار دولار) تقريبا، إلا أن هذا العجز سيتلاشى في حال تحسن أسعار النفط واستقرارها فوق مستويات 70 دولارا للنفط الخام، خلال عام 2015.
وتعد السعودية في الفترة الحالية من أكثر دول العالم قدرة على تجاوز المخاطر المالية والاقتصادية، حيث نجحت في بناء احتياطات مالية قوية خلال السنوات القليلة الماضية، كما أنها تتمتع بقدرة عالية على تجاوز الأزمات المالية العالمية بكل هدوء، التي كانت أهمها الأزمة المالية العاصفة التي مرت بها معظم دول العالم في عامي 2008 و2009.
وعلى هذا الصعيد، أكد الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف، وزير المالية السعودي، أن الوزارة أنهت إعداد ميزانية الدولة للعام المالي المقبل، وقال: «عُرضت الميزانية على المجلس الاقتصادي الأعلى تمهيدا لعرضها على مجلس الوزراء في القريب العاجل».
وأضاف العساف خلال تصريح له أمس: «على الرغم من أن الميزانية أُعدت في ظل ظروف اقتصادية ومالية دولية تتسم بالتحدي، إلا أن السعودية ومنذ سنوات طويلة اتبعت سياسة مالية واضحة تسير عكس الدورات الاقتصادية بحيث يستفاد من الفوائض المالية المتحققة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة في بناء احتياطيات مالية وتخفيض الدين العام، مما يعطي عمقا وخطوط دفاع يستفاد منها وقت الحاجة، وقد نُفّذت هذه السياسة بنجاح كبير عندما تعرض العالم للأزمة المالية في عام 2008 وما تبعها من انخفاض كبير في الإيرادات في عام 2009، حيث كانت المملكة في حينها من أقل الدول تأثرا بتلك الأزمة».
وأوضح وزير المالية السعودي أن هذه السياسة ستستمر في الميزانية المقبلة وما بعدها، مما سيمكّن الحكومة من الاستمرار في تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة والإنفاق على البرامج التنموية، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، إضافة إلى تغطية الاحتياجات الأمنية والعسكرية، متوقعا تحقيق نمو اقتصادي إيجابي نتيجة لهذا الإنفاق والدور الحيوي للقطاع الخاص السعودي.
تأتي هذه المستجدات في وقت تعتبر فيه ميزانية السعودية لعام 2014 أضخم ميزانية يجري اعتمادها على الإطلاق في البلاد، وذلك بنحو 855 مليار ريال (228 مليار دولار) إيرادات، والمبلغ ذاته جرى اعتماده مصروفات (أعلى معدلات إنفاق يجري اعتمادها)؛ إذ قدّرت البلاد متوسطات أسعار النفط لعام 2014 عند مستويات 85 دولارا للبرميل، بمتوسط إنتاج يومي يتراوح بين 9 ملايين و9.7 مليون برميل يوميا، وهي في نهاية المطاف أرقام قريبة من ميزانية الدولة للعام الماضي (2013)، التي أظهرت في نهاية المطاف فوائض مالية محققة بلغت نحو 206 مليارات ريال (549 مليون دولار).
وفي أول رد فعل إيجابي بعد تصريحات وزير المالية السعودي، أمس، أوقفت سوق الأسهم السعودية مسلسل النزف الحاد، حيث أغلق مؤشر السوق على مكاسب كبيرة، بعد سلسلة من الخسائر الحادة التي مُني بها خلال 8 أيام متتالية، مما يدل على أن ثقة المستثمرين في تعاملات السوق ستحاول العودة بصورة تدريجية.
كما تأتي هذه التطورات في وقت أعلنت فيه شركة «سابك» السعودية (الشركة الأعلى من حيث القيمة السوقية)، عقب إغلاق التداولات أمس عن توزيع 3 ريالات عن كل سهم؛ أرباحا نقدية لمساهمي الشركة عن النصف الثاني من العام الحالي، وهو خبر إيجابي يدل على أن شركات البتروكيماويات السعودية ما زالت قادرة على تحقيق مزيد من النمو في أرباحها رغم تراجع أسعار النفط.
كما أعلن البنك السعودي الهولندي هو الآخر عقب إغلاق تعاملات أمس، عن توصية مجلس إدارة البنك بتوزيع ريال واحد عن كل سهم؛ أرباحا نقدية لمساهمي البنك عن العام الحالي 2014، مما يعطي مؤشرا آخر على استمرار البنوك السعودية وفقا لمستويات ربحية جيدة للغاية، في وقت شهدت فيه أسعار أسهم القطاع انخفاضا حادا تتراوح نسبته بين 25 و40 في المائة، خلال الفترة القريبة الماضية.
وعلى صعيد تعاملات سوق الأسهم السعودية، أمس الأربعاء، أغلق مؤشر السوق عند مستويات 7638 نقطة، وسط ارتفاعات بلغت نسبتها 4.21 في المائة، فيما ارتفع حجم السيولة النقدية المتداولة إلى 8.5 مليار ريال (2.2 مليار دولار)، في وقت ارتفعت فيه أسعار 118 شركة، مقابل تراجع أسعار 42 شركة معظمها من أسهم قطاع التأمين.
يذكر أن السعودية نجحت في ميزانيتها المعلنة، العام الماضي، في تخفيض حجم الدين العام إلى مستويات 75 مليار ريال فقط (20 مليار دولار)، بعد أن كانت قريبة، في وقت سابق، من مستويات 660 مليار ريال (176 مليار دولار)، في إشارة واضحة إلى أن المملكة قادرة بشكل كبير جدا على إنهاء هذا الدين العام خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وتأتي هذه التطورات بينما حققت السعودية فائضا في حدود 206 مليارات ريال (549 مليون دولار) في ميزانية 2013، الذي يعد الفائض العاشر في ميزانيات السعودية في آخر 31 عاما منذ 1983، ذلك بعد أن سجلت الميزانية لعام 2012 فائضا في حدود 386.5 مليار ريال (103 مليارات دولار)، لتحقق بذلك الفائض التاسع في ميزانياتها فعليا منذ 1983، وثاني أعلى فائض في تاريخها، وبعد الفائض المحقق في عام 2013، يصل إجمالي فوائض المملكة في آخر 11 عاما إلى 2.2 تريليون ريال (586 مليار دولار)، وذلك بفضل إيرادات الدولة الضخمة من ارتفاع مستويات أسعار النفط خلال هذه الفترة.
وتعد السعودية من أكثر دول العالم إنفاقا على ملفات التعليم، والرعاية الصحية، ومشروعات البنية التحتية، إضافة إلى إنفاقها الضخم على ملف الإسكان، وجاء ذلك عقب أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في وقت سابق، بتخصيص نحو 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار)، لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية وتوزيعها على المواطنين.