14 فبراير 2005: يوم غيّر وجه لبنان السياسي

ثلاثة من أنجال الرئيس الراحل رفيق الحريري (أيمن وسعد وبهاء) يقفون يوم 19 فبراير 2005 أمام الحفرة التي خلفها التفجير الذي أودى بحياة والدهم في 14 فبراير (أ.ف.ب)
ثلاثة من أنجال الرئيس الراحل رفيق الحريري (أيمن وسعد وبهاء) يقفون يوم 19 فبراير 2005 أمام الحفرة التي خلفها التفجير الذي أودى بحياة والدهم في 14 فبراير (أ.ف.ب)
TT

14 فبراير 2005: يوم غيّر وجه لبنان السياسي

ثلاثة من أنجال الرئيس الراحل رفيق الحريري (أيمن وسعد وبهاء) يقفون يوم 19 فبراير 2005 أمام الحفرة التي خلفها التفجير الذي أودى بحياة والدهم في 14 فبراير (أ.ف.ب)
ثلاثة من أنجال الرئيس الراحل رفيق الحريري (أيمن وسعد وبهاء) يقفون يوم 19 فبراير 2005 أمام الحفرة التي خلفها التفجير الذي أودى بحياة والدهم في 14 فبراير (أ.ف.ب)

كان التفجير الذي أودى بحياة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري كفيلاً بتغيير وجه لبنان السياسي، وشكّل الانطلاقة الأولى لتشكيل فريقي «14 آذار» المناهض لـ«حزب الله» وسوريا، و«8 آذار» الموالي لهما.
كان ذلك عند الساعة الواحدة إلا ربعاً من بعد ظهر يوم 14 فبراير (شباط) 2005 خلال عودة موكب الحريري من مقر مجلس النواب في «ساحة النجمة» بوسط بيروت، عندما دوّى انفجار ضخم استهدفه لدى وصوله قبالة فندق «سان جورج» على الطريق الساحلية، على مقربة من وسط بيروت، حيث تطاير الركام وتحطم زجاج النوافذ. وعكست مشاهد السيارات المشتعلة في المكان مدى حجم التفجير، الذي أعلنت وسائل إعلام لبنانية بعد وقت قصير أن المستهدف منه هو الحريري، بعدما كان قد ظن كثيرون أن زلزالاً ضرب المدينة، فيما أحدث الانفجار حفرة بعرض 10 أمتار وعمق مترين في المكان.
وكان الانفجار قوياً إلى درجة أنه تمّ العثور على إحدى الجثث بعد 17 يوماً من الانفجار، نظراً لحجم الدمار الكبير الذي خلفه، علماً بأنه تسبب في مقتل 21 شخصاً وإصابة 226 بجروح.
وشكل التفجير صدمة كبيرة في لبنان والعالم، وهو الذي أودى بشخصية ارتبط اسمه بشكل وثيق بلبنان وبمرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب الأهلية (1975 - 1990)، وبشبكة علاقات دولية نسجها ووظفها لصالح بلده، إضافة إلى أنه جاء في فترة بالغة الحساسية في لبنان، وفي خضم توتر لم يكن ظاهراً كثيراً للعلن بين الحريري ودمشق التي كانت تتحكم بمفاصل الحياة السياسية في لبنان، وتنشر جيشها فيه منذ نحو 30 سنة، وكان الحريري يومها يستعد لخوض انتخابات نيابية، ويقترب من الانخراط في جبهة معارضة لدمشق.
وتشير المعلومات إلى أنه في مطلع شهر فبراير، كان الحريري قد تلقى مناشدة من صديقه الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، بوجوب التزام الحذر، وبعدها بأيام من مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن في الإطار نفسه.
وكان قد سبق أيضاً اغتيال الحريري محاولة اغتيال صديقه الوزير السابق مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، فيما عُدّت رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى فريق الحريري.
بعد ساعات على حصول التفجير، خرج سعد الحريري، نجل رفيق الحريري الذي كان بعيداً في ذلك الوقت عن العمل السياسي، إلى مكان التفجير متفقداً، وكان رده على سؤال عمّا إذا كان يعرف من يقف وراء اغتيال والده: «الأمر واضح، لا؟»، فيما كانت قد بدأت أصابع الاتهام توجّه على ألسنة سياسيين وأحزاب، إلى دمشق.
أما شعبياً فكان رد الفعل بنزول أعداد ضخمة من اللبنانيين إلى الشارع احتجاجاً مع اتهامات مباشرة لسوريا بالعملية، وهتافات: «سوريا اطلعي برا»، ونجحت التحركات الشعبية حينها في إسقاط الحكومة القريبة من دمشق برئاسة عمر كرامي.
واستمرت التحركات الشعبية في الشارع وصولاً إلى يوم 14 مارس (آذار) 2005 حين نزل مئات الآلاف إلى الشارع وملأوا وسط بيروت وشارعها. ووصف ذلك اليوم بأنه «يوم تاريخي» لعب دوراً حاسماً في خروج القوات السورية من لبنان في أبريل (نيسان).
لكن في غضون ذلك كان «حزب الله» وحلفاؤه يتحركون على خط مقابل داعين إلى «يوم وفاء» لسوريا في «8 مارس» شارك فيه أيضاً مئات الآلاف.
ومنذ ذلك الحين انقسم لبنان لسنوات طويلة بين «قوى 14 آذار» المناهضة لسوريا، و«قوى 8 آذار» المؤيدة لها، وفُتحت صفحة جديدة في تاريخ لبنان أخرجت دمشق من المشهد السياسي المباشر في البلاد.
ومع تغير المشهد السياسي على وقع هذه العملية، عاد رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون من منفاه الباريسي الذي امتد لـ15 عاماً، فيما أصدر البرلمان اللبناني عفواً سمح بخروج رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من السجن.
ومع انطلاق التحقيقات توجه التحقيق الدولي أولاً نحو سوريا، لكن ما لبث أن توقف عن ذكر دمشق، ووجّه الاتهام إلى عناصر في «حزب الله»، بالتخطيط وتنفيذ الاغتيال، بينما كان رد «حزب الله» الدائم هو رفض الاتهامات الموجهة إليه ورفض تسليم المتهمين.
وتمكن «حزب الله»؛ القوة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بترسانة سلاح في لبنان إلى جانب القوى الأمنية الشرعية، من ملء الفراغ الذي خلفه غياب دمشق سياسياً، وتحوّل رويداً رويداً إلى قوة أساسية تتحكم بمسار الحياة السياسية في البلاد.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم