الشرطة السودانية تفرّق بالغاز مواكب تطالب بـ«تصحيح الثورة»

حمدوك يتعهد تحقيق العدالة في ذكرى توقيع وثيقة الحكم الانتقالي

جانب من مسيرة أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)
جانب من مسيرة أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

الشرطة السودانية تفرّق بالغاز مواكب تطالب بـ«تصحيح الثورة»

جانب من مسيرة أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)
جانب من مسيرة أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)

فرقت الشرطة السودانية بالغاز المسيل للدموع موكباً احتجاجياً انتظم أمام مجلس الوزراء السوداني، أطلق عليه منظموه «موكب جرد الحساب»، بمناسبة مرور عام على توقيع «الوثيقة الدستورية» الحاكمة للفترة الانتقالية في البلاد، وهددت لجان المقاومة بالتصعيد وإغلاق الخرطوم بالمتاريس احتجاجاً على عنف الشرطة.
وفي 17 أغسطس (آب) 2019 وقع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير - هو التحالف الذي قاد الاحتجاجات التي أسقطت نظام الرئيس المعزول عمر البشير - مع قادة المجلس العسكري الانتقالي، وثيقة دستورية قضت بتكوين حكومة انتقالية مكونة من مجلسين: مجلس سيادة برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومجلس وزراء برئاسة عبد الله حمدوك.
وردد المتظاهرون الذين تجمعوا من أنحاء العاصمة الخرطوم أمام مجلس الوزراء، وتقدر أعدادهم بنحو ثلاثة آلاف، هتافات تطالب بتحقيق العدالة لشهداء الثورة وجريمة فض الاعتصام: «الدم قصاد الدم... ما بنقبل الديّة»، و«الشعب يريد قصاص الشهيد»، و«حقنا كامل ما بنجامل» و«جيبوا السلام وين السلام».
وواجهت الحكومة الانتقالية صعوبات عديدة في تنفيذ شعارات الثورة «حرية عدالة سلام»، بحسب المواقيت المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، ومحاكمة رموز النظام المعزول، وتحديد قتلة المعتصمين السلميين أمام قيادة الجيش في 3 يونيو (حزيران) 2019، الذي تتهم فيه قيادات عسكرية وأمنية، فضلاً عن عدم قدرتها على مواجهة الضائقة الاقتصادية.
وطالب المحتجون بتكوين المجلس التشريعي الانتقالي خلال فترة قدرها ثلاثة أشهر، وإقامة مؤتمر اقتصادي لوضع سياسات لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتحقيق السلام، وإنفاذ الوثيقة الدستورية التي نصت على سلطة تشريفية لمجلس السيادة، فضلاً عن إصلاح المنظومة العدلية وإكمال تفكيك نظام الإسلاميين، وهيكلة القوات النظامية والأمنية.
ورغم إعلان ولاية الخرطوم حماية المواكب ودعوتها للمحتجين بالتزام المسارات، دعماً للحريات والحق في التعبير السلمي، وأمرها بإبقاء الجسور والطرق مفتوحة أمام حركة السير، فإن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريق المحتجين، الذين حاول بعضهم الدخول عنوة لمجلس الوزراء.
ونددت سكرتارية تجمع المهنيين في بيان نشرته على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي بتفريق الموكب باستخدام الغاز المسيل للدموع والتعامل العنيف مع المحتجين، واعتبرت عدم مخاطبة رئيس الوزراء للمحجين عملاً استفزازياً، وتوعدت بتصعيد الاحتجاجات، وأضافت: «إزاء هذا الاستفزاز، والتعدي من الأجهزة الأمنية، تبقى خيارات التصعيد مفتوحة، ويجري تقييمها عبر تنسيقيات لجان المقاومة»، ما يعني استمرار الاحتجاجات.
وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن المواكب كانت غير مرتبة، ما دفع متفلتين من بينهم للتحرش بالشرطة، وإحراق الإطارات أمام مجلس الوزراء، ومحاولة دخول مباني المجلس، ما دفع الشرطة للتدخل، وتابع: «استخدمت الشرطة الغاز بكثافة، وهذا عنف مفرط غير مقبول، كان يمكن التعامل مع المتفلتين بشكل أقل عنفاً».
وكانت لجان المقاومة، وهي تنظيمات شعبية محلية أسهمت بشكل كبير في حشد المواطنين أثناء الثورة، وقادت الاحتجاجات التي أسقطت نظام الإسلاميين، قد حذرت في بيان أصدرته أول من أمس من استخدام العنف ضد المحتجين، وتوعدت بإغلاق الخرطوم بالمتاريس حال الاعتداء على المحتجين. وقالت في البيان: «نحذر جميع الأجهزة الأمنية من المساس بالثائرات والثوار، وحتى مجرد التفكير في استخدام العنف، ونؤكد في حال تعرض القوات النظامية للمواكب والثوار، فإننا سنعلن الإغلاق التام لولاية الخرطوم بأمر الثورة والثوار، بالمتاريس التي تعرفونها جيداً».
من جهته، قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بيان بمناسبة مرور عام على توقيع الوثيقة الدستورية، إن الحكومة الانتقالية لا تزال تنتظر تكوين المجلس التشريعي الانتقالي، واعتبر تعيين حكام الولايات المدنيين «خطوة في طريق إكمال بناء الحكم المدني».
وأوضح حمدوك أن حكومته تواجه ما سماه «تحدي السلام»، وقال: «قطعنا فيه خطوات في مرحلته الأولى، التي تكاد تكتمل باتفاق الترتيبات الأمنية، مع أطراف عملية السلام الجارية في جوبا، وتبقت المرحلة الثانية مع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو». وتعهد حمدوك بالعمل لإنتاج «نموذج سوداني» للعدالة الانتقالية، يفتح الأبواب للمستقبل، ويعبد الدروب للانتقال، وإحداث تغيير جذري بمواجهة «إرث الحكم غير الرشيد»، بيد أنه عاد ليقول: «إحداث التغييرات التي نادت بها ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة، ليس بالأمر السهل، بل طريق متعرج بين صعود وهبوط». وفي نشرة على موقعها الرسمي على «فيسبوك»، هنأت السفارة الأميركية في الخرطوم الشعب السوداني بالذكرى السنوية لتوقيع الإعلان الدستوري، وأكدت دعمها لمسيرة الانتقال الديمقراطي السلمي، وحثت الحكومة على تسريع تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.