«بيتهوفن... حياة في تسع مقطوعات»

نشر الكتاب تزامن مع الذكرى الـ250 لميلاده

«بيتهوفن... حياة في تسع مقطوعات»
TT

«بيتهوفن... حياة في تسع مقطوعات»

«بيتهوفن... حياة في تسع مقطوعات»

إن كتاباً حول أشهر مؤلف موسيقي في المعتمد الغربي، مؤلف هو في نهاية المطاف «رجل أبيض ميت»، ليس المكان الذي يتوقع المرء أن يجد فيه رؤى عميقة عن أزمتنا الحاضرة. لكن منذ الفقرة الافتتاحية، تلقي دراسة لورا تنبرج الكاشفة لبيتهوفن (1770 - 1827)، والمنشورة لتتزامن مع الذكرى الـ250 لميلاده، شباكاً عبر القرون تجمع الاشتباكات بمهارة. ليس الأمر كما لو أنها أدركت بالضبط إلى أي حد ستكون نقطة انطلاقها ذات صلة. في مفتتح «بيتهوفن: حياة في تسع مقطوعات» إشارة إلى حملة مطولة، بدأت بعد وفاته واستمرت لعقدين تقريباً، لإقامة نصب تذكاري للمؤلف الموسيقي في مسقط رأسه، بون. إذا كان ما يشغلنا حالياً هو التدمير وليس البناء، فإن حكاية النصب التذكاري تذكرنا بالضغط الذي نقع تحته لتكريم أولئك الذين نحتفي بهم بما يشبههم أو بسير تتقصى حياتهم.
كيف يمكن لأي شخص أن يقول شيئاً جديداً حول مؤلف موسيقي يقف إلى جانب شكسبير ودانتي؟ لقد تدفقت سِيَر بيتهوفن بانتظام منذ وفاته: من يوهان شلوسر عام 1827 مروراً بأعمال أساسية لأليكزاند ويلكوك ثاير (ثلاثة مجلدات نشرت ما بين 1866 - 1879)، ولمينارد سولومون ووصولاً إلى السيرة الضخمة والأحدث زمنياً لجان سوافورد. إن لم تستطع أن تضيف ما هو جديد في علم الموسيقى، فإن الرواية قد تكون البديل. بول غريفثز، الناقد الموسيقي السابق في مجلة «النيويوركر»، وجيسيكا دوتشن (الناقدة في «الإندبندنت» والمدوِّنة) أنتجا روايات لتتزامن مع الذكرى التي حتماً ستواجه الإحباط: كتاب غريفثز «السيد بيتهوفن» (Unbound)، بمزيج باهر من البحث الفانتازي، يصوره مسافراً لأميركا ومقيماً فيها. أما كتاب «الخالد» (Unbound) لدوتشن فيستكشف الغموض المتواصل حول «المحبوبة الخالدة» وغير المعروفة لبيتهوفن، إن كانت قد وجدت أصلاً.
كتاب تنبرج المعبر «حياة في تسع مقطوعات» إضافة مختلفة وجميلة: سيرة تُقدَّم بالتركيز على تسعة أعمال موسيقية مختلفة، كل واحد منها يسلط الضوء على مشاهد من حياة بيتهوفن، شخصيته وموسيقاه، التي أعطيت اهتماماً مساوياً وسهل الاستيعاب. اختياراتها تمتد من أول الذخيرة الموسيقية حتى آخرها: من نجاحاته الأولى في فيينا، من السباعية إلى الفوغا العظيمة، مروراً بالسيمفونية الثالثة «إيرويكا»، والأوبرا فيديلّو، والميسا سوليمنيس. تكتب تنبرج، الأستاذة في أوكسفورد، كتابها غير الأكاديمي الأول بوضوح، شارحة المصطلحات دون كلل وبيسر: أمران يصعب الجمع بينهما.
تنبرج، باهتمامها بالواقع أكثر من الأسطورة التي يحيط ببيتهوفن الكثير منها، تنظر نظرات ثاقبة ومنعشة للجوانب العملية التي تشكل حياة أي فنان. كانت كيفية حصوله على دخل إحدى أولوياتها. تقول الملاحظة الأولى في المقدمة: «على امتداد هذا الكتاب هناك إشارات إلى المبالغ التي كان بيتهوفن يحصل عليها». «كان بحاجة شديدة إلى السيولة المالية»، تقول بصراحة وبتلك العبارة أو ما يشبهها. العثور على طريق، إمكانية نشر مقطوعة، عدد التمارين التي يمكن تمريرها (عادة واحدة مما يؤدي إلى افتتاحيات كارثية)، كم السعر المفروض للتذكرة، كيف يمكن إقناع الرعاة الأثرياء ليتبرعوا، كيف يمكن التعامل مع المهمة غير المريحة في الدعاية الشخصية: كل ذلك يصنع الفرق بين طعام على المائدة أو الجوع، الأداء أو الصمت. اسأل أي مؤلف موسيقي في عصرنا وستجد أن القضايا لم تتغير.
عاش بيتهوفن في حوالي ستين شقة مختلفة في فيينا، محتفظاً أحياناً بأكثر من واحدة في الوقت نفسه. من داخل جدران تلك المساكن المليئة بالأشياء والفوضى، المتواضعة في مستواها الصحي، كان العالم يستدير أو يمضي إلى الأمام. شكاوى الجيران من الضجيج، سواء كانت موسيقى أو كلاماً - عرفت عنه خصوماته المتفجرة مع خدمه - قد يفسر عادته في التنقل. أحياناً كان الوضع السياسي هو الذي يقتحم. كان يعبر عن استيائه من أن الغزو النابليوني لفيينا، بما حمل من «طبول، ومدافع وبؤس إنساني»، وضع حداً لحفلاته الغنائية مع أصدقائه. وبما أن أحد تلك التجمعات على الأقل تضمن عزف موشح «المسيح » لهاندل – ربما بنسخة موزارت – فسيمكنك أن ترى سبب اعتراضه. كان العام والسياسي، الخاص والمنزلي، يحتفظان بتوازن دقيق.
تمنحنا تنبرج في 288 صفحة من التفاصيل ما يكفي لصياغة صورة متكاملة. إنها تتحدى، بالمثال لا بالنظرية، فرضية أن بيتهوفن كان سريع الغضب، بلا أصدقاء، وبلا حب. غريب الأطوار، نعم، وذو مهارة في الحصول على العرض الأفضل لأعماله، ولكنه كان شخصاً عطوفاً أيضاً، محبطاً بسبب صممه المتزايد. معالجتها الحساسة لمعركة بيتهوفن القانونية من أجل كفالة ابن أخيه، كارل، وتوسلات أم كارل لرؤية ابنها، تثير أسئلة كثيرة. ما هو الكرم أو الحاجة التي دفعت ببيتهوفن لتبني الصبي في المقام الأول؟ أي نقص في الإنسانية جعله في حرب مع أم حبها واضح وإن كانت من طبقة متواضعة؟ علينا ألا نندهش إن تسببت هذه الأزمات العاطفية في ثغرات إبداعية في تلك الفترة. لكننا نجده في خضم تلك الفوضى يكتب أحد أكثر أعماله روعة وتركيبية، سوناتا البيانو رقم 106. «هامركلافيير» (1817 - 1818).
كثيراً ما ينظر إلى العبقرية، وعلى نحو مبالغ به، بوصفها سلعة منقاة. تنبرج تضعها، بصلابة وثقة، في بؤرة حياة عملية شاقة. تجعلنا نزداد اندهاشاً تجاه بيتهوفن. كتاب تنبرج يصل ختامه في صيف 2019، حيث أقيم نصب فني سمي «أغنية إلى البهجة» - في إشارة إلى الحركة الأخيرة من السيمفونية التاسعة - تمثل في 700 تمثال ملون لبيتهوفن بارتفاع يصل إلى المنتصف في إحدى الساحات الرئيسية. أي فرصة سانحة سيجدها محطمو الأيقونات لو وجدوا عيباً في هذا البطل العظيم في حبه للإنسانية والحقيقي في بشريته.

- نشر النص الأصلي في {الأوبزرفر}



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.