رقائق تبريد لتكييف الهواء... من دون كهرباء

قد توفر بديلاً أفضل وأرخص مستقبلاً

جيان واي (إلى اليسار) وزميله لو تشو
جيان واي (إلى اليسار) وزميله لو تشو
TT

رقائق تبريد لتكييف الهواء... من دون كهرباء

جيان واي (إلى اليسار) وزميله لو تشو
جيان واي (إلى اليسار) وزميله لو تشو

ابتكر باحثون تقنية تبريد غير مباشرة ذات تكلفة منخفضة، تعتمد على تصنيع رقائق بوليمرية، شبيهة بأفلام التصوير، يمكن استخدامها في تبريد المباني في المناطق الحضرية، بدون الحاجة إلى الكهرباء، مما يسهم في تقليل استهلاك الطاقة إلى حد كبير، وبالتالي في الحد من التغيرات المناخية.
وعادة ما تستهلك أنظمة تكييف الهواء الحديثة كميات كبيرة من الطاقة، خاصة في ساعات النهار، وينتج عن ذلك انبعاث كميات مرتفعة من غازات الاحتباس الحراري المسؤولة عن تغير المناخ. وعلى سبيل المثال، فإن تكييفات الهواء مسؤولة عن 15 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة، وقد ترتفع هذه النسبة إلى 70 في المائة في الدول شديدة الحرارة، مثل السعودية.
جدير بالذكر أن تقنية «التبريد الإشعاعي»، التي تعتمد على رقائق دقيقة للتحكم في درجات حرارة المباني، مثل الأفلام الفوتونية المسطحة متعددة الطبقات، وأفلام المادة الهجينة ذات الخصائص الاستثنائية، أصبحت تجذب الانتباه باعتبار أنها لا تستخدم الكهرباء، إلا أنها ما زالت معقدة كما أن تكلفة تصنيعها مرتفعة.
وقد طُورت هذه التكنولوجيا الجديدة من خلال تبادل للطلاب بين الولايات المتحدة وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست). إذ تمكن باحثون، بقيادة تشاوتشانج جون، وطالب الدراسات العليا، لو تشو، من جامعة ولاية نيويورك في بافالو، وجيان واي ليانج، وعدد من زملائه، من مختبر البروفسور بوون أووي للفوتونات الضوئية في كاوست، بالتعاون مع باحثين من جامعة ويسكونسن، من تطوير تكنولوجيا تبريد غير مباشرة، مصنوعة من تركيبة من ثنائي ميثيل السيلوكسين (PDMS) على فيلم (غشاء رقيق) ألومنيوم.
وثنائي ميثيل السيلوكسين هو مركب ينتمي إلى مجموعة من المركبات البوليمرية العضوية يُشار إليها عادة باسم «السيليكون».
ويوضح جيان واي: «إن ثنائي ميثيل السيلوكسين، يتميز بقدرته المرتفعة على امتصاص الحرارة في نطاق (نفاذية الغلاف الجوي) للأرض، بينما تنخفض هذه القدرة في نطاق الطول الموجي الشمسي المرئي. وهذه الخصائص تجعله مادة مثالية للتبريد الإشعاعي غير المباشر».
ويُقصد بـ«نفاذية الغلاف الجوي» الأطوال الموجية للطيف الكهرومغناطيسي القادرة على الانتقال عبر الغلاف الجوي للأرض.
ويمكن لاستخدام ثنائي ميثيل السيلوكسين على فيلم الألومنيوم، أن يساعد في تبريد الأبنية بكفاءة، خلال ساعات النهار، وذلك عن طريق استغلال التداخل الطيفي بين نفاذية الغلاف الجوي - المقابلة لأطوال موجية تتراوح بين 8 و13 ميكرونا - ونطاق الإشعاع الحراري المنبعث من الأبنية في درجات الحرارة الاعتيادية.
ولصناعة هذا الفيلم، استخدم الباحثون عملية الطلاء بشفرة حادة أولاً، حتى يتمكنوا من طلاء سطح صفيحة ألومنيوم بطبقة من صمغ ثنائي ميثيل السيلوكسين، وبعد ذلك استخدموا شفرة قياس للتحكم في سُمْك الطبقة، مع تسخين التركيبة في فرن بدرجة حرارة 60 مئوية لمدة ساعتين، لإكمال عملية الدمج.
ويقول تشاوتشانج: «رغم أن مادة ثنائي ميثيل السيلوكسين ذات قدرة امتصاص منخفضة في نطاق الطول الموجي الشمسي، فقد وجدنا أن قدرتها على التبريد الإشعاعي تأثرت بشكل ملحوظ بالبيئة المحيطة عند اختبارها في الأماكن المفتوحة، خاصة في المناطق الحضرية المزدحمة».
ولمعالجة هذه التأثيرات، قام الفريق بتطوير مأوى انتقائي للطيف، يوجه الإشعاع الحراري نحو السماء، ما أدى إلى خفض درجة الحرارة أثناء النهار لـ6.5 درجة مئوية في البيئة المحيطة.
ووجد الباحثون أن استخدام ثنائي ميثيل السيلوكسين، مع وضعه على فيلم ألومنيوم، يوفر حلاً منخفض التكلفة وصديقا للبيئة، لتبريد المباني في المناطق الحضرية، كما يمكن تصنيعه بكميات كبيرة، مما يسهم في الترويج التجاري لهذه التكنولوجيا.
يقول جيان واي: «نعمل الآن على البنية الضوئية للفيلم، لتحسين قدرته على التبريد الإشعاعي، كما نبحث أيضاً إمكانية تطبيق هذه التقنية في تكثيف البخار، وتبريد المياه».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً