ألكسندر لوكاشينكو... وخصومه

كان ألكسندر لوكاشينكو (65 سنة)، مديراً لمزرعة في الدولة السوفياتية قبل أن يصبح أول رئيس لبيلاروسيا في عام 1994. ومنذ ذلك الحين أقدم بلا تردد على قمع وسائل الإعلام المعارضة والمستقلة في الجمهورية التي يبلغ عدد سكانها 9.5 مليون نسمة، التي تحدها: روسيا من الشرق والشمال الشرقي، وأوكرانيا من الجنوب، وبولندا من الغرب، وليتوانيا من الشمال الغربي، ولاتفيا من الشمال.
بيد أن خبراء في روسيا يرون أن لوكاشينكو في هذه المرة «قد خسر شجاعته حيث يبدو متوتراً بشكل متزايد في مواجهة مسيرات المعارضة». وخصوصاً، أن التداعيات الاقتصادية المؤلمة الناجمة عن جائحة كوفيد - 19 وسوء استجابة الحكومة لها أسفرتا عن تآكل بيّن في شعبية لوكاشينكو.
وما يجدر ذكره هنا أنه سبق للوكاشينكو أن عارض بقوة تطبيق إجراءات الإغلاق، ورفض الاعتراف بوجود فيروس الكوفيد - 19. زاعماً أنه «وهم». ومن ثم، دعا مواطني بيلاروسيا إلى العمل بشكل أنشط، وتناول الأغذية الطازجة لمواجهة الشعور بالمرض. أيضا دعا إلى استخدام مشروبات كحولية مثل الفودكا لمواجهة المرض. واستمر على هذا النهج إلى أن اعترف هو نفسه، الشهر الماضي، بأنه أصيب لكنه شفي بسرعة. وحول موقف الرئيس من كوفيد - 19 قالت الزعيمة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا إن نصيحة لوكاشينكو للمواطنين بأن يحموا أنفسهم من الفيروس بأخذ جرعة يومية من الفودكا كانت بمثابة «بصقة في الوجه».
من جهتها، فإن الخطة الانتخابية لتيخانوفسكايا قبل رحيلها المفاجئ عن البلاد بعد الانتخابات، توضح جانبا من تفاصيل النقاشات الدائرة داخل المجتمع البيلاروسي. ذلك أنها تعهدت في حال فوزها بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين، كما قالت إنها ستأمر بإجراء استفتاء دستوري من شأنه الحد من عدد الفترات الرئاسية، وستقوم بإدخال تغييرات ديمقراطية أخرى. ثم إنها تعهدت بالتنحي بعد ستة أشهر لإجراء انتخابات رئاسية جديدة وحرة. غير أن الجانب الأهم يبقى تعهد الزعيمة المعارضة بالعمل على التخلص من «معاهدة الاتحاد» التي تنص على علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية وثيقة مع روسيا.
هنا بالذات يبدو «مربط الفرس» بالنسبة إلى كثير من المعارضين البيلاروسيين الذي يرون أن هذه المعاهدة تحد من قدرة بلادهم على تطوير العلاقات مع العالم من حولهم. كذلك يرى كثيرون في المعارضة أن ذلك يمثل تهديداً لاستقلال البلاد. وما يستحق الإشارة في هذا السياق هو أن لوكاشينكو اعتمد على الإعانات والقروض الروسية للحفاظ على اقتصاد بيلاروسيا، كما كان الحال إبان الحقبة السوفياتية. واستنكر ارتفاع أسعار الطاقة الروسية هذا العام كجزء من ضغوط الكرملين على روسيا البيضاء للتخلي عن استقلالها.
أما تيخانوفسكايا، فإنها كانت قد برزت كشخصية استطاعت توحيد المعارضة في أعقاب رفض مسؤولي الانتخابات تسجيل اثنين آخرين من المرشحين المحتملين للرئاسة اعتبروا أقوى المنافسين المحتملين للوكاشينكو.
المرشح الأول فيكتور باباريكو، وهو رئيس بنك كبير تسيطر عليه روسيا، سُجن في مايو (أيار) الماضي بتهمة غسل الأموال والتهرب من الضرائب التي رفضها معتبرا أنها إتاوة سياسية. والمرشح الثاني، فاليري تسيبكالو، فر إلى روسيا مع أطفاله الشهر الماضي بعد تلقي تلميح يفيد بأن اعتقاله وشيك وأن السلطات مستعدة لتجريده من حقوقه الوالدية.
وهنا نشير إلى أن تيخانوفسكايا قالت أخيراً إنها اضطرت إلى إرسال ابنها البالغ من العمر 10 سنوات وابنته البالغة من العمر 5 سنوات إلى بلد أوروبي - لم تذكر اسمه - بعد تلقي تهديدات. وأوضحت «لقد تلقيت مكالمة هاتفية تقول: سنضعك خلف القضبان ونضع أطفالك في دار للأيتام... ولذلك كنت مترددة وعلى وشك التنحي». وأردفت أن القرار كان قراراً صعباً «لكنني اتخذت هذا الخيار» لمواصلة الكفاح، «يجب أن يكون هناك رمز للحرية».
لكن هذه العبارات قالتها المعارضة البيلاروسية قبل انتهاء الاستحقاق الانتخابي، واندلاع المظاهرات الحاشدة. فبعد ذلك كان لها رأي آخر، إذ أنها انتقلت بشكل مفاجئ إلى ليتوانيا.