تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن بعد اختياره السيناتور كامالا هاريس كنائبة في السباق الرئاسي بأربعة نقاط إضافية وفقا لاستطلاع راي قامت بع شبكة ايه بي سي نيوز. الا ان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشن دائما هجمات متكررة على استطلاعات الرأي التي تظهر تقدم منافسه عليه، ويذكّر ترمب في هجماته بفشل التوقعات في العام ٢٠١٦ والتي أشارت الى تقدم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عليه في كل استطلاعات الرأي. فيقول: «لقد فزنا في السباق في العام ٢٠١٦ مع معطيات مشابهة، واستطلاعات تبيّن أنها مزيفة.»
وبالفعل، فإن ما يقوله الرئيس الأميركي ليس عار عن الصحة، ففي ليلة انتخابات ٢٠١٦ ومع البدء بالإعلان عن النتائج، بات من الواضح ان استطلاعات الرأي أخطأت، فحقق ترمب فوزاً مفاجئاً للكثيرين، حتى لحملته الانتخابية نفسها. لهذا يقول البعض ان الرئيس الأميركي محق في تشكيكه باستطلاعات هذا العام، وفي الاعتماد على ما يصفه بالأغلبية الصامتة للفوز في ولاية ثانية، وهذا ما تشدد عليه رئيسة الحزب الجمهوري رونا مكدانييل التي قالت: «هذه الاستطلاعات لا معنى لها، فقد تم إجراء ١٥٠ استطلاع قبل انتخابات العام ٢٠١٦ أظهر خسارة دونالد ترمب، وكان الاستطلاع الأصح هو يوم الانتخابات.»
هل هذه التشكيكات محقة؟ ولماذا أخطأت الاستطلاعات في العام ٢٠١٦؟ الإجابة قد تكون صادمة للبعض، فهذه الاستطلاعات لم ترتكب خطأ فادحاً بل على العكس فقد كانت ارقامها قريبة جداً من الواقع، إذ أنها أظهرت فوز كلينتون بالأصوات الشعبية وتقدمها على ترمب بنسبة ٣ في المائة، وهي فازت بالفعل بالأصوات الشعبية لكن بفارق ٢،١ في المائة. إلا أن النظام الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة لا يعتمد على الفوز بأغلبية الأصوات الشعبية، فالفائز بالمقعد الرئاسي هو الذي يتفوق على منافسه في نقاط المجمع الانتخابي، ويحصل على ٢٧٠ نقطة أو أكثر. ترمب فاز ب٣٠٦ نقاط، فيما حصلت كلينتون على ٢٣٢ نقطة.
وعلى الرغم من أن الاستطلاعات صحّت في أغلبية الولايات، الا أنها أخطأت في ولايات الغرب الأوسط كميشيغين وبنسلفانيا وويسكنسن، وهي الولايات التي أعطت ترمب فارق الأصوات التي كان بحاجة إليها للوصول الى البيت الأبيض. فقد تقدمت كلينتون في ١٠١ من أصل ١٠٤ استطلاع في هذه الولايات الثلاثة منذ شهر آب-أغسطس وحتى الانتخابات في نوفمبر-تشرين الثاني، فيما أظهر استطلاعان فقط تعادل كلينتون مع ترمب، وأظهر استطلاع واحد في ولاية بنسلفانيا تقدم ترمب. لكن الرئيس الاميركي انتزع الفوز في الولايات الثلاثة التي أعطته ٤٦ صوتاً في المجمع الانتخابي.
اذاً ما الذي حصل بالفعل في استطلاعات العام ٢٠١٦و أين أخطأ المستطلعون في هذه الولايات؟
يقول كل من كورتني كينيدي مديرة مركز بيو للأبحاث وتشارلز فرانكلين مدير مركز استطلاع ماركيت ان المستطلعين أساءوا تقدير عاملين مهمين: الأول هو ان الاستطلاعات ركزت على الناخبين الذين يحملون شهادات جامعية، وهؤلاء كانوا يدعمون كلينتون بشكل كبير. الثاني هو عدم تركيز هذه الاستطلاعات على الناخبين الذين تأخروا في قرارهم، وأغلبيتهم انتخبوا ترمب. إضافة الى هذين العاملين كان هناك عامل آخر مهم، وهو أن بعض الناخبين شعروا بالحرج من الإعلان عن دعمهم لترمب، فكذبوا في استطلاعات الرأي، وهذا ما يشرحه الرئيس الأميركي عندما يقول: «أعتقد أن هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يريدون القول إنهم سيصوتون لصالحي. هم لن يقولوا: أنا أدعم ترمب لأنهم لا يريدون التعرض لانتقادات. فالإعلام لم ولن يعاملنا بعدل.»
ويقول المستطلعون هذا العام إنهم تعلموا من أخطائهم السابقة، فيسعون إلى التركيز على الناخبين الذين لا يحملون شهادات جامعية، وهؤلاء عادة ما ينتخبون الجمهوريين وغالباً ما يرفضون المشاركة في استطلاعات الرأي.
أما الناخبين المترددين فسيكون من الصعب أن تشملهم الاستطلاعات، خاصة إن لم يحسموا خيارهم قبل الأسبوع الأخير من الانتخابات. لكن عدد هؤلاء سيكون أقل هذا العام من العام ٢٠١٦، إذ أظهر استطلاع لجامعة مونموث ان ٩ من أصل ١٠ ناخبين قرروا من سينتخبون في نوفمبر من العام ٢٠٢٠.
وتشهد انتخابات هذا العام فوارق عدة عن انتخابات العام ٢٠١٦، أبرزها غياب أي مرشح عن حزب ثالث هذا العام. ويقول المستطلعون أن وجود المرشح عن الحزب الليبرتاري غاري جونسون في انتخابات العام ٢٠١٦ أدى الى تأخر بعض الناخبين في حسم خيارهم، الامر الذي ساهم في البلبلة المحيطة بالاستطلاعات.
كما أدّى تفشي فيروس كورونا الى تزايد أعداد الناخبين الذين سيصوتون عبر البريد، ما يعني ان تصويتهم سيكون قبل الانتخابات الفعلية في نوفمبر، الأمر الذي سيزيد من حظوظ صحة استطلاعات الرأي.
ولعلّ أكثر من يربك العاملين في مجال استطلاعات الرأي هو مشاركة «الناخبين الذين لا ينتخبون» في الاستطلاعات. فهناك عدد لا بأس به من الأميركيين الذين لا يتوجهون الى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، لكنهم يشاركون في استطلاعات الرأي. ويحرص المستطلعون هذا العام على طرح سؤال واضح على الناخبين قبل ادراجهم في نتيجة الاستطلاعات: هل ستصوتون في الانتخابات؟ وفي حال كان الجواب لا، يلغي المستطلعون رأي الناخب المذكور لتجنب نتائج مماثلة للعام ٢٠١٦.
عامل آخر أدى الى تزعزع نتائج استطلاعات العام ٢٠١٦ هو إدلاء مناصري بيرني ساندرز حينها بأصواتهم لصالح ترمب، في احتجاج منهم على ما وصفوه بفرض الحزب الديمقراطي لكلينتون عليهم. وقد شعر هؤلاء بالثقة الكافية للتصويت لترمب بسبب استطلاعات الرأي التي أظهرت تقدماً مريحاً لكلينتون عليه، فظنوا بأن أصواتهم لن تؤدي الى خسارة كلينتون في السباق، لكنهم بشكل أو بآخر ساهموا في هذه الخسارة. ويطلق المستطلعون اسم «التصويت الاحتجاجي» على هذه الممارسات، ويقول برايان شافنر أستاذ العلوم السياسية في جامعة توفتس: «من الطبيعي للبعض بالإدلاء بصوت احتجاجي، وقد يعمد بعض الأشخاص الى الادلاء بأصوات احتجاجية في حال ظنوا ان صوتهم لن يحدث فارقاً شاسعاً.»
فهل تعني كل هذه المعطيات أن جو بايدن يمكنه الاحتفال بنتيجة الاستطلاعات التي تظهر تقدمه بعشر نقاط على الأقل؟ على الأرجح أن يكون الاحتفال منطقياً، على غرار تخوف الرئيس الأميركي من نتيجة الاستطلاعات، لكن الأهم هو أن يتذكر الرجلان ان الوقت لا يزال مبكراً للاحتفال، وأن الأشهر الثلاثة الفاصلة قبل الانتخابات ستشهد تغييرات كثيرة قد تغير جذرياً من رأي الناخب الأميركي.
تقدم إيجابي لبايدن بعد اختياره كامالا هاريس نائبة له
تقدم إيجابي لبايدن بعد اختياره كامالا هاريس نائبة له
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة