مخاوف على المباني في محيط مرفأ بيروت

تقديرات أولية بتضرر 12 ألف مبنى... وتطمينات حول سلامة الجسور الرئيسية

رجل يقف أمس على شرفة أحد المباني المتضررة بفعل انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
رجل يقف أمس على شرفة أحد المباني المتضررة بفعل انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
TT

مخاوف على المباني في محيط مرفأ بيروت

رجل يقف أمس على شرفة أحد المباني المتضررة بفعل انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
رجل يقف أمس على شرفة أحد المباني المتضررة بفعل انفجار مرفأ بيروت (رويترز)

لا تبدو ندى رزق (42 عاماً) مطمئنة تماماً وهي تُخرج ما تبقى من أغراضها من منزلها المدمر تماماً في منطقة مار مخايل في العاصمة اللبنانية، بيروت، نتيجة انفجار المرفأ الأسبوع الماضي. هي وزوجها المفجوعان برؤية كل ما صمماه وتعبا لتحقيقه سوياً مجرد حطام، يُدركان أن المبنى الذي انتقلا إليه قبل 4 سنوات لم يعد قابلاً للسكن، نتيجة الانهيارات الكبيرة للشرفات ولأجزاء واسعة من الواجهات الرئيسية. إلا أن ما تخشاه بشكل رئيسي هو سلامة المتطوعين الذين يملأون الشوارع لرفع الحطام ومساعدة العائلات المتضررة وتكنيس الطرقات. وهي تنبّه، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من كوارث جديدة متنقلة في حال عدم المسارعة إلى الاهتمام بالوضع والقيام بتحديد سريع لأحوال المباني وعزل ما قد يكون منها مهدداً بالانهيار «كي لا نكون على موعد مع مزيد من الضحايا».
فمنذ وقوع الانفجار، قبل أيام، تهافت آلاف المتطوعين من المناطق اللبنانية كافة لمساعدة أهالي المناطق المنكوبة سواء في رفع الأنقاض وإخراج ما تبقى من أغراضهم من تحت الركام، فيما أحضر المئات المكانس لتنظيف الشوارع والطرقات. فبدت مناطق الجميزة - مار مخايل - الكرنتينا أشبه بخلايا نحل تعج بآلاف المتطوعين كما بالزائرين الذين جاءوا يستطلعون الأوضاع وبالطبع بالإعلاميين الذين تهافتوا لتغطية الأوضاع مباشرة على الأرض. إلا أن كل هؤلاء ليسوا في أمان، كما يؤكد الأخصائي في إدارة وطب الكوارث الدكتور جبران قرنعوني مستهجناً «كيف لم يتم حتى الساعة عزل بعض الأحياء والمناطق، وبخاصة تلك القريبة جداً من عصف الانفجار والتي تضررت بشكل كبير وباتت مهددة بالسقوط»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «معظم الأبنية الأثرية والأبنية القديمة في مناطق المدوّر ومار مخايل يجب منع المرور أمامها ومنع إزالة الردم من حولها كما يجب وقف كل عمليات التنظيف لأنها قد تسقط في أي لحظة على الموجودين هناك»، داعياً إلى حضور مندوبين من وزارة الأشغال ونقابة المهندسين وبلدية بيروت للقيام باللازم وحتى عزل مناطق في الكامل إذا اقتضى الأمر.
وأضاف «فالخوف ليس مرتبطاً بساعات وأيام، إنما ما نخشاه أن تقع المباني المتضررة بشكل كبير خلال شهر أو شهرين أو ثلاثة، أي مع حلول الشتاء وبدء البرق والرعد، ولعل الخوف الأكبر أن يكون بوقتها بعض السكان قد عادوا إليها».
ولا يبدو باسم متى (20 عاماً) مهتماً بالتحذيرات التي يطلقها ناشطون من احتمال سقوط بعض المباني المتضررة وبالدعوات للابتعاد عنها. إذ يقول لـ«الشرق الأوسط» وهو منهمك بأعمال الكناسة في منطقة الجميزة إن «كثيرين لاقوا حتفهم وهم في منازلهم ويعتقدون أنهم بأمان». ويضيف «أنا هنا أقوم بعمل تطوعي وأساعد أهالي المنطقة ولا أعتقد أن أي ضرر سيلحق بي». وفي الساعات الماضية، أوعز محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود إلى شرطة بيروت بإخلاء عقارات في منطقتي الرميل والمدور تشكل خطراً على شاغليها ومنع المرور على الأرصفة والفسحات المحيطة بها. ويؤكد رئيس لجنة السلامة العامة في نقابة المهندسين علي حناوي أن «فرقاً من المهندسين قامت بأكثر من جولة استطلاعية في المناطق المتضررة وطلبت عزل عدد من المباني، وتم بالفعل عزل العشرات منها، كما أننا طالبنا بإخلاء مبان وتم إخلاء نحو 30 مبنى». ويشير حناوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك حملة انطلقت بالفعل تضم 50 فريقاً هندسياً من المتطوعين في نقابة المهندسين للاطلاع عن كثب على كل المباني والمنشآت وتحديد وضعها وذلك بالتنسيق والتعاون مع بلدية بيروت ومحافظ العاصمة. ويوضح أن المباني الأكثر تضرراً هي تلك التراثية لأن بنيتها تختلف عن بنية المباني الحديثة وبخاصة تلك التي أنشئت بعد العام 2012 لأنها شيدت على أساس مقاومة الزلازل، أما المباني التي يبلغ عمر بعضها ما بين 40 و60 عاما فالكثير منها منهك ومتضرر ويتوجب الاطلاع عليه عن كثب.
ويوجه حناوي دعوة لكل المتطوعين وزوار المنطقة المتضررة للابتعاد عن المباني المتضررة حفاظاً على سلامتهم، داعياً القوى الأمنية وعناصر البلدية إلى التشدد في إبعاد الناس عن هذه المباني. أما بما يتعلق بالطرقات الرئيسية والجسور، فيطمئن حناوي إلى أنها مصممة لمقاومة الزلازل وبالتالي لم يؤثر ببنيتها انفجار المرفأ «لكن ننبه الناس من (خطورة) السير على جوانب الجسور والاتكاء على عليها لأنها قد تكون حالياً غير آمنة، والأهم الابتعاد عن اللوحات الإعلانية وجسور المشاة لحين الاطلاع على أوضاعها».
وبحسب دراسة أولية أجرتها جمعية «سوليداريتي» تبين أن هناك 12 ألف مبنى متضررة تضم نحو 90 ألف شقة. وتظهر الدراسة أن 354 مبنى تضرر بشكل كبير لوقوعها على مسافة 800 متر كحد أقصى من موقع الانفجار. وتوضح أن 380 مبنى أصيب بأضرار لوقوعها على مسافة ما بين 800 وألف متر. ويتضاءل حجم الأضرار مع الابتعاد عن موقع الانفجار. وتسجل الدراسة تضرر 1309 أبنية على مسافة تتراوح ما بين 1000 و1500 كلم.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.