«إمبراطورية الدم»... يكشف أبعاد الدور التركي في المنطقة العربية

«إمبراطورية الدم»... يكشف أبعاد  الدور التركي في المنطقة العربية
TT

«إمبراطورية الدم»... يكشف أبعاد الدور التركي في المنطقة العربية

«إمبراطورية الدم»... يكشف أبعاد  الدور التركي في المنطقة العربية

عن سلسلة «كتاب اليوم» التي تصدرها مؤسسة أخبار اليوم، صدر أخيراً كتاب «إمبراطورية الدم: حقيقة الوجود التركي في المنطقة العربية»، للكاتب والباحث د. أسامة السعيد نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار، مدير مركز أخبار اليوم للتدريب والاستشارات.
يتضمن الكتاب عشرة فصول تتناول تاريخ الوجود التركي في المنطقة العربية على مدى خمسة قرون منذ الغزو العثماني للمنطقة في عام 1516. وانعكاسات ذلك التاريخ التي يقول المؤلف إنها لا تزال ممتدة إلى اليوم، وإن ما تشهده المنطقة من تحركات تركية للاستيلاء على أراضي وثروات العديد من الدول العربية، ليس سوى محاولة لإعادة إحياء المشروع العثماني القديم تحت مظلة «العثمانية الجديدة»، التي يتبناها نظام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ويعتمد على استغلال الأوضاع السياسية المضطربة في العديد من دول المنطقة لاختراق تلك الدول والهيمنة على ثرواتها ومقدرات شعوبها.
ويناقش الكتاب في أحد فصوله العديد من الأفكار التي روجتها العثمانية الجديدة والتيارات الإسلامية المتحالفة معها حول حقيقة الوجود التركي في المنطقة، من بينها أن سيطرة الدولة العثمانية على المنطقة العربية كانت «فتحاً»، وهو ما يتناقض مع مفهوم الفتح الذي أرساه الإسلام للأراضي التابعة لدول وشعوب غير مسلمة، إضافة إلى أن الحكم العثماني كان يتنافى مع مفهوم «الخلافة»، وهو المفهوم الذي جرى ترويجه على نطاق واسع من جانب القوى الإسلامية، في محاولة لاستغلال المكانة الروحية التي يثيرها هذا المفهوم في وجدان ملايين المسلمين... ويفند الكتاب بالأدلة التاريخية زيف تلك المزاعم العثمانية.
كما يخصص الكتاب فصلاً كاملاً لتناول علاقة العثمانيين بالقضية الفلسطينية، وهي القضية التي يشير إلى أنها واحدة من أكثر القضايا التي تم استغلالها لدغدغة مشاعر ملايين المواطنين العرب، من خلال اتخاذ مواقف تركية حماسية ضد إسرائيل في العلن، في مقابل سياسات وتفاهمات تركية - إسرائيلية، دفعت بالعلاقات الثنائية إلى مرتبة العلاقات الاستراتيجية، وأصبحت بموجبها أنقرة، وفي ظل حكم حزب العدالة والتنمية هي الشريك الأكبر تجارياً وعسكرياً لتل أبيب.
ويوضح الكتاب أن موقف إردوغان وإصراره على تعزيز التعاون مع إسرائيل، ليس سوى امتداد لتاريخ طويل من العلاقات الحميمة بين الأتراك والإسرائيليين، فقد كانت تركيا ثاني دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالدولة الصهيونية، وذلك عام 1949. إضافة إلى انحياز تركيا للعلاقات مع إسرائيل على حساب العلاقات العربية.
كما يكشف الكتاب عن حقيقة التواطؤ العثماني مع الحركة الصهيونية وتورط «الباب العالي» في بيع الأراضي التي أقامت عليها الحركة الصهيونية العديد من المستوطنات الأولى على الأراضي الفلسطينية.
واستعرض الكتاب في أكثر من موضع طبيعة العلاقة بين تركيا ومصر عبر مراحل تاريخية مختلفة، وكيف كانت مصر هدفاً دائماً لتآمر الأتراك، ومحاولة القضاء على الدور المصري في المنطقة، أو على الأقل تهميشه، وذلك من خلال التربص بمصر بصور مختلفة وطمس شخصيتها القومية.
كما يكشف الكتاب العديد من الحقائق حول الاختلافات الجوهرية بين المشروع التركي الذي يتبناه نظام إردوغان، وبين المشروع المصري الذي تجسده ثورة 30 يونيو (حزيران)، وكيف أن كل منهما ينظر للمنطقة وللثوابت السياسية الأساسية نظرة مختلفة تماماً، وأن تركيا تتعجل الصدام مع مصر، لأنها تدرك أن استعادة مصر لدورها الإقليمي بقوة، يمثل العقبة الرئيسية أمام تنفيذ مشروع العثمانية الجديدة.
ويتطرق الكتاب إلى استعراض العديد من الحقائق التي تمثل إضاءة مهمة لمجريات الأحداث المعاصرة، وبخاصة ما يتعلق بالدور التركي في التآمر على مصر في قضية مياه النيل منذ عام 1958 والدور التركي في مساندة رفض تمويل إنشاء السد العالي، مروراً بالتآمر مع إثيوبيا آنذاك لحرمان مصر من مياه النيل، وصولاً إلى التعاون التركي الحالي مع أديس أبابا لإنشاء سد النهضة، وتعطيش مصر، تماماً كما فعلت في مشروعات السدود على نهري دجلة والفرات للتحكم في حياة سوريا والعراق.
ويقول المؤلف إن الكتاب حافل بالحقائق التاريخية وانعكاساتها على أرض الواقع، وأنه أراد أن يكون الكتاب محاولة لاستعادة الوعي، واستدعاء التاريخ لفهم بعض حقائق الواقع، لنعرف حقيقة المعركة التي تجري على أرضنا العربية، وحجم ما يحاك لنا، وأبعاد الهاوية الذي يريدون أن تنزلق إليها المنطقة.
يذكر أن هذا الكتاب هو الإصدار العاشر للدكتور أسامة السعيد، بعد أعمال الأدبية والفكرية والسياسية، وحصل على العديد من الجوائز الأدبية، ومنها جائزة الشارقة للإبداع في مجال الرواية.



كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».