بيروت تواصل لملمة جراحها... واتصالات سياسية لتشكيل حكومة

تشييع جنازة رجل الإطفاء جو نون الذي قُتل في انفجار مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
تشييع جنازة رجل الإطفاء جو نون الذي قُتل في انفجار مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
TT

بيروت تواصل لملمة جراحها... واتصالات سياسية لتشكيل حكومة

تشييع جنازة رجل الإطفاء جو نون الذي قُتل في انفجار مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
تشييع جنازة رجل الإطفاء جو نون الذي قُتل في انفجار مرفأ بيروت (أ.ف.ب)

يواصل اللبنانيون تشييع ضحايا انفجار المرفأ بعد أسبوع على وقوعه، مع العثور على مزيد من الأشلاء ووفاة مصابين، فيما ينهمك السياسيون المتهمون بالانفصال عن واقع المواطنين المروّع، في إجراء اتصالات سياسية للاتفاق على اسم رئيس الحكومة المقبل.
ويتعرض المسؤولون السياسيون لضغوط من المجتمع الدولي للإسراع بتشكيل حكومة تتجاوب مع مطالب الناس الغاضبين الذين نجحوا في إسقاط الحكومة برئاسة حسان دياب، ولضغوط على الأرض من خلال المظاهرات والاحتجاجات اليومية الداعية إلى محاسبة المسؤولين عن الانفجار ورحيل كل الطبقة السياسية التي تحكم لبنان منذ عقود.
وتتواصل، اليوم الأربعاء، عمليات البحث عن مفقودين تحت أنقاض مرفأ بيروت الذي تحوّل ساحة واسعة من الركام نتيجة الانفجار الذي أوقع 171 قتيلاً؛ بينهم من لم يتم التعرف على هوياتهم بعد، و6500 جريح. فيما يتغير عدد المفقودين باستمرار؛ إذ يتوزعون بين الذين لم تنته فحوصات الـ«دي إن إيه» الخاصة بهم، والذين لم يعثر على جثثهم أو أشلائهم بعد، حسبما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
في مقرّ فوج الإطفاء في بيروت؛ الواقع على بعد مئات الأمتار من المرفأ، شيّع عناصر الفوج، اليوم الأربعاء، زميلهم جو نون (27 عاماً) وسط أجواء من الحزن وعلى وقع مفرقعات نارية وتصفيق.

وكان جو في عداد 10 عناصر في فوج الإطفاء هرعوا إلى مرفأ بيروت بعد تلقيهم بلاغاً باندلاع حريق في «العنبر رقم 12». وبعد وقت قصير من وصولهم، وقع الانفجار الضخم الناتج، وفق السلطات، عن حريق في العنبر الذي خزّن فيه 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم.
وحمل عناصر فوج الإطفاء الذين غرقوا في دموعهم نعش رفيقهم جو الملفوف بالعلم اللبناني، مرددين: «الله معك يا بطل».
وكانت انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الانفجار صورة تظهر عناصر الفوج وهم داخل سيارة إطفاء في طريقهم إلى المرفأ، وأخرى لثلاثة منهم يحاولون خلع باب «العنبر رقم 12» قبل وقت قصير من دوي الانفجار.
وقال رئيس فوج إطفاء بيروت العقيد نبيل خنكرلي، لوكالة الصحافة الفرنسية، بعد مشاركته في التشييع: «من العشرة وجدنا 4 وسلمناهم إلى أهاليهم. الستة الآخرون ما زالوا في عداد المفقودين، ونبحث بين الأنقاض لنجد شيئا نسلّمه إلى عائلاتهم». وأضاف أن عناصر الفوج بعد معاينتهم حجم الحريق طلبوا الدعم، ما أنقذ زملاءهم الذين هرعوا لملاقاتهم وخرجوا من غرفة «تهدمت كلياً» عند وقوع الانفجار.
ومن بين عناصر فوج الإطفاء المفقودين، 3 شبان من عائلة واحدة وقرية واحدة هم: نجيب حتي (27 عاماً) وابن عمّه شربل حتي (22 عاماً) وزوج شقيقته شربل كرم (37 عاماً). وتنتظر عائلاتهم مطابقة فحوص الحمض النووي مع أشلاء عُثر عليها. وقالت ريتا، والدة نجيب قبل يومين: «قطعة، قطعتان... نريد أولادنا» لدفنهم.
وسيستمع المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، الأربعاء، إلى عدد من الضباط من الأجهزة الأمنية كافة المسؤولة عن مرفأ بيروت.
وأعلنت السلطات قبل أيام توقيف أكثر من 20 شخصاً بينهم مسؤولون عن المرفأ في إطار التحقيقات التي لم يرشح عنها شيء بعد.
وتستمر المساعدات بالتدفق إلى لبنان، معظمها من دون المرور بأجهزة الدولة.
ووصل إلى بيروت، الأربعاء، وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، وسلّم الصليب الأحمر اللبناني مساعدة بقيمة مليون يورو.
وجاء الانفجار ليزيد من أزمة اللبنانيين المعيشية؛ إذ تعاني البلاد من أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخها فاقمته تدابير الإغلاق العام جراء وباء «كوفيد19» الذي سجّلت الإصابات به معدلاً قياسياً، أمس الثلاثاء.

وعلى وقع الاحتجاجات التي عمت الشارع منذ الانفجار، قدّمت الحكومة استقالتها، الاثنين. ولم يحدّد رئيس الجمهورية ميشال عون بعد موعد الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة جديد، فيما تتمحور الاتصالات حول التوافق على هويته.
وأفاد مسؤول سياسي؛ رافضاً الكشف عن اسمه، وكالة الصحافة الفرنسية بتوجّه عام «لتشكيل حكومة جامعة»، لافتاً إلى «توافق بين رئيس البرلمان نبيه بري والنائب وليد جنبلاط (الزعيم الدرزي) على تسمية سعد الحريري»، مشيراً إلى أن «حزب الله» الذي يعدّ اللاعب السياسي الأبرز، «لا يمانع في عودة الحريري» الذي كان قد استقال تحت ضغط الشارع في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتؤشر هذه التسريبات والتقارير إلى انفصال تام عن الواقع من جانب السياسيين؛ إذ إن عودة الحريري مرفوضة على نطاق واسع في الشارع.
وكان جرى التداول، أمس، باسم نواف سلام رئيس حكومة محتملاً. وهو سفير سابق لدى الأمم المتحدة ويشغل حالياً منصب قاض في محكمة العدل الدولية.
وكتبت صحيفة «الأخبار» المقربة من «حزب الله»، الأربعاء، أن الحزب لن يقبل بـ«حكومة حيادية» ولا بـ«أسماء مستفزة» بينها سلام.
وتطالب جهات شعبية وسياسية عدة منذ فترة بـ«حياد لبنان»، في رسالة واضحة إلى «حزب الله» بضرورة التخلي عن سياسته الموالية لإيران وسوريا.
ودعا المنسق الخاص للأمم المتحدة لدى لبنان يان كوبيش إلى التعجيل بتشكيل حكومة جديدة «تلبي تطلعات الشعب وتحظى بدعمه، وتجنِّب البلاد فترة طويلة من الفراغ الحكومي».
ويعقد مجلس النواب، الخميس، اجتماعه الأول منذ الانفجار، وعلى جدول أعماله إقرار مرسوم إعلان حالة الطوارئ في بيروت لمدة 18 يوماً قابلة للتجديد، مما يثير خشية منظمات حقوقية.
وقالت «المفكرة القانونية»، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بدرس القوانين وتقييمها، في بيان، الأربعاء: «إعلان الطوارئ تبعاً للكارثة ولو جزئياً في بيروت يؤدي عملياً إلى تسليم مقاليد السلطة في المدينة إلى الجيش والمسّ بحريات التجمع والتظاهر». وأضافت: «هذا الأمر غير مبرر طالما أن الكارثة لم تترافق؛ أقله حتى الآن، مع أي خطر أمني».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.