من يخاف بيروت؟

من يخاف بيروت؟
TT

من يخاف بيروت؟

من يخاف بيروت؟

لا مدينة غير بيروت كانت مفتوحة أمامنا، حين تضيق بنا الأرض، وتطردنا تلك الأوطان التي كنا نصدّع رؤوسها بـ«لغونا»، وهو حقاً مجرد لغو، عن الحرية والخبز والمساواة والحق في الحياة كما نشتهي على هذه الأرض. لم تسألنا بيروت عما نحمل في رؤوسنا وأرواحنا، ولم تفتش في حقائبنا عن منشورات سرية وكتب ممنوعة، ولم تعرف حتى أسماءنا. لا مفتاح سحرياً لباب بيروت، إنه مشرع دائماً، ولا شرط لبيروت على أحد. أكثر من هذا، قالت لنا: خذوا مني ما تشاؤون، لكم الماء واليابسة.
وقبل هذا وذاك، كانت تسرب لنا ما يعيننا على الحياة في تلك البلدان الطاردة، وما سيشكلنا ويصوغنا كما نحن عليه الآن.
في ذلك العمر المبكر المجدب، تسلمنا هداياها الباذخة: «الآداب» و«الأديب» و«حوار» و«مواقف» و«شعر» و«الطريق» و«دراسات عربية»، ووصلتنا اعترافات روسو، و«الأب غوريو» لبلزاك، و«الأحمر والأسود» لستندال، و«مدام بوفاري» لفلوبير، وكوميديات موليير، وصراخ إميل زولا «إني أتهم».
ثم جاء جان بول سارتر كله تقريباً، ومعظم ألبير كامي، وما كان يدور من حوارات ملتهبة بين الماركسيين والوجوديين، وما اختمر آنذاك من اتجاهات فكرية وأدبية، وكتابات روجيه غارودي رداً على سارتر، وما بشر به في «منعطف الاشتراكية الكبير»، بعد أن ضاق ذرعاً بما كان يجري من انحرافات نظرية وعملية، ومعارك هنري لوفيفر مع حزبه (الحزب الشيوعي الفرنسي)، و«دفاتر» لويس التوسير، ودعواته إلى توجهات اشتراكية إنسانية، وانتقاده غير المسبوق آنذاك لمسار الأحزاب الشيوعية الأوروبية، وعبادة الشخصية، مما قاده أخيراً إلى الجنون بعد حصار فكري ونفسي ضار.
لم تكتف بيروت بأن تمنحنا قلبها، بل فتحت لنا قلب العالم... ورأسه أيضاً!
لكن عيون البلدان الطاردة كانت مفتوحة دائماً على بيروت. تهامس الأخوة الأعداء فيما بينهم في الغرف المظلمة: حذار من العدوى!
كانت المهمة سهلة، فلا أسهل من اختراق قلب طيب مفتوح على سعته حتى بسكين أكله الصدأ.
بدأت المجزرة عام 75؛ كانت مجرد إعلان علني صريح، فقد سبقها عمل دؤوب، صامت لكنه حثيث، عرابوه ماهرون حقاً. كل من يقول إن الحرب انتهت عام 1990 لهو على ضلال مبين. ليس جديداً أن تطعن بيروت في قلبها، ليس جديداً أن تنهش الصقور كبدها، الجديد أن عرابين آخرين دخلوا على الخط، وواصلوا سير الأوائل.
الحرب مستمرة.
ما يزالون خائفين من بيروت.
...
(مقطع من قصيدة «النفي» بعد زيارة لي لبيروت، عام 1982)

وبيروت ما رحلت... أو أضلت إليّ السبيلا
ولكنها قد تناءت قليلاً
لكيما تناكدني
وتلعب ثانية لعبة الاختفاء
أبيروت ساءلتك الله لا تلعبي.
...
إني أعرفها
أعرض من عرض الأرض
وأكبر من بطن الحوت
أعرف فجوات في سرتها
واسعة كبلاد الله
أعرف نهرين عراقيين يغوران عميقاً في عينيها،
أعرف ظلين، وطيرين، وموتين.
إني أعرفها
أصغر من راحة كفي
لكن أكبر من بطن الأرض.
...
فلتزهري...
لأجلي أزهري
- أي فتى مثلي هواك -
كوني عصاي
لأتكئ عليها
وأهش عربي بها
وأفتح البحر إلى يسراك
حتى تحلّ لي - وقد حلّ الشراب -
جنات بابل وقد علقها الله على بيروت ألفافاً
حتى تطيب لي مساكن على بحرك...
فاشتهيك في الحياة
واشتهيك في الممات
ويشتهيني الماء والتراب
انفتحي...
انفتحي...
فقد ضاق العراق...
صدراً وأطرافاً.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).