التحقيقات في تفجير بيروت تتوسّع وفرضية «العمل الإرهابي» غير مستبعدة

صورة من الجو تظهر حجم الدمار الذي لحق بمرفأ بيروت (رويترز)
صورة من الجو تظهر حجم الدمار الذي لحق بمرفأ بيروت (رويترز)
TT

التحقيقات في تفجير بيروت تتوسّع وفرضية «العمل الإرهابي» غير مستبعدة

صورة من الجو تظهر حجم الدمار الذي لحق بمرفأ بيروت (رويترز)
صورة من الجو تظهر حجم الدمار الذي لحق بمرفأ بيروت (رويترز)

وسّع القضاء اللبناني دائرة تحقيقاته في تفجير مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 170 شخصاً وآلاف الجرحى، ولم يقتصر على موظفين وإداريين فحسب، بل شمل كبار المسؤولين في إدارة المرفأ وعلى رأسهم مدير المرفأ حسن قريطم الذي أمر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي، باحتجازه على ذمة التحقيق، بالإضافة إلى مسؤولين في إدارة الجمارك وآخرين تابعين للأجهزة المعنية بأمن المرفأ، فيما ذهبت التحقيقات نحو فرضيات متعددة، بما فيها فرضية العمل الإرهابي.
وأسفرت التحقيقات المتواصلة منذ ثلاثة أيام عن توقيف 21 شخصاً على ذمة التحقيق، وكشف مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «لائحة التوقيفات مرشحة للارتفاع، وستطال رؤوساً كبيرة باتت في دائرة الشبهات»، مؤكداً أن «تبعات الكارثة التي أصابت بيروت جرّاء تفجير العنبر رقم 12 في المرفأ، لا يتحمّل مسؤوليتها موظفون وإداريون وعمّال في المرفأ، بل تقع على عاتق الكبار سواء رئاسة المرفأ وإدارة الجمارك والمسؤولين الأمنيين فيه، وصولاً إلى كل الوزراء والسياسيين الذين تعاقبوا على المسؤولية منذ إفراغ 2750 طناً من «نترات الأمونيوم» بالمرفأ في ربيع عام 2014 حتى وقوع الانفجار، وكل من كانوا على علم بوجود هذه المواد المتفجرة والخطيرة وأهملوها عن قصد أو تقصير.
وأثار قرار الحكومة تعيين لجنة تحقيق تضمّ شخصيات موضوعة في دائرة الشبهة، أبرزهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر (المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون)، علامات استفهام، لكن المصدر القضائي شدد على أن «هذه اللجنة تجري تحقيقاً إدارياً ومسلكياً لا علاقة له بالإجراءات القضائية»، مشيراً إلى أن «بعض أعضاء هذه اللجنة سيخضعون للاستجواب القضائي بمن فيهم بدري ضاهر، ولن يكون هناك غطاء سياسي لأحد مهما علا شأنه»، جازماً بأن «كل من جرى توقيفهم ومن تم استدعاؤهم للتحقيق من جديد، كانوا على علم ودراية بتخزين مواد ملتهبة ومتفجرة في المرفأ، وهم يعلمون بأن هذه المواد تشكل خطراً دائماً ومستمراً». وقال المصدر القضائي «كل من تعاقب على المسؤولية، وكل من تلقى رسائل بهذه الخصوص ولم يبادر إلى اتخاذ إجراءات لإزالة هذه المواد من المرفأ سيجري توقيفه وسيخضع للمحاكمة عن مسؤولية جنائية وليس مجرد تقصير أو إهمال».
ورغم مرور ثلاثة أيام على التفجير المدمّر، لم تحدد المرجعيات المعنية بالتحقيق الأسباب الحقيقية التي تسببت بتفجير مخزن «نترات الأمونيوم»، إلا أن مصدراً أمنياً أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التحقيق الفني اقترب من الإمساك بالخيط الذي يكشف دوافع التفجير». لكنه جزم بأن «فرضية تفجير المخزن بصاروخ باتت مستبعدة إلى حدّ كبير»، مؤكداً أن «خبراء التفجير اللبنانيين والفرنسيين اطلعوا على الصور التي وردت من القوات الجوية أو من القاعدة البحرية القريبة من مرفأ بيروت، وتبيّن أن الفيديوهات المتداولة في الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر سقوط صاروخ في موقع التفجير هي صور مفبركة ومركّبة وتفتقر إلى المصداقية»، لكن المصدر الأمني لم يستبعد «فرضية العمل الأمني»، مشيراً إلى أن مزاعم تفجير «نترات الأمونيوم» نتيجة عملية تلحيم لأحد الأبواب الحديدية تفتقر إلى الدقة. وجزم بأن «مادة النترات لا تشتعل بسهولة، وهي تحتاج إلى حرارة مرتفعة بحدود 220 درجة مئوية، أو إذا تسرّبت إليها مادة سائلة تغلي على درجة الحرارة المرتفعة المشار إليها».
وغداة تراجع احتمال التفجير بصاروخ أرض - جوّ، ينصبّ التحقيق على فرضيتين أساسيتين: الأولى تذهب باتجاه تسرّب الحرارة إلى المستودع، والأخرى لا تغفل العمل الإرهابي، ويبدو أن الفرضية الثانية تأخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام، واحتمال ربطها بتفجير متعمّد، وشدد المصدر الأمني على «ضرورة التعمّق بالتحقيق بمغزى تخزين مادة نترات الأمونيوم العالي الدرجة (34.7%) التي تستخدم لتصنيع المتفجرات وليس لهدف آخر، بالإضافة إلى وجود مواد ملتهبة سريعة الاشتعال وكابلات (فتيل) للتفجير البطيء»، معتبراً أن «احتمال التفجير بواسطة فتيل مربوط بعبوة داخل المخزن، من الفرضيات التي تطرح العمل الإرهابي بقوّة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.