بيروت تضمد جراحها... ومتطوعون يجمعون ركامها

متطوعون يزيلون الركام من أحد الشوارع قرب مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)
متطوعون يزيلون الركام من أحد الشوارع قرب مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)
TT

بيروت تضمد جراحها... ومتطوعون يجمعون ركامها

متطوعون يزيلون الركام من أحد الشوارع قرب مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)
متطوعون يزيلون الركام من أحد الشوارع قرب مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)

يكنس أنطوني الشاعر الزجاج المتطاير في شارع مونو في الأشرفية منذ الصباح وحيداً. نزل من اللقلوق في جبل لبنان إلى بيروت، مصطحباً مكنسة معه كأداة عمل، للمساعدة في «لملمة جراح بيروت»، وجمع الركام الذي خلفه التفجير الهائل الذي ضرب مرفأ المدينة يوم الثلاثاء الماضي، وفي خلفيته أن «لا حاجة ليدعونا أحد إلى هذا العمل»، طالما أن البلاد «حلت فيها نكبة».
وأنطوني، الذي انضمت إليه زميلته ساشا في وقت لاحق، واحد من مئات المتطوعين الذين هبطوا إلى ساحة الشهداء من عدة مناطق مختلفة، للمساهمة في جمع الركام. لم ينتظر هؤلاء دعوة أو تحفيزاً. فـ«النخوة»، هي المحفز الوحيد. حضروا بمبادرة شخصية، وشرعوا بأعمال إزالة الركام وكنس الزجاج، بما يتيح فتح الشوارع مرة أخرى بعد يومين على التفجير الذي أقفل العاصمة في وجه روادها، ومُنِعت السيارات من التجوال في شوارعها.
ويقول أنطوني أن الركام القاطن في الشارع، ليس آثار التفجير فقط. إنها «أوساخ الدولة». يقول إنه «يكنس فساد الدولة وإهمالها»، ويجمعها، وشباب آخرون لا يعرفهم، في أكياس على قارعة الطريق وقرب مستوعبات النفايات.
على الشارع المؤدي إلى ساحة الشهداء، تنزل مجموعات صغيرة من جهة المالية، وتلاقيها مجموعات أخرى من جهة جسر الكرنتينا. يلتقي الطرفان لدى خيمة صغيرة ثبتتها كلارا ديبا وأترابها لتوزيع المهام على المتطوعين الذين ينتشرون من شارع مونو إلى ساحة الشهداء والجميزة ومار مخايل، وينقسمون إلى مجموعات صغيرة، تتألف من شخصين أو ثلاثة «بما يتيح إنجاز الأعمال بوقت قياسي».
كلارا خططت وأصدقاؤها، مساء الأربعاء، لتنظيم عمل المتطوعين بما يسرع أعمال الركام. رفدها متطوعون آخرون بأدوات، هي مكانس ورفوش وأكياس حُزمت كباقات يتضمن كل منها 10 أكياس. تسجل أسماء واحد من المجموعة التي تنوي استعارة الأدوات، وتقول لهم إن معهم 3 ساعات لإعادتها، وتسألهم إرسال صور المنطقة لها قبل تنظيفها وبعدها. تتقاطر المجموعات الآتية من الضاحية الجنوبية لبيروت، وطريق الجديدة، والجبل، والمنية في الشمال، وتدخل إلى المنطقة المنكوبة.
تنقسم المجموعات في ساحة الشهداء بين عاملين على التنظيف وإزالة الركام، وآخرين يعدون الوجبات الغذائية للقاطنين في منازلهم المتهالكة. يساعد محمد مسلم جمال الآتي من الجنوب مع ابن خالته علي بتوضيب حصص غذائية، ويحملها مع أصدقاء له لإدخالها إلى الجميزة ومار مخايل. «نحن هنا منذ الصباح، نتعاون لتقديم المساعدات للمنكوبين»، كما يقول، فيما يفرغ آخرون سيارة مليئة بالسندويشات وعلب البسكويت وعبوات المياه.
تقول علا حركة التي تدير خيمة تابعة للحراك المدني في ساحة الشهداء إن الخيمة معدة لجمع المواد وتوضيبها كحصص غذائية متكاملة قبل توزيعها، بينما يتولى آخرون في منازلهم إعداد وجبات الطعام في منازلهم وإحضارها جاهزة وساخنة لتوزيعها على المنكوبين وعلى المتطوعين بإزالة الركام.
تلك الهبة الشعبية، تعوض غياب الدولة، بحسب ما يقول مارك الآتي من البترون أيضا لإغاثة المنكوبين. فالدولة المشغولة بالسجالات حول التحقيقات وتقاذف المسؤوليات، لم تتح لها المهام إجراء مسح شامل للأضرار، ولا حماية بعض الممتلكات على أطراف الشوارع المنكوبة من التعدي عليها. فهناك ثلاثة شبان يجمعون الخردة لبيعها لدى تجار الخردة في أرض جلول، كما يقول أحدهم، مضيفاً: «الألمنيوم باهظ الثمن الآن... وبدنا نعيش»، فيما يقول زميله إنه لا يجد عملاً، وهو ما دفعه لجمع الخردة. لكن هذه العملية التي تعتبر سرقة لممتلكات الناس، لا تقتصر على شبان ثلاثة يشكون البطالة. تنسحب على أطفال بين عمر الـ11 والـ14 عاماً الذين يجمعون خردة الحديد والألمنيوم والبلاستيك أيضاً على طرف بناية تعرضت للضرر مقابل بيت الكتائب في الكرنتينا.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.