أحد بحارة «سفينة الأمونيوم» يكشف تفاصيل رحلتها إلى بيروت

TT

أحد بحارة «سفينة الأمونيوم» يكشف تفاصيل رحلتها إلى بيروت

كشفت صحيفة «ريالي سيبير» (وقائع سيبيريا) تفاصيل عن رحلة شحنة نترات الأمونيوم التي انفجرت في لبنان، ونقلت عن أحد البحارة المسؤولين عن سفينة «روسوس» التي حملت الشحنة في خريف 2013 أسباب احتجاز السفينة في مرفأ بيروت، وكيف قضى البحارة 11 شهرا في الميناء قبل تمكنهم من مغادرة البلاد، وأسباب تخلي صاحب السفينة الروسي الأصل عنها.
وأجرت الصحيفة التي تصدر في سيبيريا، ويمولها «راديو سفوبودا» (الحرية) الغربي، ما يفسر الطابع المعارض لسياسات الكرملين في تغطياتها، مقابلة مع البحار بوريس بروكوشيف الذي كان على متن السفينة، في رحلتها الأخيرة.
وقال إنه عمل على متن السفينة لعدة شهور، قبل انطلاق الرحلة التي حملت الشحنة من ميناء جورجي إلى موزمبيق، وأضاف «الباخرة، بالطبع، ليست مريحة للغاية، الظروف صعبة، لكنها كانت صالحة للإبحار وقوية». مشيرا إلى أنه قبل نقل شحنة نترات الأمونيوم مباشرة تعاقب على ملكية السفينة عدة أشخاص، وكان آخرهم الروسي إيغور غريتشوشكين، لكن المفاجأة الأولى برزت عندما تم تغيير الطاقم بالكامل، قبل الرحلة مباشرة، وقال البحار: «صدمني ذلك وبدا لي مريبا، سألت القبطان: ما الأمر؟ فقال: كل شيء على ما يرام».
اتضح لاحقا أن القبطان أخفى سبب مغادرة الطاقم السابق، الذي أمضى أفراده عدة شهور في العمل من دون الحصول على رواتب، و«علمنا لاحقاً أنهم اتصلوا بالاتحاد الدولي للبحارة لأنهم لم يتلقوا رواتبهم لمدة 4 أشهر». اللافت أن الرحلة الأخيرة أحيطت بعدد من الملابسات، إذ تبين أن صاحب السفينة امتنع عن تسديد فواتير كثيرة في بداية الرحلة، وكان يرغب بتحميل السفينة بضائع تجارية من بيرايوس في اليونان حيث توقفت للتزود بالوقود، إلى بيروت لكسب أموال إضافية. وأضاف البحار أن الطاقم الجديد رفض ذلك، لأن السفينة كانت قديمة. وزاد أن صاحب السفينة أمر بتوجيهها إلى قبرص «لكن السلطات اللبنانية ألقت القبض على السفينة بسبب عدم دفع مستحقات الميناء. واكتشفنا آنذاك أنه لم يدفع لطاقم السفينة السابق، وحصل نوع من الإضراب. كان من الممكن إقناع الطاقم بالوصول إلى قبرص، لكنهم لم يسمحوا لنا بالخروج من بيروت. تمكن جزء من الفريق من مغادرة لبنان، لكنهم رفضوا الإفراج عني أنا وكبير المهندسين والمهندس الثالث وفني المراكب».
وزاد البحار «بقينا هناك لمدة 11 شهراً! لم نتقاضَ سنتاً واحداً. ولم يشتر لنا أحد حتى الطعام. يمكننا القول إنه تم تركنا في وضع خطير عن قصد، حُكم علينا بالجوع».
وكشف أنه أرسل نداءات استغاثة إلى الرئيس فلاديمير بوتين عبر القنصلية الروسية في بيروت، موضحا: «كتبنا أن حالتنا أسوأ من حالة الأسرى. السجين يعرف متى سيطلق سراحه لكننا لا نعرف متى سيطلق سراحنا»! وكان الجواب في كل مرة: «تم إرسال رسالتك إلى وزارة الخارجية».
وقال البحار إن أحد موظفي القنصلية سأله: ماذا تريد من بوتين؟ هل تريد أن يرسل قوات خاصة لإطلاق سراحك بالقوة؟
وأشار إلى أنه تم السماح للبحارة بمغادرة لبنان لاحقا، وحاولوا مقاضاة صاحب السفينة أمام القضاء الروسي لكن المحكمة ردت الدعوى ووجهت إلى ضرورة رفعها في قبرص حيث يقيم المشتكى عليه.
وفي إشارة لافتة قال البحار إن الديون المترتبة على صاحب السفينة للبحارة بلغت نحو 200 ألف دولار، و«أنا أعلم أنه عندما قام بتحميل هذا الملح الصخري في باتومي، حصل على مليون دولار للنقل» وأضاف: «السفينة نفسها، إذا تم بيعها كخردة تساوي 350 ألفا. لذلك قرر التخلي عنها ووضع مليون دولار في جيبه».
ولفت إلى نقطة مثيرة أخرى، وهي أن أصحاب الحمولة لم يحاولوا أبدا استعادتها، وزاد: لم أقلق في البداية. اعتقدت أن أصحاب الشحنة سوف يطلبونها. وسوف يساعدون السفينة، لأنهم أعطوا مليونا فقط للنقل. لكن المشترين لم يظهروا أي تحرك على الإطلاق»! وأضاف: إذا لم يسأل أحد عن الشحنة، فهذا يعني أنها ليست ملكاً لأحد!
وقال إنه علم لاحقا أن السفينة غرقت قرب الميناء، و«علمت بهذا من البحارة الذين أتوا فيما بعد إلى بيروت. غرقت الباخرة منذ عامين أو ثلاثة أعوام. كان فيها ثقب صغير، كان من الضروري ضخ المياه منها بشكل دوري. وإذا لم يكن هناك طاقم، فلا أحد يفعل ذلك».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.