ترحيب ليبي بعقوبات أميركية على«مهربي النفط»

ليبيون يصطفون في طوابير للحصول على حصتهم من الوقود (صور متداولة على حسابات ليبيين)
ليبيون يصطفون في طوابير للحصول على حصتهم من الوقود (صور متداولة على حسابات ليبيين)
TT

ترحيب ليبي بعقوبات أميركية على«مهربي النفط»

ليبيون يصطفون في طوابير للحصول على حصتهم من الوقود (صور متداولة على حسابات ليبيين)
ليبيون يصطفون في طوابير للحصول على حصتهم من الوقود (صور متداولة على حسابات ليبيين)

تبرأت سلطات غرب ليبيا من شبكات تهريب الوقود التي تنشط في البلاد منذ اندلاع انتفاضة 17 فبراير (شباط) 2011، وأبدت ترحيبها أمس (الجمعة)، بالقرار الأميركي الذي قضى بفرض عقوبات مالية على ثلاثة من المتورطين فيها.
وتواجه عصابات محلية، بالتعاون مع أطراف دولية، اتهامات عديدة بالاتجار في النفط الليبي على نطاق واسع، وفق تقارير أممية سبق لها التأكيد على أن «العديد من الجماعات المسلحة تعمل في مجال تهريب الوقود بشكل واسع».
وعلّقت المؤسسة الوطنية للنفط الموالية لحكومة «الوفاق» بالعاصمة طرابلس، على القرار الأميركي الذي صدر مساء أول من أمس (الخميس)، قائلة إن «شبكة المُهربين التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات ساهمت بشكل كبير في زعزعة الاستقرار بالبلاد»، متعهدة باستمرارها في «مراقبة كل عمليات التهريب بجميع أنواعه في مختلف مناطق ليبيا، واستمرارها كذلك في تقديم بلاغاتها وتقاريرها إلى مكتب النائب العام، ولجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، ومتابعة الإجراءات القانونية لمحاسبة المتورطين في هذه الأعمال غير المشروعة».
وفرضت الولايات المتحدة، أول من أمس، عقوبات مالية على شبكة من المهربين قالت إنهم «يسهمون في عدم الاستقرار في ليبيا»، من بينهم الليبي فيصل الوادي (وادي)، مشغّل السفينة «مرايا»، وشركاؤه مصباح محمد وادي (مصباح)، ونور الدين ميلود مصباح (نور الدين)، وشركة «الوفاق» المحدودة ومقرّها مالطا. وصنّف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية (الوادي) بموجب الأمر التنفيذي رقم (EO 13726)، وصنّف السفينة «مرايا» كممتلكات محظورة.
وقالت إن للمدعو «وادي» شبكة علاقات في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا لتهريب الوقود والمخدرات غير المشروعة عبر ليبيا إلى مالطا. وذهبت إلى أن جميع أصول هؤلاء الأشخاص، بما في ذلك السفينة المصنّفة، والموجودة داخل الولايات المتحدة، أو التي تدخل تحت ولاية الولايات المتحدة، أو التي يمتلكها أو يتصرّف فيها أشخاص أميركيون، يجب حظرها وإبلاغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عنها.
في السياق ذاته، اعتبر فتحي باشاغا، وزارة الداخلية في حكومة «الوفاق»، أن العقوبات الأميركية التي سيتم فرضها على ثلاثة ليبيين هي «غيض من فيض سيضرب الفاسدين الذين ساهموا في تقويض السلام ونشر الفوضى والانقسام»، متحدثاً عن أن وزارته «على تعاون وثيق بالجهات الدولية المختصة بمكافحة الفساد».
وقال باشاغا في تغريدة عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، إن وزارته على تعاون وثيق بالجهات الدولية المختصة بمكافحة الفساد، ورصد كافة العمليات الاحتيالية لغسل الأموال، «ولن نتردد في فضح الفاسدين مهما كانوا وأينما كانوا».
وسبق لفريق من خبراء الأمم المتحدة الكشف عن شبكة لتهريب النفط في مدينة الزاوية بغرب ليبيا، وقال في تقرير له، إن هذه العمليات التي تتورط فيها جماعات مسلحة: «تسهم في تفاقم العنف، وتهدد السلام والاستقرار في غرب ليبيا والدول المجاورة». واتهم الخبراء في تقريرهم آنذاك، «كتيبة النصر التي تتولى تأمين المصفاة، بتدبير عمليات تهريب الوقود بالتعاون مع الجماعات المسلحة في الزاوية وصبراتة والعجيلات وورشفانة من مصفاة الزاوية». لكن آمر الكتيبة محمد كشلاف، نفى حينها هذه «الاتهامات وأي علاقة مع مهربي الوقود».
وتضمن التقرير الأممي الذي عرض على مجلس الأمن، «مراحل تهريب الوقود من المصفاة إلى الوجهة النهائية، سواء عبر ناقلة للتهريب على الساحل أو في مستودع غير قانوني بالقرب من أي نقطة على الحدود البرية الليبية». وسبق للمتحدث باسم «الجيش الوطني» التحدث عن عملية تهريب واسعة للنفط الليبي تجرى في مدن ليبية بغرب البلاد، بينها الزاوية.
وقبل قرابة عامين، اعتقلت الشرطة الإيطالية ليبيين وإيطاليين ومالطيين بتهمة تكوين شبكة لتهريب الوقود من ليبيا تمكنت من بيع ما قيمته 35 مليون دولار على الأقل من وقود الديزل في إيطاليا ودول أوروبية أخرى؛ «جرت سرقته من مصفاة الزاوية» لتكرير النفط غرب العاصمة، وفقاً للمحققين.
كانت المؤسسة الوطنية للنفط رحبت في تحقيق سابق بعمليات تهريب الوقود الليبية، وأعربت عن تأييدها الكامل لتقرير منظّمتي «ترايل إنترناشيونال» و«ببلك آي» غير الحكوميتين اللتين أصدرتا تقريراً حول عمليات تهريب الوقود الليبي، مشيرة إلى أنها لا تزال تضع مكافحة تهريب الوقود في مقدمة أولوياتها. وتكبد قطاع النفط الليبي خسائر كبيرة تجاوزت سبعة مليارات دولار منذ إغلاقه بداية العام الحالي، بواسطة موالين لـ«الجيش الوطني» تنديداً بما سموه بسوء توزيع عائداته. وحسب المؤسسة، فإن مجموع خسائر الفرص البيعية الضائعة نتيجة الإقفالات غير القانونية للمنشآت النفطية منذ 18 يناير (كانون الثاني) الماضي، وحتى 6 أغسطس (آب) الحالي، بلغ 7 مليارات و982 مليوناً و395 ألف دولار خلال 202 يوم من الإقفالات.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.