«داعش» يوزع كتيب «جهاد النكاح» و«السبي والرقاب» على مقاتليه

32 سؤالا وجوابا أخرجها فقهاء ديوان البحوث والإفتاء للتنظيم الإرهابي

كتيب «السبي والرقاب» من إصدارات «داعش» الجديدة لجذب المزيد من المقاتلين الأجانب
كتيب «السبي والرقاب» من إصدارات «داعش» الجديدة لجذب المزيد من المقاتلين الأجانب
TT

«داعش» يوزع كتيب «جهاد النكاح» و«السبي والرقاب» على مقاتليه

كتيب «السبي والرقاب» من إصدارات «داعش» الجديدة لجذب المزيد من المقاتلين الأجانب
كتيب «السبي والرقاب» من إصدارات «داعش» الجديدة لجذب المزيد من المقاتلين الأجانب

قام «داعش»، بإصدار كتيب يشمل إجابات التنظيم على 32 سؤالا أعده ديوان البحوث والإفتاء التابع للتنظيم مع إجاباتها، بشأن السبي وكيفية التعامل مع الأسيرات، بدءا من تعريف السبي، ختاما بالفتاوى الخاصة بطرق نكاح الأسيرات. ويشرح الكتيب بالتفصيل ما تنطوي عليه هذه العلاقة، ويتضمن السماح بأخذ الأسيرة غير المسلمة، في إشارة إلى المسيحيين واليهود، كما ينصح بمعاملة غير المسلمات على أنهن إماء، ويتضمن الكتيب بعض الفتاوى الأخرى مثل نكاح النساء المرتدات اللائي ولدن مسلمات وغيرن دينهن. ويعرف كتيب «داعش» السبي، بأنه «ما أخذه المسلمون من نساء أهل الحرب»، ويقول إن «مبيح السبي الكفر، فتباح لنا الكوافر بتقسيم الإمام لهن بعد وضع اليد عليهن وإحضارهن إلى دار الإسلام»، وقد تحققت هذه الصفات، كما يرى أئمة «داعش» فيما غنموه من النساء الإيزيديات وغيرهن.

* تقول إحصائيات إن «غنائم الجهاديين من الإيزيديات بلغت نحو 2.500»، في حين يقول ناشطون إيزيديون، إن عدد النساء المفقودات يقارب 4.600 ونقلت مجلة «نيوزويك» عن الباحثة الكردية نازاد بيغيخاني، من مركز أبحاث العنف والجندر في جامعة بريستول، أن هؤلاء النساء يعاملن مثل «الماشية». ويخضعن للعنف الجسدي والجنسي، بما في ذلك الاغتصاب المنهجي المتكرر والاستعباد الجنسي. كما تم عرضهن في أسواق في الموصل والرقة، وعليهن شواخص.
وحرص الكتيب الأصولي على المزج بين «الأصالة والمعاصرة»، فجاء القسم الأول من العنوان «سؤال وجواب» بخط كوفي حديث المقطعين لتأكيد «الفصاحة»، ويقول الباحث المدعو أبو البراء الموحد في تبرير عمله بعد أن يطلب من قرائه ألا ينسوه من صالح دعائهم، إن «دليله يقدم لمحة على علم شبه مغيب في أبواب الفقه المعاصرة». وهكذا، رأى هو وديوانه حاجة عملية الآن إلى نفض الغبار عن هذا العلم وتلميعه، لأن موضوعه خرج بدوره من تحت ركام التاريخ، وأصبح واقعا.
ويؤكد الكتيب في مكان آخر على الامتلاك وتجريد «السبايا» من صفة الإنسانية، إذا يجوز بيع وشراء وهبة السبايا والإماء، إذ إنهن محض مال، يستطاع أن يتصرف به من غير مفسدة أو إضرار، بحسب الهيئة الشرعية لـ«داعش».
وفي ضرب السبايا «يجوز ضرب الأمة ضرب تأديب.. كما يحرم ضرب الوجه. كما أن هروب العبد أو الأمة من كبائر الذنوب، ويجب أن تعزر (الأمة الهاربة) تعزيرا يردع أمثالها عن الهرب».
وفى سؤال ورد ضمن الـ32: «هل من المسموح جماع الأسيرة مباشرة بعد الاستيلاء عليها؟»، ترد الفتوى في التنظيم: «لو كانت عذراء، يحق لسيدها أن يجامعها مباشرة بعد الاستيلاء عليها، ولكن إذا لم تكن كذلك، ينبغي الانتظار حتى ينظف رحمها».
وفي سؤال آخر: «هل من المسموح بيع أسيرة؟» يرد: «من المسموح شراء وبيع ومنح كهدية الأسيرات والإماء، لأنهن مجرد ملكية، ويمكن التخلص منها طالما أنها لا تسبب أذى أو ضررا للأمة الإسلامية». «هل يجوز جماع أسيرة لم تبلغ سن البلوغ»، يرد التنظيم: «يجوز جماع التي لم تبلغ سن البلوغ إذا كانت صالحة للجماع، ولكن إذا لم تكن صالحة، يكفي مداعبتها والتمتع بها دون جماع».
من جهته يقول الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريز للدراسات بلندن لـ«الشرق الأوسط»: «من الناحية الشكلية ومن خلال متابعتي لـ(داعش) لا يوجد لديهم عالم مفترض أو فقيه شرعي يعتد به، وهم مجموعة من الجهال المغرر بهم، بالإضافة إلى بعض الضباط البعثيين الذين سيطروا على قيادة التنظيم مثل حاجي بكر وأبو علي الأنباري وهم ضباط سابقون في جيش صدام». وأضاف الإسلامي المصري السباعي أنهم «يخوضون حرب عصابات وليس لهم دار إسلام مستقرة، وما يفعلونه هو عبارة عن حرب كر وفر مثل بقية الجماعات الجهادية، التي لا تدعي أن لهم دولة أو خلافة، مثل (القاعدة) التي لها فرع في الهند وكذلك في اليمن والصومال وخراسان والمغرب العربي ولديها متعاطفون في جميع أنحاء العالم».
أما بالنسبة لموضوع السبي يقول السباعي: «كل أبواب الفقه الشرعي، هناك باب اسمه أحكام السبي، وفيه كل التفاصيل، هذه المسألة أيضا تخضع للسياسة الشرعية بما يتناسب مع واقع المسلمين الحالي»، فمثلا: «إذا أخذت سبايا من الإيزيديين، أو من غير المسلمين فالواقع الآن، يحق لهم أيضا المعاملة بالمثل بمعنى اغتصاب المسلمات». وأكد أن ما يفعله «داعش» فيه تشويه كبير وضرر بالدين الإسلامي.
ووصف السباعي الكتيب بأنه رسالة لدغدغة مشاعر الشباب لجذب مزيد من المقاتلين الأجانب إليهم أو لدعوة الشباب المراهق للانضمام إليهم، باعتبار أنه سيقاتل وسيحصل على مأرب وكذلك يعد تنفيسا لشهواته. وأكد أن قيادات «داعش» يستخدمون النصوص الشرعية في غير محلها، وهم يزعمون أنهم أسسوا «الخلافة الإسلامية» ولكن الدين منهم براء، ويتخيلون أن علامات الساعة الكبرى تتحقق فيهم، وهذا سر دفعهم للشباب إلى محرقة كوباني، لأنهم يعتقدون أن هناك معركة فاصلة في دابق ستكون بين الروم والمسلمين، ويتخيلون أيضا أنهم سينتصرون في النهاية، وهذا ما قاله أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم التنظيم في بيان شهير: «إنهم سيسلمون الراية للمسيح، ويزعمون أيضا أنهم وعد الله الحق».



فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.