«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

العامل الجغرافي أحد أسباب سهولة الانضمام لـ«جبهة النصرة».. والجيل الجديد يفضل «داعش»

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري
TT

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

تضاعف في السنوات الأخيرة الماضية عدد السلفيين الجهاديين في الأردن نتيجة تلاقي عدد من العوامل.. «ففشل التجربة الثورية، والحملات التي شنت على تحركات الإسلاميين في دول المنطقة كمصر، أضف إليها الحرب الطائفية في العراق وسوريا والعودة إلى السياسات الأمنية، ساهمت كلها في تأجيج النزعة السلفية الجهادية في المملكة الهاشمية»، وفق ما رأى في حديث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد أبو رمان الذي أصدر أخيرا تقريرا حول السلفيين الأردنيين تحت عنوان «أنا سلفي».
ومع اتجاه الحرب السورية يوما بعد يوم لتتخذ منحى طائفيا، توسعت الهوة السنية - الشيعية، وتأجج العداء بين اثنين من فروع الإسلام.. «فالجهاد في سبيل الدفاع عن أهل السنة بات أمرا إلزاميا عندما اتخذت الحرب هذا المنحى الطائفي، وخصوصا بعد تدخل إيران و(حزب الله) العدو اللدود للسنة»، وفق ما قال أبو سياف، أحد الشخصيات الجهادية المعروفة في الأردن، في مقابلة سابقة.
هذا العداء في ظل صعود نجم تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من جهة، والميليشيات الشيعية مثل «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» والجيش الشعبي (National Defense Forces) المدعومة من الحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى، قد يدفع بالأردنيين الجهاديين إلى التورط أكثر في اللعبة الطائفية ولعب دور أكبر على مسارح مجاورة.
إلى ذلك، ساهمت القوة المالية لـ«داعش» التي صنفتها وزارة المالية الأميركية كأغنى جماعة متشددة في العالم في جذب عدد كبير من الأردنيين. «وعلى الرغم من أن الناحية المادية قد تكون عاملا لجذب الأردنيين من بين غيرهم، غير أنها لا تشكل الدافع الأساسي الذي يتمثل قبل كل شيء في اعتناق آيديولوجيا معينة»، على حد قول خبير الجماعات الإسلامية الأردني الدكتور حسن أبو هنية.
ينضوي السلفيون الجهاديون في الأردن ضمن السلفية بنطاقها الأوسع التي يقدر عدد أعضائها بشكل غير رسمي بـ20 ألف فرد، يضاف إليهم السلفيون التقليديون والإصلاحيون. وحتى عام 2011، كان السلفيون والجهاديون في الأردن يفضلون البقاء بعيدا عن الأنظار، غير أن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وقتها ومشاركتهم في المظاهرات سمحت لهم بالظهور على الساحة الأردنية.
ويشرح الدكتور أبو رمان قائلا: «إن معظم مراجع الحركة السلفية الجهادية في المملكة تؤيد جبهة النصرة، في حين يدعم جيل الشباب الصاعد على نحو متزايد تنظيم داعش». ومن بين الشيوخ الأردنيين الذين يدعمون جبهة النصرة نذكر الشيخ أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة، وكذلك إياد قليبي.
في بداية الحرب في سوريا، شجع الشيخ السلفي الجهادي الأردني أبو محمد الطحاوي الأردنيين على القتال ضد نظام الرئيس بشار أسد، معتبرا أنها «مسؤولية أي مسلم لوقف إراقة الدماء التي ارتكبها النظام النصيري (ضد السنة)»، في إشارة إلى النظام العلوي الحاكم في سوريا، وقد انضم مئات من الأردنيين إلى المعارك في سوريا. كما أورد الدكتور حسن أبو هنية، أن نحو 60 أردنيا شاركوا في عمليات انتحارية في سوريا.
وفي الوقت الذي يحتل الأردنيون مراكز مؤثرة في جبهة النصرة، يلعبون فقط أدوارا ثانوية في صفوف «داعش» الذي تهيمن عليه أكثرية عراقية، وفق الدكتور أبو رمان.
ومن بين الأعضاء النافذين في جبهة النصرة نذكر إياد طوباسي، ومصطفى عبد اللطيف، وسامي عريدي. فإياد طوباسي، المعروف بأبو جليبيب، هو أمير جبهة النصرة في دمشق والديرة، وهو صهر أبو مصعب الزرقاوي، الغني عن التعريف، ويعتقد أنه قاتل معه في العراق. أما عبد اللطيف، الملقب بأبو أنس الصحابة، فيتبوأ أيضا مركزا قياديا في الجبهة في حين يعتبر عريدي مفتي الجبهة. وفي المقلب الآخر، يعتقد أن كلا من عمر مهدي زيدان والدكتور سعد حنكي (المقرب سابقا من جبهة النصرة) يشغلان منصب المفتي في صفوف «داعش» في منطقة الرقة.
ويشرح أبو سياف أن من الأسباب التي قد تفسر انضمام الأردنيين إلى جبهة النصرة بشكل أكبر هي الفوارق الآيديولوجية، مشيرا بذلك إلى أفكار «داعش» المتطرفة بشأن حقوق الأقليات والعلاقة مع الفصائل الإسلامية الأخرى. أما السبب الآخر فقد يتمثل في الناحية الجغرافية، وبالتالي قرب الأردن من الديرة في سوريا التي تسيطر عليها جبهة النصرة. إلا أنه ومع إغلاق الحدود الأردنية في وجه الجهاديين، يعمد المزيد من المقاتلين إلى السفر عبر تركيا، ومنها إلى المناطق السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش، أي أنهم في نهاية المطاف سوف ينضمون إلى هذا التنظيم، وفق الدكتور أبو رمان.وتمثلت ردة فعل المملكة الهاشمية على تهديد الجماعات المتطرفة في بداية الأمر في حملة اعتقالات طالت جميع المناطق، وأسفر عنها توقيف نحو 150 إلى 170 شخصا. وفي الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة أمن الدولة حكما بالسجن لمدة 3 سنوات على منصور حمدين، ووسيم أبو عياش، بتهم تتعلق بانضمامهما إلى تنظيم داعش، واستخدام الإنترنت للترويج لآيديولوجية راديكالية إرهابية.
وكان تنظيم داعش قد وجّه تهديدات للمملكة في مقاطع فيديو نشرت على موقع «يوتيوب» ظهر فيها أردنيون وتعهدوا باجتياح المملكة وقاموا بحرق جوازات سفرهم. وقد شهدت مدينة معان الجنوبية التي تبعد 180 كيلومترا جنوب عمان، تحركات عدة ضد السلطة المركزية، علما بأن هذه المدينة تعتبر مسقط رأس الكثير من الجهاديين السلفيين وكثير من أبنائها انضموا للقتال في سوريا، كما شبهت بـ«الفلوجة الأردنية» نظرا لتكاثر أعلام «داعش» فيها. فضلا عن ذلك وخلال الصيف، نظم الكثير من المسيرات السلفية الجهادية في معان والزرقاء وعدد من المدن الأخرى، حيث رفع المتظاهرون لافتات سوداء ورددوا شعارات مؤيدة لتنظيم داعش».
مع ذلك، اتبعت المملكة الهاشمية نهجا أكثر واقعية تجاه السلفيين الجهاديين وفتحت قناة تواصل مع المتشددين المعتدلين. فجاءت تبرئة أبو قتادة من تهم تتعلق بالإرهاب في الأردن لتصب في خانة استراتيجية مؤقتة وعملية تتبعها الحكومة لمحاربة التهديد الأهم الذي يمثله «داعش».
وقد سلط حكم التبرئة هذا الضوء على مؤشرات عدة تقود إلى أن الأردن يعتمد استراتيجية «فرق تسد»، محاولة بذلك كسب أشخاص مستعدين لإدانة «داعش» على غرار أبو قتادة. ففي نهاية محاكمته الثانية منذ شهرين، انتقد أبو قتادة الذي يعتبر من أبرز مؤيدي جبهة النصرة علنا عمليات قطع الرأس التي ينفذها «داعش» بحق الصحافيين، واصفا إياها بأنها غير إسلامية. وأشار أبو قتادة الذي يعتنق الآيديولوجية الجهادية في نص نشر على حسابه على موقع «تويتر» أن هذه المجموعة لا تملك «دولة في العراق» ولا سلطة لها على عامة المسلمين.
وكان قد سبق تبرئة أبو قتادة في شهر يونيو (حزيران) الماضي الإفراج عن زعيم السلفية عاصم البرقاوي، المعروف أيضا باسم أبو محمد المقدسي، بعد أن أمضى 5 سنوات في السجن بتهمة تجنيد جهاديين للحرب في أفغانستان. عمدت السلطات الأردنية إلى التواصل مع المعتدلين منذ ظهور السلفية الجهادية، كما عمدت إلى استغلال الانقسامات بين جبهة النصرة و«داعش»، بحسب أبو هنية. غير أن هذا الأمر تغير إلى حد ما منذ بدء ضربات التحالف الدولي. فعمان التي تعد الحليف الأقوى للولايات المتحدة، انضمت للتحالف الدولي في مكافحة «داعش» في سوريا وأمنت قاعدة لانطلاق الطائرات الغربية ووفرت الخدمات الاستخبارية. عقب ذلك شهدت البلاد موجة ثانية من عمليات الاعتقال طالت السلفيين الجهاديين الذين نددوا بهجمات التحالف مثل الشيخ المقدسي واستنكروا الضربات ضد «جبهة النصرة» في سياق التي استهدفت و«داعش»، وفق أبو هنية.
إن الخطر الذي يحدق بالمملكة الأردنية الهاشمية يكمن في عدة عوامل. فتنظيم داعش خلافا لتنظيم القاعدة ركز على العدو القريب (أي الحكام الإقليميين) بدلا من العدو البعيد (الغرب). هذا التحول في أولويات المنظمات الجهادية تبلور في الحرب السورية، ومن الممكن جدا أن يطال الأردن الذي يعد جزءا من بلاد الشام، أي يعد جزءا من منطقة «خلافة البغدادي الإسلامية» المفترضة والمزعومة. «لقد نجح تنظيم داعش في بناء (ديار التمكين)»، بحسب أبو هنية. وهي الخطوة الأولى في حربه المقدسة التي تهف إلى توسيع نطاق «داعش» إلى ما بعد الحدود الوطنية على أساس الشريعة. ونقطة الانطلاق في هذه الخطة تمثل في السيطرة على سوريا والعراق، ومن ثم الانتقال إلى الأردن لإعادة توحيد «بلاد الشام».
وعلى غرار الزرقاوي الذي دفعته خبرته في العراق إلى تفجير 3 فنادق في عمان عام 2005، ستترك الحرب في سوريا والعراق تأثيرا مهما على الجهاديين السلفيين في الأردن. فالنجاحات التي يحصدها «داعش» أو «جبهة النصرة» ستشجع الجيل الجديد على تبني مواقف أكثر عدوانية في وطنهم. يتمثل عامل الخطر الثاني في تدفق اللاجئين السوريين الذين وفقا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين يصل عددهم إلى نحو 600 ألف شخص. «فبيئة اللاجئين تسهل لتجنيدهم إن كان في العمل الإجرامي أو الجهادي»، وفق أبو هنية. وكلما طالت الأزمة وانسد الأفق أمامهم، زادت إمكانية تعاونهم مع السلفيين الجهاديين.
وبما أن «أذرع تنظيم القاعدة» خبيرة باستغلال الاضطرابات التي تشهدها البلدان، لن تكون الأردن استثناء عن ذلك. غير أن بعض الخبراء مثل شين يون، ووائل الخطيب من مركز الأطلسي يعتبرون في تقرير صدر أخيرا أن «التوجه السلفي في الأردن ليس له قدرة كبيرة على إحداث الثورات.. فالجهاديون السلفيون الناشطون فعلا على الأرض والذين يرغبون بأسلمة المجتمع من خلال العنف لا يمثلون سوى أقلية محدودة، وهم تحت مراقبة دقيقة من القوى الأمنية». يذكر أن عدد المقاتلين الأردنيين الذين يشاركون حاليا في الحرب في سوريا، يصل إلى ألفي مقاتل انضوى نصفهم تقريبا في صفوف «داعش».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».