«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

العامل الجغرافي أحد أسباب سهولة الانضمام لـ«جبهة النصرة».. والجيل الجديد يفضل «داعش»

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري
TT

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

تضاعف في السنوات الأخيرة الماضية عدد السلفيين الجهاديين في الأردن نتيجة تلاقي عدد من العوامل.. «ففشل التجربة الثورية، والحملات التي شنت على تحركات الإسلاميين في دول المنطقة كمصر، أضف إليها الحرب الطائفية في العراق وسوريا والعودة إلى السياسات الأمنية، ساهمت كلها في تأجيج النزعة السلفية الجهادية في المملكة الهاشمية»، وفق ما رأى في حديث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد أبو رمان الذي أصدر أخيرا تقريرا حول السلفيين الأردنيين تحت عنوان «أنا سلفي».
ومع اتجاه الحرب السورية يوما بعد يوم لتتخذ منحى طائفيا، توسعت الهوة السنية - الشيعية، وتأجج العداء بين اثنين من فروع الإسلام.. «فالجهاد في سبيل الدفاع عن أهل السنة بات أمرا إلزاميا عندما اتخذت الحرب هذا المنحى الطائفي، وخصوصا بعد تدخل إيران و(حزب الله) العدو اللدود للسنة»، وفق ما قال أبو سياف، أحد الشخصيات الجهادية المعروفة في الأردن، في مقابلة سابقة.
هذا العداء في ظل صعود نجم تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من جهة، والميليشيات الشيعية مثل «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» والجيش الشعبي (National Defense Forces) المدعومة من الحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى، قد يدفع بالأردنيين الجهاديين إلى التورط أكثر في اللعبة الطائفية ولعب دور أكبر على مسارح مجاورة.
إلى ذلك، ساهمت القوة المالية لـ«داعش» التي صنفتها وزارة المالية الأميركية كأغنى جماعة متشددة في العالم في جذب عدد كبير من الأردنيين. «وعلى الرغم من أن الناحية المادية قد تكون عاملا لجذب الأردنيين من بين غيرهم، غير أنها لا تشكل الدافع الأساسي الذي يتمثل قبل كل شيء في اعتناق آيديولوجيا معينة»، على حد قول خبير الجماعات الإسلامية الأردني الدكتور حسن أبو هنية.
ينضوي السلفيون الجهاديون في الأردن ضمن السلفية بنطاقها الأوسع التي يقدر عدد أعضائها بشكل غير رسمي بـ20 ألف فرد، يضاف إليهم السلفيون التقليديون والإصلاحيون. وحتى عام 2011، كان السلفيون والجهاديون في الأردن يفضلون البقاء بعيدا عن الأنظار، غير أن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وقتها ومشاركتهم في المظاهرات سمحت لهم بالظهور على الساحة الأردنية.
ويشرح الدكتور أبو رمان قائلا: «إن معظم مراجع الحركة السلفية الجهادية في المملكة تؤيد جبهة النصرة، في حين يدعم جيل الشباب الصاعد على نحو متزايد تنظيم داعش». ومن بين الشيوخ الأردنيين الذين يدعمون جبهة النصرة نذكر الشيخ أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة، وكذلك إياد قليبي.
في بداية الحرب في سوريا، شجع الشيخ السلفي الجهادي الأردني أبو محمد الطحاوي الأردنيين على القتال ضد نظام الرئيس بشار أسد، معتبرا أنها «مسؤولية أي مسلم لوقف إراقة الدماء التي ارتكبها النظام النصيري (ضد السنة)»، في إشارة إلى النظام العلوي الحاكم في سوريا، وقد انضم مئات من الأردنيين إلى المعارك في سوريا. كما أورد الدكتور حسن أبو هنية، أن نحو 60 أردنيا شاركوا في عمليات انتحارية في سوريا.
وفي الوقت الذي يحتل الأردنيون مراكز مؤثرة في جبهة النصرة، يلعبون فقط أدوارا ثانوية في صفوف «داعش» الذي تهيمن عليه أكثرية عراقية، وفق الدكتور أبو رمان.
ومن بين الأعضاء النافذين في جبهة النصرة نذكر إياد طوباسي، ومصطفى عبد اللطيف، وسامي عريدي. فإياد طوباسي، المعروف بأبو جليبيب، هو أمير جبهة النصرة في دمشق والديرة، وهو صهر أبو مصعب الزرقاوي، الغني عن التعريف، ويعتقد أنه قاتل معه في العراق. أما عبد اللطيف، الملقب بأبو أنس الصحابة، فيتبوأ أيضا مركزا قياديا في الجبهة في حين يعتبر عريدي مفتي الجبهة. وفي المقلب الآخر، يعتقد أن كلا من عمر مهدي زيدان والدكتور سعد حنكي (المقرب سابقا من جبهة النصرة) يشغلان منصب المفتي في صفوف «داعش» في منطقة الرقة.
ويشرح أبو سياف أن من الأسباب التي قد تفسر انضمام الأردنيين إلى جبهة النصرة بشكل أكبر هي الفوارق الآيديولوجية، مشيرا بذلك إلى أفكار «داعش» المتطرفة بشأن حقوق الأقليات والعلاقة مع الفصائل الإسلامية الأخرى. أما السبب الآخر فقد يتمثل في الناحية الجغرافية، وبالتالي قرب الأردن من الديرة في سوريا التي تسيطر عليها جبهة النصرة. إلا أنه ومع إغلاق الحدود الأردنية في وجه الجهاديين، يعمد المزيد من المقاتلين إلى السفر عبر تركيا، ومنها إلى المناطق السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش، أي أنهم في نهاية المطاف سوف ينضمون إلى هذا التنظيم، وفق الدكتور أبو رمان.وتمثلت ردة فعل المملكة الهاشمية على تهديد الجماعات المتطرفة في بداية الأمر في حملة اعتقالات طالت جميع المناطق، وأسفر عنها توقيف نحو 150 إلى 170 شخصا. وفي الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة أمن الدولة حكما بالسجن لمدة 3 سنوات على منصور حمدين، ووسيم أبو عياش، بتهم تتعلق بانضمامهما إلى تنظيم داعش، واستخدام الإنترنت للترويج لآيديولوجية راديكالية إرهابية.
وكان تنظيم داعش قد وجّه تهديدات للمملكة في مقاطع فيديو نشرت على موقع «يوتيوب» ظهر فيها أردنيون وتعهدوا باجتياح المملكة وقاموا بحرق جوازات سفرهم. وقد شهدت مدينة معان الجنوبية التي تبعد 180 كيلومترا جنوب عمان، تحركات عدة ضد السلطة المركزية، علما بأن هذه المدينة تعتبر مسقط رأس الكثير من الجهاديين السلفيين وكثير من أبنائها انضموا للقتال في سوريا، كما شبهت بـ«الفلوجة الأردنية» نظرا لتكاثر أعلام «داعش» فيها. فضلا عن ذلك وخلال الصيف، نظم الكثير من المسيرات السلفية الجهادية في معان والزرقاء وعدد من المدن الأخرى، حيث رفع المتظاهرون لافتات سوداء ورددوا شعارات مؤيدة لتنظيم داعش».
مع ذلك، اتبعت المملكة الهاشمية نهجا أكثر واقعية تجاه السلفيين الجهاديين وفتحت قناة تواصل مع المتشددين المعتدلين. فجاءت تبرئة أبو قتادة من تهم تتعلق بالإرهاب في الأردن لتصب في خانة استراتيجية مؤقتة وعملية تتبعها الحكومة لمحاربة التهديد الأهم الذي يمثله «داعش».
وقد سلط حكم التبرئة هذا الضوء على مؤشرات عدة تقود إلى أن الأردن يعتمد استراتيجية «فرق تسد»، محاولة بذلك كسب أشخاص مستعدين لإدانة «داعش» على غرار أبو قتادة. ففي نهاية محاكمته الثانية منذ شهرين، انتقد أبو قتادة الذي يعتبر من أبرز مؤيدي جبهة النصرة علنا عمليات قطع الرأس التي ينفذها «داعش» بحق الصحافيين، واصفا إياها بأنها غير إسلامية. وأشار أبو قتادة الذي يعتنق الآيديولوجية الجهادية في نص نشر على حسابه على موقع «تويتر» أن هذه المجموعة لا تملك «دولة في العراق» ولا سلطة لها على عامة المسلمين.
وكان قد سبق تبرئة أبو قتادة في شهر يونيو (حزيران) الماضي الإفراج عن زعيم السلفية عاصم البرقاوي، المعروف أيضا باسم أبو محمد المقدسي، بعد أن أمضى 5 سنوات في السجن بتهمة تجنيد جهاديين للحرب في أفغانستان. عمدت السلطات الأردنية إلى التواصل مع المعتدلين منذ ظهور السلفية الجهادية، كما عمدت إلى استغلال الانقسامات بين جبهة النصرة و«داعش»، بحسب أبو هنية. غير أن هذا الأمر تغير إلى حد ما منذ بدء ضربات التحالف الدولي. فعمان التي تعد الحليف الأقوى للولايات المتحدة، انضمت للتحالف الدولي في مكافحة «داعش» في سوريا وأمنت قاعدة لانطلاق الطائرات الغربية ووفرت الخدمات الاستخبارية. عقب ذلك شهدت البلاد موجة ثانية من عمليات الاعتقال طالت السلفيين الجهاديين الذين نددوا بهجمات التحالف مثل الشيخ المقدسي واستنكروا الضربات ضد «جبهة النصرة» في سياق التي استهدفت و«داعش»، وفق أبو هنية.
إن الخطر الذي يحدق بالمملكة الأردنية الهاشمية يكمن في عدة عوامل. فتنظيم داعش خلافا لتنظيم القاعدة ركز على العدو القريب (أي الحكام الإقليميين) بدلا من العدو البعيد (الغرب). هذا التحول في أولويات المنظمات الجهادية تبلور في الحرب السورية، ومن الممكن جدا أن يطال الأردن الذي يعد جزءا من بلاد الشام، أي يعد جزءا من منطقة «خلافة البغدادي الإسلامية» المفترضة والمزعومة. «لقد نجح تنظيم داعش في بناء (ديار التمكين)»، بحسب أبو هنية. وهي الخطوة الأولى في حربه المقدسة التي تهف إلى توسيع نطاق «داعش» إلى ما بعد الحدود الوطنية على أساس الشريعة. ونقطة الانطلاق في هذه الخطة تمثل في السيطرة على سوريا والعراق، ومن ثم الانتقال إلى الأردن لإعادة توحيد «بلاد الشام».
وعلى غرار الزرقاوي الذي دفعته خبرته في العراق إلى تفجير 3 فنادق في عمان عام 2005، ستترك الحرب في سوريا والعراق تأثيرا مهما على الجهاديين السلفيين في الأردن. فالنجاحات التي يحصدها «داعش» أو «جبهة النصرة» ستشجع الجيل الجديد على تبني مواقف أكثر عدوانية في وطنهم. يتمثل عامل الخطر الثاني في تدفق اللاجئين السوريين الذين وفقا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين يصل عددهم إلى نحو 600 ألف شخص. «فبيئة اللاجئين تسهل لتجنيدهم إن كان في العمل الإجرامي أو الجهادي»، وفق أبو هنية. وكلما طالت الأزمة وانسد الأفق أمامهم، زادت إمكانية تعاونهم مع السلفيين الجهاديين.
وبما أن «أذرع تنظيم القاعدة» خبيرة باستغلال الاضطرابات التي تشهدها البلدان، لن تكون الأردن استثناء عن ذلك. غير أن بعض الخبراء مثل شين يون، ووائل الخطيب من مركز الأطلسي يعتبرون في تقرير صدر أخيرا أن «التوجه السلفي في الأردن ليس له قدرة كبيرة على إحداث الثورات.. فالجهاديون السلفيون الناشطون فعلا على الأرض والذين يرغبون بأسلمة المجتمع من خلال العنف لا يمثلون سوى أقلية محدودة، وهم تحت مراقبة دقيقة من القوى الأمنية». يذكر أن عدد المقاتلين الأردنيين الذين يشاركون حاليا في الحرب في سوريا، يصل إلى ألفي مقاتل انضوى نصفهم تقريبا في صفوف «داعش».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.