مفاوضات «سد النهضة» تتعثر مجدداً بعد «تراجع إثيوبي»

{مخاوف جدية} لدى السودان... ومصر تراقب التأثيرات المتوقعة لعمليات ملء الخزان

TT

مفاوضات «سد النهضة» تتعثر مجدداً بعد «تراجع إثيوبي»

شهدت مفاوضات «سد النهضة» بين إثيوبيا ومصر والسودان تعثرا جديدا غير مفاجئ، بعد أن تقدمت إثيوبيا بطرح «يُخالف ما تمّ الاتفاق عليه خلال قمّة هيئة مكتب الاتّحاد الأفريقي في يوليو (تموز) الماضي»، بحسب تصريحات رسمية مصرية وسودانية، الأمر الذي تقرر على أثره تعليق المفاوضات الجارية بشأن قواعد ملء وتشغيل السدّ، الذي تُشيّده أديس أبابا على النيل الأزرق.
وجاء هذا القرار إثر اجتماع بين اللجان الفنّية والقانونيّة للدول الثلاث، والمعنيّة بـ«سدّ النهضة»، الذي يُشكّل مصدر توتّرات مستمرّة منذ العام 2011.
وكان من المقرر أن تقوم اللجان بتذليل العقبات أمام اتفاق نهائي، وعرض مخرجاتها خلال اجتماع وزراء الموارد المائية للدول الثلاث اليوم (الخميس). لكن مباشرة قبل موعد عقد الاجتماع، قام وزير المياه الإثيوبي بتوجيه خطاب لنظيريه في كلّ من مصر والسودان، وأرفق به «مسوّدة خطوط إرشاديّة وقواعد ملء سدّ النهضة، لا تتضمّن أي قواعد للتشغيل، ولا أي عناصر تعكس الإلزاميّة القانونيّة للاتفاق، فضلاً عن عدم وجود آليّة قانونيّة لفضّ النزاعات»، كما أشارت وزارة الري المصريّة.
وطلبت مصر وكذلك السودان، وفقا لبيان وزارة الري المصريّة، صدر مساء أول من أمس، بـ«تعليق الاجتماعات لإجراء مشاورات داخليّة بشأن الطرح الإثيوبي»، باعتباره «يُخالف ما تمّ الاتفاق عليه خلال قمّة هيئة مكتب الاتّحاد الأفريقي في 21 من يوليو الماضي».
ويرعى الاتحاد الأفريقي منذ مطلع يوليو الماضي المفاوضات، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، على أمل الوصول إلى اتفاق نهائي ينهي النزاع المائي، الذي قارب عقدا من الزمان.
ولم تفضِ عدة جولات من الاجتماعات إلى إحراز أي تقدم، إلا أن اجتماعاً لمكتب الاتحاد الأفريقي نهاية يوليو الماضي، بحضور زعماء الدول الثلاث، قرر استئناف المفاوضات مرة أخرى، واختزالها في قضايا السد، مستبعداً «إقحام أي موضوعات غير ذات صلة أو طموحات مستقبلية في عملية المفاوضات»، في إشارة إلى ملف تقاسم المياه.
وأبدى السودان مخاوفه من الطرح الإثيوبي، وجاء في بيان صدر عن وزير الري والموارد المائية السودانية أنّ «الرسالة التي تلقّاها من نظيره الإثيوبي بتاريخ 4 أغسطس (آب) الجاري، تُثير مخاوف جدّية».
ووصف البيان السوداني موقف أديس أبابا الأخير بأنّه «تطوّر كبير، وتغيير في الموقف الإثيوبي، يهدّد استمراريّة مسيرة المفاوضات التي يقودها الاتّحاد الأفريقي». مؤكّدا أنّ وزير الري السوداني أبلغ ذلك إلى وزير العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في دولة جنوب أفريقيا، التي تترأس اجتماعات المفاوضات، بين الدول الثلاث، بوصفها رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي.
ووصف البيان مخاطر السدّ الإثيوبي على السودان وشعبه بأنّها «جدّيّة، بما في ذلك المخاطر البيئية والاجتماعية» بالنسبة إلى «ملايين السكّان المقيمين على ضفاف النيل الأزرق».
ونقل البيان عن وزير الري ياسر عباس أنّ «السودان لن يقبل برهن حياة 20 مليونا من مواطنيه، يعيشون على ضفاف النيل الأزرق، بالتوصّل لمعاهدة بشأن مياه النيل الأزرق».
ويتوقّع أن يصبح السدّ أكبر منشأة لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في أفريقيا، والذي تقوم إثيوبيا ببنائه على النيل الأزرق، الذي ينضمّ إلى النيل الأبيض في السودان لتشكيل نهر النيل الذي يعبر مصر. وترى إثيوبيا أنّ السدّ ضروري لتحقيق التنمية الاقتصاديّة، في حين تعتبره مصر تهديداً حيويّاً لها، إذ إنّها تحصل على 90 في المائة من مياه الري والشرب من نهر النيل.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعد الخلاف مع إعلان إثيوبيا انتهاء المرحلة الأولى من تعبئة خزان السد، قبل التوصل إلى الاتفاق. وتراقب الحكومة المصرية التأثيرات المتوقعة لعملية الملء الإثيوبية، حيث عقدت اللجنة الدائمة لإيراد النهر أمس اجتماعا، برئاسة محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية المصري، لمتابعة الموقف المائي، وتوفير الاحتياجات المائية لموسم أقصى الاحتياجات، وما يتطلبه ذلك من تنفيذ آليات إدارة وتوزيع المياه، بحيث تفي بأغراض الاستخدامات المختلفة، وكذلك موقف الفيضان هذا العام، والإجراءات المتخذة للتعامل معه، واستعراض خطط الاستفادة من الموارد المائية المتاحة بالشكل الأمثل.
وأشارت البيانات إلى أن معدلات الأمطار في تزايد على منابع النيل، لكنه «من المبكر الحكم على فيضان هذا العام»، وفق بيان رسمي. كما استعرضت اللجنة مناسيب محطات القياس الرئيسية على منابع النيل، ومدى تأثرها بالإجراء الأحادي لإثيوبيا بالتخزين الأولي لسد النهضة، وكذلك مناسيب وتصرفات السد العالي، بما يساهم في توفير الاحتياجات المائية. كما ناقشت كافة احتمالات الفيضان وآليات إدارته والخطط الموضوعة للتعامل معه، بما يُعظم الاستفادة من الموارد المائية بالشكل الأمثل.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.