ما معنى أن تكون أسمر الوجه في عالم الكتابة والنشر؟

كتّاب ووكلاء وبائعون وناشرون يتحدثون عن تأثير العرق على حياتهم المهنية

جنيفر وكوري ويلسون
جنيفر وكوري ويلسون
TT

ما معنى أن تكون أسمر الوجه في عالم الكتابة والنشر؟

جنيفر وكوري ويلسون
جنيفر وكوري ويلسون

أثارت الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في أرجاء البلاد كافة ضد وحشية الشرطة واللامساواة العنصرية، حالة من الجدال ضمن أروقة مختلف الصناعات والمجالات حول المعاملة التي يتلقاها السود، وليس مجال الكتابة والنشر استثناء من ذلك.
فلقد تعرضت هذه الصناعة، ومنذ فترة طويلة، إلى كثير من الانتقادات بسبب تعيين عدد قليل للغاية من الموظفين الملوّنين؛ وذلك وفقاً لـ«استبيان قوة العمل» الصادر خلال العام الحالي عن دار «لي آند لو بوكس» لنشر كتب الأطفال، وخلص الاستبيان إلى أن نسبة الموظفين السود في هذه الصناعة لا تتجاوز 5 في المائة. غير أن نداءات التنوع العرقي بين الموظفين كانت في تصاعد واضح خلال الأسابيع الأخيرة، سيما مع إعراب المهنيين السود عن حالة الإحباط طويلة الأمد التي تلازمهم بشأن التأثيرات العنصرية التي ترافق حياتهم المهنية. وفي مجال النشر، دار الأمر حول مناقشات تتعلق بممارسات التوظيف، والمنازعات الصغيرة التي تشهدها أماكن العمل، ومعاملة دور وشركات النشر للكتب من تأليف الكتّاب والروائيين السود.
هنا ثمانية من المختصين في عالم الكتابة والنشر – وهم يعملون في جوانب مختلفة من تلك الصناعة، بما في ذلك كاتب، ووكيل أدبي، ومسوق للكتب، وناشر، وبائع للكتب - يدلون بشهاداتهم حول تأثير أصولهم العرقية وألوان بشراتهم على حياتهم المهنية:
> كيري كيه. غرينيدغ (أستاذة مساعدة في قسم الدراسات العرقية والاستعمار والشتات في جامعة تافتس، مؤلفة كتاب بعنوان: «التطرف الأسمر: حياة وأوقات ويليام مونرو تروتر»): «إن كان هناك ما أود أن أقوله بشأن قصتي الخاصة عما يتعلق بقضية العنصرية في مجال الكتابة والنشر، فهو أنه بصرف النظر تماماً عن قدر النجاح الرائع الذي أحرزته؛ فإنه يرجع إلى فضل النساء السود اللاتي وجهنني صوب الطريق الصحيحة. كانت النساء السود هن اللاتي أرشدنني ووجهن خطواتي للتنقل عبر مختلف المواقف. ووفق هذا، أعدّ نفسي محظوظة للغاية. ولكن الأمور كانت شديدة الإحباط حتى تمكنت من إحراز أول نجاح في حياتي.
أميل، بصفتي مؤرخة في الأساس، إلى الاعتقاد أن الانتصار على التمييز العنصري أو التحيز العنصري يشبه مرور شخص ما من أحد الأبواب ثم تنفتح البوابات كافة من خلفه وينطلق الجميع في أثره. وليس لدي اعتقاد واضح ومحدد بأن هذه اللحظة الراهنة سوف تسفر عن تغيير كبير أو ربما جذري في صناعة الكتابة والنشر على الإطلاق؛ بل أعتقد أن ما سوف يحدث مجرد تغيير في الطرق كافة التي ينتج الناس من خلالها الأعمال. لا بد لكل ذلك من أن يتغير تماماً قبل أن يتغير مجال الكتابة والنشر. وفيما يتصل بالنشر والأوساط الأكاديمية؛ أرى أن هذين المجالين - الكتابة والنشر - سوف يلحق بهما التغيير الحقيقي إذا ما تحول الزخم السياسي الراهن في الشارع العام إلى شيء حقيقي وملموس. إن رؤية الشباب يشرعون في حركة جديدة في شوارع البلاد في خضم الكارثة الوبائية الراهنة لهُو أمر يبعث على الأمل والتفاؤل والثقة في مكامن نفسي. ورؤيتي لهذا الجيل من الشباب الذين يحاولون تغيير سنوات الصدمة وتحويلها إلى واقع ينفجر زخمه في وجه العالم بأسره لهُو من أبلغ ما يثير الإلهام في قلوبنا جميعاً».
> جنيفر وكوري ويلسون («سيسترز أب تاون» لبيع الكتب):«كان الصراع في صناعة الكتب كبيراً ومثيراً للذهول. فلم أتمكن من كسب المال عبر بيع الكتب منذ أكثر من 20 عاماً. ولقد تحول الأمر عندي إلى (العمل من أجل ما أحب في مقابل العمل من أجل المكسب والأموال). كانت عندي وظيفة أتكسب منها، وتمكنت من ادخار ما يكفي من المال من تلك الوظيفة في حالة ما إذا كان المتجر لا يأتيني بأي أرباح على الإطلاق، حيث كنت أتمكن من تغطية فواتير المتجر بصفة دائمة. ولقد قال لي أحدهم ذات مرة: (لن تنجحي في ذلك أبداً، فالسود قلّما يهتمون بالقراءة). لكن، وبعد مرور 20 عاماً، ما زلت موجودة في مكاني وأواصل عملي الذي أحبه.
> ليندا دوغينز (كبيرة مديري الدعاية لدى دار «غراند سنترال» للنشر، وهي إحدى شركات مجموعة «هاشيت» لنشر الكتب): «مرت بنا أوقات كنا نستطيع فيها الترويج والنشر لعدد لا بأس به من كتب المؤلفين السود والمؤلفين الملونين، وكان ذلك هو محل تركيزي قبل بضعة أعوام من الآن. ولقد اعتدت أن أكون مسؤولة الدعاية متعددة الثقافات لدى مؤسسة (وارنر بوكس) للنشر. ولقد كنا نعمل ونتداول كثيراً من هذه الكتب، ثم حدث التحول المفاجئ للجميع. وأعتقد أنه كان تحولاً ملموساً على مستوى الصناعة بأسرها.
ينظر الناس بصورة مختلفة قليلاً إلى الكتب من تأليف الكتاب السود والمؤلفين الملونين. هل تُباع هذه الكتب؟ وإن كانت كذلك، فهذا شيء عظيم. وإن لم تكن كذلك، فدعونا نحاول التخلص منهم. في حين أنه عند النظر إلى صناعة النشر إجمالاً، تجد كتباً من تأليف أطياف المؤلفين كافة. وأغلب هؤلاء الكتاب والمؤلفين من البيض. وبعض من هذه الكتب لا يحقق صدى جيداً في الأسواق، ورغم ذلك؛ فإننا لا نقوم بالتخلص من المؤلفين البيض على أي حال.
كانت لديّ بعض الخبرات والتجارب على طول الطريق. على سبيل المثال، كان هناك تجمع من أجل أحد المؤلفين السود، وكنت في بهو المبنى، وتقابلت مع زميلة - لم تكن تعرف أنني زميلة في المهنة نفسها - ولم تكن تحمل هويتها الشخصية معها. فقلت لها: (حسناً، أستطيع أن أذهب بك إلى الأعلى)، فالتفتت إليّ وقالت: (هل أنت على صلة بالمؤلف؟). وكان السبب في أنها سألتني ذلك السؤال أن المؤلف كان أسود. ولكن الأمر الأكثر إثارة للضيق كان أن هذه المحررة كانت قد عملت على كتاب من تأليف المؤلف نفسه، وكان الكتاب يدور حول البدايات الأولى للممارسات العنصرية في الولايات المتحدة».
> تشيريز فيشر (الوكيلة الأدبية لدى شركة «ويندي شيرمان وشركاه»): «بعد تخرجي في الجامعة، بدأت العمل لدى إحدى دور النشر. وكانت خطتي تدور حول العمل لمدة ما بين سنتين وثلاث سنوات، ثم الالتحاق بكلية القانون، لكي أصبح محامية، ثم العمل وكيلة أدبية. ولقد انتهى بي الأمر إلى العمل في مهنة تحرير الكتب لعقود عدة من عمري، تلك المهنة التي أحببتها، قبل أن أصير وكيلة أدبية كما أردت.
إن العمل في النشر يشبه كثيراً التلمذة المهنية، حيث تعمل لدى أحد المحررين، وهم يعملون على تلقينك أسرار المهنة، وينبغي أن يكونوا من أكبر المدافعين عنك، وعليهم الترويج لك، ودعمك وإسنادك، ودفعك إلى الأمام دفعاً. ولقد حظيت بكثير ممن رعوني بشكل ممتاز، وهم الأشخاص الذين يدركون أن هناك شيئاً ما بداخلي وكانوا على استعداد تام لدعمي ومساعدتي. أنت بحاجة حقاً إلى محررين من ذوي التجربة والخبرة لدعمك عندما تشرع في العمل».
> إيرول ماكدونالد (نائب الرئيس والمحرر التنفيذي لدى شركة «بانثيون»): «يغلب اللون (الأبيض) على مختلف أركان هذه الصناعة، بينما عدد المحررين السود في مدينة نيويورك قليل جداً بشكل صادم. إنني أعمل لدى أحد أكبر ناشري الكتب في الولايات المتحدة، ولا أستطيع أن أذكر لكم سوى أسماء حفنة قليلة من المحررين السود الذين يعملون هناك. ولا يتعلق هذا بشركة (بنغوين راندوم هاوس) وحدها، وإنما هو من الممارسات المتوطنة والقديمة في هذه الصناعة. وأعتقد أنه ما لم يحدث تغيير منهجي من الأعلى وحتى الأسفل، فسوف تظل صناعة النشر تمثل القوى الثقافية المتضاربة، والتي تدعو وتنادي بأمر ولكنها لا تمارسه في الواقع أبداً.
لقد أثرت النزعات العرقية على مهنتي بصورة إيجابية وسلبية في الوقت نفسه؛ إذ يتعرض المحررون السود لدرجة من درجات التنميط العنصري لا يعاني منها مطلقاً المحررون البيض. ولقد تعين عليّ محاربة ذلك إلى حد ما، ومحاربة الافتراضات المسبقة المعنية بنوع الكتب التي ينبغي أن أعتني بها وأعمل على نشرها.
إن حالتي بصفتي رجلاً أسود في الولايات المتحدة العنصرية لم تتغير طيلة السنوات الماضية. وهي ممتدة إلى صناعة النشر المتأثرة حتى النخاع بالعنصرية الممنهجة، والتي لم يطرأ عليها التغيير منذ أكثر من 40 عاماً وحتى اليوم. كل ما تغير هي الاستجابات الناجمة عن مثل هذه الظروف. والبيئة اليوم هي أفضل كثيراً من حيث العمل في دور وشركات النشر في الوقت الحاضر عما كانت عليه الأوضاع في الماضي. على سبيل المثال؛ قبل 40 عاماً ونيف، كان الناس يستطيعون التفوه بالنعوت العنصرية بكل صراحة ووضوح. أما الآن، فلم يعد الأمر كما كان قبل أربعة عقود، غير أن ذلك لا يعني أن طاعون العنصرية قد زال واختفى؛ بل إنه موجود، ويتعين على المرء أن يتعامل معه بطريقة أو بأخرى في كل يوم. ولكن الصناعة تزعم أنها منفتحة على التغيير، وهذا فارق كبير؛ إذ لم يكن الناشرون قبل 40 عاماً يتحدثون عن مثل هذه القضايا على الإطلاق. فلم تكن مثل هذه القضايا لها وجود في تلك الآونة بالنسبة لهم».
- خدمة «نيويورك تايمز»



أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟