الجزائر: سجن «كاتم أسرار» قائد الجيش السابق بعد ترحيله من تركيا

التماسات بحبس صحافي وناشطين أربع سنوات

TT

الجزائر: سجن «كاتم أسرار» قائد الجيش السابق بعد ترحيله من تركيا

استجوب قاضي التحقيق بمحكمة عسكرية بالجزائر العاصمة، أمس، الملازم أول قرميط بونويرة، الكاتب الخاص لرئيس أركان الجيش السابق، حول اتهامات تطاله، وكانت سبباً في ترحيله من تركيا الخميس الماضي. وفي غضون ذلك، طالبت النيابة محكمة الجنح بالعاصمة بإصدار حكم بأربع سنوات سجناً بحق الصحفي خالد درارني، والناشطين سليمان حميطوش وسمير بن العربي.
وأفادت مصادر مطلعة على قضية بونويرة لـ«الشرق الأوسط» بأن قاضي التحقيق العسكري واجهه بوقائع، مصنفة كجرائم تخص الدفاع الوطني؛ منها «التواصل مع أشخاص بالخارج محل أوامر بالقبض عليهم، وإمدادهم بمعلومات عسكرية». ومن بين هؤلاء الأشخاص معارضون للسلطة، لاجئون بفرنسا وبريطانيا، بحسب المصادر نفسها.
وورد في لائحة الاتهامات ضد قرميط «تحويل أموال إلى الخارج بطرق غير مشروعة، بهدف شراء ممتلكات وعقارات، واستغلال المنصب العسكري بغرض التربح».
وأمر قاضي التحقيق بإيداع المتهم رهن الحبس الاحتياطي، في انتظار تحديد تاريخ محاكمته. ويتوقع صدور عقوبات ثقيلة في حال تثبيت التهم على «كاتم أسرار» قائد الجيش السابق، الفريق أحمد قايد صالح، الذي توفي بسكتة قلبية نهاية العام الماضي.
وغادر قرميط البلاد مطلع العام بعد أن علم بأن جهاز الأمن العسكري يحقق بشأن ممتلكاته وعلاقاته خارج المؤسسة العسكرية. وقد جرت اتصالات على مستوى عالٍ مع السلطات التركية، أفضت إلى تسليم بونويرة إلى السلطات الجزائرية.
إلى ذلك، طلب وكيل الجمهورية بمحكمة الجنح بالعاصمة، أمس، عقوبة أربع سنوات سجناً مع التنفيذ بحق خالد درارني، مراقب «مراسلون بلا حدود»، والناشطين البارزين سليمان حميطوش وسمير بن العربي، بتهمتي «المس بالوحدة الوطنية»، و«التحريض على مظاهرات غير مرخصة». كما التمس ممثل النيابة حرمانهم من الحقوق المدنية لمدة أربع سنوات.
ورفض الصحفي المسجون منذ أربعة أشهر، أثناء استجوابه، اتهامه بـ«تهديد الوحدة الوطنية»، وقال من داخل السجن للقاضية، التي كانت تسأله عن طريق خدمة «سكايب»، إن السلطات «وضعتني في السجن لأنني مارست عملي في تغطية المظاهرات المعارضة للسلطة، كما غطيت مظاهرات مؤيدة لها. وبذلك بلغت المعلومات للجمهور، ولم أنشر الكراهية والحقد (بحسب ما جاء في لائحة الاتهامات)، كما لم أهدد الوحدة الوطنية».
وسئل الصحفي عن منشورات له بحسابه بـ«تويتر»، عبر فيها عن مواقفه ضد السلطة، وقال بهذا الخصوص: «أنا صحفي ومواطن، ومن حقي أن أدلي برأيي، ومنشوراتي ليس فيها شتم».
كما سألته القاضية عن نشر بيانات للمعارضة، فرد عليها بأن ذلك «يدخل في صميم نشاطه الصحفي». وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد اتهم درارني، دون ذكره بالاسم، بـ«نقل الأخبار (فهم منها نقل أسرار) للسفارة الفرنسية»، ما أثار حفيظة محاميه وعائلته.
من جانبهما، دافع حميطوش وبن العربي، غير الموقوفين، عن «حقهما الدستوري في المشاركة في مظاهرات سلمية». وأشارا إلى انخراطهما في الحراك الشعبي «الذي باركه وأثنى عليه رئيس الجمهورية». يشار إلى أن بن العربي حصل منذ أشهر على حكم بالبراءة من تهمة «إضعاف معنويات الجيش»، بعد أن قضى أربعة أشهر في الحبس الاحتياطي. وتعرض حميطوش للسجن أيضاً بسبب نشاطه السياسي المعارض.
وتقدم للدفاع عن الصحفي والناشطين 38 محامياً، وتم الاتفاق على مجموعة منهم للمرافعات، التي تركزت على كون «ملفات المتهمين الثلاثة فارغة من أي وقائع تبرر الاتهام بالمس بالوحدة الوطنية».
وقال محامون إن «التهم سياسية»، وإن «ذنب المتهمين الوحيد هو أنهم يحبون وطنهم ويريدون لأبنائه مستقبلاً أفضل».
ودامت المرافعات أمس وقتاً طويلاً، في حين توقع متتبعون صدور الأحكام في الليل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.