في آخر مرة صعد فيها ليدز يونايتد إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، في عام 1990، عكست صحيفة «ميرور» مشاعر الكثيرين آنذاك، وكتبت «عودة الحثالة ليدز يونايتد»! ورغم ذلك، تعامل جمهور النادي مع هذا العبارة بفخر وكبرياء وأعرب عن سعادته بأن النادي غير عصري ومكروه من الآخرين! والآن، عاد ليدز يونايتد للدوري الإنجليزي الممتاز مرة أخرى بعد غياب طويل. وبالنسبة لعشاق ليدز يونايتد من أمثالي، كانت السنوات الـ16 الماضية مزيجاً سيئا من ملاك النادي غير الأكفاء والحقودين، والمديرين الفنيين المتغطرسين، واللاعبين متوسطي المستوى، وهو الأمر الذي كان يدعو كثيرين للسخرية من النادي، سوءا من خلال الظهور بشخصياتهم الحقيقية أو من خلال التخفي وراء أسماء وهمية.
وفي يناير (كانون الثاني) 2014، طلب مشجعو هيدرسفيلد تاون من فرقة «جوي ديفيجن» أن تغني كلمات تقول «ليدز يونايتد يتداعى مرة أخرى» في ملعب «إيلاند رود» معقل ليدز، وبدأت هذه الأغنية تتردد في الملاعب الأخرى لأندية دوري الدرجة الأولى عندما يواجه الفريق أي صعوبات. وحتى شبكة «سكاي سبورتس» الرياضية قررت أن تذيع هذه الأغنية بعد أن سحق ليدز يونايتد نظيره ستوك سيتي بخماسية نظيفة وأصبح على وشك الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز، لتذكيرنا جميعا بالأوقات الصعبة التي كان يعيشها النادي في السابق.
وقد يشعر جمهور آرسنال أو توتنهام هوتسبير، اللذين نرى دائما أنهما أقراننا، بالحزن الشديد لأن فريقيهما لم يتمكنا من إنهاء الموسم ضمن المراكز الأربعة الأولى المؤهلة للمشاركة في دوري أبطال أوروبا، لكن الشيء المؤكد هو أنهم لم يجربوا على الإطلاق ذلك الشعور السيئ الذي ينتابك عندما يهبط فريقك إلى المركز الخامس عشر في جدول ترتيب دوري الدرجة الأولى تحت قيادة نيل وارنوك أو ستيف إيفانز في ملعب نصف مقاعده خالية من الجماهير وأن تشاهد كرة قدم سيئة وغير ممتعة على الإطلاق!
وعلى مدار 16 عاماً، واجهتنا صعوبات هائلة واتهامات باطلة وتعرضنا للسخرية والمضايقات، حتى من قبل أولئك الذين يمثلوننا رغم أنه لم يكن لديهم سحر وبريق لاعبين سابقين بارزين في تاريخ النادي مثل نورمان هانتر، وجاك تشارلتون، وديفيد باتتي أو لوكاس راديبي. ورغم كل ذلك، لم نتخل قط عن النادي وواصلنا دعمه ومتابعة مبارياته، حتى في أصعب الأوقات، وحتى عندما تفوقت علينا أندية مثل ليستر سيتي وساوثهامبتون وشيفيلد يونايتد.
لقد رأيت ليدز يونايتد وهو يفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز عندما كنت في الحادية عشرة من عمري، كما وصل النادي لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا وأنا في العشرين من عمري، وكان الأمر يبدو وكأن هذا النادي العريق لن يتوقف يوما ما عن تحقيق الإنجازات وحصد البطولات. لقد تمنيت في بعض الأحيان لو أننا لم نصل قط إلى الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا، لأن ذلك كان على الأقل سيجنبنا نحو 15 عاما من تذكير الآخرين لنا بهذا الإنجاز وبأننا لم نعد قادرين على تحقيقه مرة أخرى.
لقد كنت في الثالثة والعشرين من عمري عندما هبط ليدز يونايتد من الدوري الإنجليزي الممتاز، وأنا الآن في التاسعة والثلاثين من عمري وأنا أراه يعود مرة أخرى! لقد عشت فترة العشرينات والثلاثينات من عمري على أمل أن يتغير حظنا العاثر، رغم وجود سنوات كاملة في بداية القرن الجديد لم نشهد فيها أي شيء جيد داخل النادي. ولم نحقق أي انتصارات مهمة لمدة أربع سنوات، وكانت أبرز النتائج السلبية تتمثل في الخسارة بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد أمام لوتون في عام 2006. والخسارة بثلاثة أهداف مقابل هدف أمام ميلتون كينز دونز في عام 2008، والخسارة بثلاثية نظيفة مرتين أمام سويندون في موسم واحد، والهزيمة المذلة بخماسية نظيفة أمام بلاكبول في 2011. وعلاوة على ذلك، كنا نخسر لسنوات طويلة أمام واتفورد، كما كنا نخسر كل عام أمام نادي ميلوول.
قمنا بتعيين ديف هوكاداي على رأس القيادة الفنية للفريق، ولم أكن أعلم كيف ولماذا حدث ذلك! وكنا نبيع أي لاعب جيد في صفوف الفريق، ولم نكن ننفق أي أموال على إبرام تعاقدات جديدة لتدعيم صفوف الفريق، ولم نكن نملك الملعب الذي نلعب عليه المباريات، وكانت الجماهير تشعر بمرارة شديدة. كنا ننظر بإعجاب إلى نادي بورنموث، ذلك الفريق «الصغير» الذي سحقناه في طريق الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز عام 1990، ولم ننس أن هذا النادي الذي يدار بشكل جيد خطف منا لويس كوك، الذي كان أفضل لاعب شاب شاهدناه لسنوات عديدة. ربما يكون دوري الدرجة الأولى الإنجليزي هو البطولة الأكثر إثارة في أوروبا، لكننا لم نكن نقدم أي شيء مثير داخل الملعب موسما بعد الآخر!
وبعد ذلك، وصل المدير الفني الأرجنتيني مارسيلو بيلسا في يونيو (حزيران) 2018 وجاءت معه أفضل كرة قدم رأيتها على ملعب «إيلاند رود» على الإطلاق. في الحقيقة، يجب أن نشيد بمالك النادي، أندريا رادريزاني، لإنقاذه ليدز يونايتد من الفوضى التي كان يعاني منها عندما كان ماسيمو تشيلينو مالكا للنادي، ولأنه أعاد الطموح إلى هذا النادي العريق. ومن المؤكد أن أهم قرار اتخذه النادي كان التعاقد مع بيلسا. وفي غضون شهرين فقط، نجح بيلسا في تحويل لاعبي الفريق العاديين إلى مجموعة من الآلات التي يعرف كل منها ما يتعين عليها القيام به بدقة شديدة. ويجب الإشارة إلى أن ما قام به بيلسا لم يكن يشبه أي شيء رأيناه من قبل، حيث نجح في قلب الأمور رأسا على عقب بشكل مفاجئ ودراماتيكي. وبعيدا عن اتهام بيلسا بالتجسس على الأندية الأخرى، فإنه مدير فني رائع يتميز بأنه جاد وخجول ومنطقي في اختياراته، علاوة على قدرته على تحفيز اللاعبين ومساعدتهم على تقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر.
ودائما ما يكون من الرائع والمبهج أن ترى بيلسا وهو يقف بجوار خط التماس، حتى في الأوقات التي لا نحقق فيها الانتصار، وحتى عندما خسرنا في ملحق الصعود أمام ديربي كاونتي. ويعد بيلسا، ذلك الرجل المهووس بكرة القدم، هو الخيار المثالي لجمهور ليدز يونايتد. من المؤكد أنني لم أكن أتمنى أن نعاني من الإخفاقات لمدة 14 عاماً، لكن إذا كان ذلك هو الثمن الذي كان يجب أن ندفعه حتى يأتي بيلسا ويجعلنا نشاهد هذه الكرة الجميلة والممتعة، فلا توجد لدي أدنى مشكلة في ذلك!
ورغم أن ليام كوبر ولوك أيلينغ وباتريك بامفورد لن يكونوا أعظم لاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن بيلسا قادر على جعل هؤلاء اللاعبين يتحلون بالثقة التي تجعلهم قادرين على القيام بأي شيء وهزيمة أي منافس. وهذا هو ما يفعله المدير الفني الأرجنتيني دائما، تحويل اللاعبين الشباب غير الناضجين إلى لاعبين عظماء يضغطون بشدة على الفريق المنافس ولا يشعرون بالتعب أو الإرهاق مطلقا. إن هذا الدافع الكبير لتقديم مستويات قوية لا يختلف كثيرا عن الدافع الذي كان يجعل الفريق يلعب بشكل رائع تحت قيادة هوارد ويلكنسون، الذي قاد ليدز يونايتد للتأهل للدوري الإنجليزي الممتاز عام 1990.
لقد «عاد الحثالة ليدز يونايتد»، لكن الشيء المختلف هذه المرة هو أنكم قد تحبوننا بعض الشيء بسبب كرة القدم الجميلة والممتعة التي نقدمها. لكننا رغم ذلك لم نعد نهتم بالطريقة التي تنظرون بها إلينا على أي حال! وعندما يُسمح للمشجعين بالعودة لمشاهدة المباريات، فإن ملعب «إيلاند رود» الذي يسيطر عليه الفخر وليس الانكسار، سيكون مملوءا عن آخره بالمشجعين وسط أجواء ستسبب الرعب في نفوس المنافسين. إننا لم نعد إلى الدوري الإنجليزي الممتاز لكي يسخر منا الآخرون أو يقللوا من إمكانياتنا، لكننا عدنا لتقديم مستويات جيدة وتحقيق نتائج أفضل. لقد عدنا بعد 16 عاما لكي نغير شكل الدوري الإنجليزي الممتاز بأكمله... ليدز لم يصعد لكي يهبط مرة أخرى بل ليصبح كما كان أحد أندية إنجلترا العريقة!
ليدز يونايتد إلى الأضواء بعد 16 عاماً من البؤس والانكسار والعجز
الفريق لم يصعد ليهبط مجدداً بل ليعود أحد أندية إنجلترا العريقة
ليدز يونايتد إلى الأضواء بعد 16 عاماً من البؤس والانكسار والعجز
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة