في ظل تراجع القدرة الشرائية عند اللبناني، تأثرت أسواق الشوكولاته ليتدنى مبيعها بنسبة تفوق الـ35 في المائة. في العام الماضي، كانت محلات بيعها تزدحم بالزبائن، خصوصاً في مناسبات الأعياد وحفلات الزفاف. اليوم تعاني المحلات نفسها من غياب جمهور الشوكولاته على أنواعه، حتى إن بعض اللبنانيين باتوا يشترونها بالقطعة. «يدخل أحياناً الزبون متحمساً لشراء هدية من الشوكولاته، ولا يلبث أن يتردد في القيام بذلك عندما يعرف أن سعر الكيلوغرام الواحد منها يبلغ 165000 ليرة. أنواع أخرى نعرّف عنها بـ(الفاخرة) يصل سعر الكيلوغرام الواحد منها إلى 200000 ليرة». يقول ناجي حواط أحد المسؤولين في محل لبيع الشوكولاته المشهورة في بيروت، في حديث لـ«الشرق الأوسط».
فتدني سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي يدفع ببعض الزبائن إلى شراء الشوكولاته بالحبّة.
ويضيف: «هكذا يقترب الشاري من البائع، ويطلب منه وضع بعض القطع المشكلة في علبة صغيرة بحيث لا يتجاوز سعرها الـ50 ألف ليرة. يسألني أن أضع أنواعاً ضمن كمية صغيرة بحيث تحتوي على ثلاث حبات شوكولاته سادة وقطعتين مصنوعة من بسكويت الويفر و4 قطع محشوة بحلاوة معينة». يوضح حواط الذي يلمس فرقاً كبيراً ما بين نسبة مبيعات العام الماضي والعام الحالي.
فالشوكولاته، هذه الحلوى اللذيذة التي كان يفضلها اللبناني على غيرها من المذاقات الحلوة، صار شراؤها يقتصر على شريحة معينة من الذين ينتمون إلى شريحة اجتماعية، يعرّف عنها باللبناني بـ«المرتاحة مادياً».
«هؤلاء لا يزالون يبتاعون الشوكولاته بالكميات نفسها، فيدخلون المحل وهم يعرفون مسبقاً أيّاً من الأنواع يريدونها من دون طرح أي أسئلة استفهامية حول أسعارها». يتابع ناجي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط». فهم لم يتأثروا بالأزمة الاقتصادية الحاصلة في لبنان، ولذلك لا تزال الشوكولاته تتصدر طاولات الضيافة في منازلهم.
ويشير ناجي حواط إلى أن نسبة هذا التراجع في مبيعات الشوكولاته لا تقتصر فقط على «جيبة» اللبناني المتأزمة: «إن زمن الجائحة أسهم في ذلك بعدما صدرت قرارات بمنع إقامة حفلات كبيرة للزفاف والخِطبة وأعياد ميلاد وغيرها من المناسبات الاجتماعية، التي كانت الشوكولاته تشكل عنصر ضيافة رئيسياً فيها. فصار المدعوون إليها يعدون على أصابع اليدين مما انعكس سلباً على مبيعاتنا ككل».
شريحة من اللبنانيين لم تتردد في التخلي بسهولة عن الشوكولاته، واستبدلت بها الحلويات المنزلية من مربيات وحلويات. ونسبة أخرى لجأت إلى حلوى المرصبان والملبن لأنها أقل سعراً، وتناسب حرارة فصل الصيف المرتفعة. فلا تذوب أو تتأثر بحرارة تجاوزت الـ40 درجة في الأيام الأخيرة.
«لا يشعرني غياب الشوكولاته عن ضيافاتي في مناسبة الأعياد التي نحتفل بها اليوم بأي حرج». تقول ليلى قادري في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «فجميعنا بتنا نعرف تماماً بخبايا جيوبنا الفارغة. ولذلك قررت منذ فترة طويلة إدخال المربيات والحلويات المنزلية على لائحة ضيافاتي هذه».
بعض ربات المنازل يفتخرن بتقديم حلويات من صنعهن عند استضافتهن مجموعة من الأصدقاء أو إقامتهن دعوة إلى العشاء: «إن زمن التباعد الاجتماعي، والقلة التي نعيش في ظلهما أحدثا تغييرات كثيرة في حياتنا اليومية. ومن بينها تغيير تقاليدنا وعاداتنا فيما يخص الضيافات عند استقبالنا الزوار». تقول ليلي فخري في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتوضح: «لطالما كان أهالينا يفتخرون بضيافات البيت التي يحضرونها بأنفسهم. وهو أمر أصبح شائعاً اليوم، بعد ارتفاع أسعار الضيافات على أنواعها».
وترى هناء داغر، وهي صاحبة محل لصنع الحلويات المنزلية أن مادة الشوكولاته بحد ذاتها ارتفع سعرها بشكل كبير. وتعلق: «حتى شوكولاته الـ(نوتيلا) التي كنت أحشو بها حلوياتي أصبحت من الماضي، بعد ارتفاع سعرها وفقدانها من السوق».
وما تذكره ليلي فخري يطبق حرفياً في البيوت؛ إذ إن الضيافات صارت تتألف من مربيات التين والبلح والباذنجان والمشمش والسفرجل وغيرها. والبعض يرفقها مع قطعة من البسكويت أو الجبن الأبيض. وهكذا أصبحت هذه الحلويات سيدة موائد العيد؛ بحيث تتنافس ربات المنازل على صفّ صحونها المتنوعة والشهية أمام مدعويها.
وبالنسبة للجدة أمينة، في بلدة برجا الشوفية؛ فهي تؤكد أن هذه الضيافات، إضافة إلى حلوى المعمول بالجوز كانت تتصدر موائد الأعياد وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هذه هي أجواؤنا وتقاليدنا منذ كنا صغاراً، ونقلناها بدورنا إلى منازلنا الزوجية. فالمصنوعات التجارية إضافة إلى كونها مرتفعة الأسعار حالياً، فإن مذاقها لا يمكن تشبيهه بحلوياتنا المنزلية. وأنا شخصياً أضيف إلى ضيافاتي البسكويت مع راحة الحلقوم ودبس الخروب بالطحينة. فهذا الأخير برأي يتفوق على الشوكولاته بطعمه ومذاقه الطبيعيين تماماً، كما قطعة الحلاوة بالطحينة المحشوة بالفستق الحلبي».
الشوكولاته تغيب عن ضيافات اللبنانيين في العيد
تشهد تراجعاً كبيراً في مبيعاتها
الشوكولاته تغيب عن ضيافات اللبنانيين في العيد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة