محادثات أممية ـ بريطانية «مثمرة» حول الملف الليبي

سلطات طرابلس تسعى إلى إحياء «الصخيرات»

ويليامز وكليفرلي خلال لقائهما (البعثة الأممية)
ويليامز وكليفرلي خلال لقائهما (البعثة الأممية)
TT

محادثات أممية ـ بريطانية «مثمرة» حول الملف الليبي

ويليامز وكليفرلي خلال لقائهما (البعثة الأممية)
ويليامز وكليفرلي خلال لقائهما (البعثة الأممية)

ألقت الأزمة الليبية بظلالها على رسائل المعايدة الرسمية للمنظمات والبعثات الدبلوماسية العاملة في ليبيا الموجهة للمواطنين بمناسبة عيد الأضحى، والذين أعربوا عن أملهم في أن يعم الأمن والسلام البلاد، وأن يكون فرصة لـ«إنهاء الاقتتال بين الليبيين».
وقالت ستيفاني ويليامز، ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، التي رأت في العيد فرصة لتغليب روابط الإخاء وإنهاء الاقتتال بين الليبيين، إنها بحثت مع جايمس كليفرلي، وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مساء أول من أمس، مجمل الأزمة الليبية، متمنية أن «تسود لغة المحبة والتسامح والوحدة بين الشعب الليبي».
وأوضحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في بيان، أن لقاء ويليامز وكليفرلي كان «مثمراً جداً». وقالت إن ويليامز أعربت عن تقديرها «لدعم المملكة المتحدة المستمر لجهود الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة الليبية عبر إيجاد حل سياسي شامل»، من دون أن تكشف مزيداً من التفاصيل.
ووسط مساع تبذلها سلطات طرابلس لإبقاء اتفاق «الصخيرات» حاضراً في المشهد السياسي «المأزوم»، وفي ظل حالة ترقب حذر لما قد يحدث في أي لحظة على محور سرت - الجفرة، قال آلن بوجيا، سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا أمس: «سنواصل العمل مع شركائنا من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار بين طرفي الصراع في ليبيا، والعودة إلى العملية السياسية اللازمة لكي تمضي البلاد نحو السلام والمصالحة».
وهنأ بوجيا الليبيين بالعيد، متمنياً لهم أن «يعم السلام»، قائلاً: «نتعاطف مع الأبرياء الذين يقعون ضحايا للصراع المستمر وعدم الاستقرار الذي أفسد البلاد على مدى العقد الماضي».
وتأتي دعوة الاتحاد الأوروبي لوقف دائم لإطلاق النار وعودة طرفي الحرب إلى طاولة المباحثات في ظل تحرك ملحوظ لأطراف من حكومة «الوفاق» على مسار بعض الدول العربية المعنية بالأزمة الليبية سعياً لإبقاء اتفاق «الصخيرات» الذي وقُع في المغرب نهاية عام 2015 حاضراً قيد التداول بالمشهد السياسي.
وتتمسك حكومة «الوفاق» وجميع الأجسام الموالية لها بغرب البلاد، باتفاق الصخيرات كـ«مرجعية وحيدة وأساسية» لحل الخلاف السياسي، على خلاف سلطات شرق ليبيا حيث أعلن المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»، مؤخراً إسقاط الاتفاق.
ودافع مسؤول سياسي بحكومة «الوفاق» لـ«الشرق الأوسط» عن اتفاق الصخيرات، قائلاً: «سنركز في قادم الأيام على إدخال بعض التعديلات عليه بما يتماشى مع الوضع السياسي بالبلاد، بعيداً عن أي مبادرات جانبية قد تستهدف تقويض (السلطة الشرعية) بالبلاد». في إِشارة إلى حكومة «الوفاق».
واستند المسؤول السياسي، الذي رفض ذكر اسمه، إلى المباحثات التي أجراها في المغرب المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة القيادي بحزب «العدالة والبناء» (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان)، «حول إمكانية تعديل الصخيرات»، وقال إن «صالح لم يبد خلال زيارة إلى الرباط أي تعليقات سلبية حول الاتفاق؛ وأدلى فقط: إن العيب ليس في (اتفاق) الصخيرات، وإنما في تطبيقه على الواقع، وكل المبادرات التي تستهدف حل الأزمة لا تتعارض معه. وهذا يبرهن على الرغبة في إبقاء الاتفاق».
وفي نهاية أبريل (نيسان) العام الجاري، أعلن حفتر «إسقاط» الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات والذي تشكلت بمقتضاه حكومة «الوفاق» المعترف بها دولياً. وكان البرلمان الذي يترأسه صالح قال إنه لم يمنح حكومة «الوفاق» الشرعية.
وفي مطلع الشهر المنصرم قال صالح خلال زيارته إلى موسكو، إن «مدة الولاية والصلاحية للمجلس الرئاسي التي ظلت تجدد لمدة عام انتهت»، كما ذكر بأن حكومة «الوفاق» لم تنل ثقة البرلمان.
في شأن آخر، قال سفير الاتحاد الأوروبي ألن بوجيا، إنه عقد اجتماعاً «افتراضياً» مع ممثلي «مجلس منطقة فزان»، الذي أُعلن منتصف الأسبوع الماضي عن تأسيسه، وسط معارضة من بعض أطياف الجنوب، وأضاف: «لقد شجعتني جهودهم الرامية إلى تحقيق المصالحة وإعطاء صوت موحد للمنطقة».
وانتهى بوجيا إلى أن «التحديات التي يواجهها أهالي (فزان) تحتاج إلى مزيد من الاهتمام من قبل السلطات الليبية والمجتمع الدولي».
وكانت مجموعة من النشطاء في سبها، أعلنت الأسبوع الماضي، عن تأسيس «مجلس إقليم فزان»، الذي قالوا إنه يضم مكونات فزان الوطنية من عرب وتبو وطوارق، مشيرين في وثيقته التأسيسية إلى أن «جميع أبناء الإقليم لهم الحق في أن يكونوا ضمن كيانه اللامركزي دون إقصاء أو تهميش لأحد».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.