مالي... عندما تتقاطع دوائر الأزمات!

جائحة «كوفيد ـ 19» فاقمت الضائقات السياسية والاجتماعية المزمنة

ابراهيم كيتا
ابراهيم كيتا
TT

مالي... عندما تتقاطع دوائر الأزمات!

ابراهيم كيتا
ابراهيم كيتا

تعيش مالي منذ مطلع يونيو (حزيران) الماضي على وقع احتجاجات شعبية متصاعدة، سقط فيها الكثير من القتلى وأدخلت البلاد في أزمة سياسية واجتماعية مستعصية. والمعارضة التي تقود الاحتجاجات، ترفع مطلباً وحيداً ترفض التنازل عنه، هو «استقالة» الرئيس إبراهيم بابكر كيتا، بينما يرفض الأخير الاستقالة ويعرض جملة من التنازلات التي يبدو أنها غير كافية لإنهاء الأزمة. هذه الأزمة جاءت لتعكس مستوى الغضب الشعبي تجاه حالة «فشل الدولة» في هذه الجمهورية الأفريقية الفقيرة التي تحاصرها الأزمات منذ عام 2011، عندما سيطرت جماعات إرهابية على ثلثي مساحتها في الشمال، وهو ما استدعى تدخلاً عسكرياً دولياً بقيادة فرنسا.
إلا أن التدخل الدولي لم ينجح حتى الآن في القضاء على الخطر الإرهابي، بل إن انعدام الأمن اقترب أكثر من العاصمة باماكو في جنوب البلاد، بعدما فقدت الدولة السيطرة على مناطق واسعة من وسطها لصالح ميليشيات عرقية تقتتل فيما بينها. وهكذا ظلت دائرة الأزمات تتسع وتتقاطع فيما بينها، من دون أن يجد نظام الرئيس كيتا أي حلول لها، وبقي الشباب، الذين يشكلون غالبية السكان، يعانون البطالة والفقر وانعدام الأمل في المستقبل، وهم الذين يقودون الاحتجاجات العنيفة منذ قرابة شهرين، وكم من صفوف الشباب سقط حتى الآن، أكثر من عشرين قتيلاً.
بذور الأزمة التي تشهدها جمهورية مالي، في غرب أفريقيا، متنوعة، ويمكن وصف ما يجري بأنه انفجار لتراكم الكثير من مسببات الاحتقان. إذ إن الشارع ظل في حالة غليان دائم طيلة السنوات السبع الأخيرة، رافعاً مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، لكن حراك الشارع هذه المرة كان أكثر شراسة، فمسح طاولة المطالب، وطالب برأس الرئيس، باعتباره رمزاً لكل تلك المشاكل المتراكمة.
يمكن القول، إن الانتخابات التشريعية التي أجريت بنهاية مارس (آذار) الماضي، كانت الشرارة التي فجّرت الوضع، خاصة، أنه قبل يومين من موعدها اختطف مسلحون مجهولون زعيم المعارضة سوميلا سيسي، عندما كان في جولة انتخابية في منطقة تمبكتو، بوسط البلاد. وما زالت أخباره مقطوعة حتى اليوم، وهو ما أشعل فتيل غضب عارم بين أنصار واحد من أكثر السياسيين شعبية في مالي.
ثم أن ما صبّ الزيت على نار الغضب الشعبي، قرار المحكمة العليا في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، إلغاء فوز المعارضة بعدد من مقاعد البرلمان لصالح الحزب الحاكم. وهو ما وصفته المعارضة بأنه «تزوير»، رافضة على الأثر الاعتراف بنتائج الانتخابات. وهكذا فقدت المحكمة العليا مصداقيتها، واستقال عدد من قضاتها، لتأخذ الأزمة أبعاداً دستورية، بالإضافة إلى بداياتها السياسية والاجتماعية.
- الإمام محمود ديكو
مع نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، وفي ظل غياب زعيم المعارضة المختطَف، ظهر تحالف سياسي جديد يقوده الإمام محمود ديكو، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى، الذي يعتقد أن أسباب الأزمة في مالي لا يمكن اختزالها في السياسة. وبالتالي، فهو يعطي لنفسه الحق في تحريك الجماهير من أجل «إنقاذ مالي»، ولقد نجح بالفعل في ذلك بسبب شعبيته الكبيرة.
أكثر من هذا، تحالف الإمام ديكو، الذي يتمتع بشخصية قوية وقبول في الشارع، مع هيئات المجتمع المدني وحركات سياسية وناشطين شباب ناقمين على الوضع المتردي، فأصبحت الاحتجاجات التي بدأت يوم الخامس من يونيو الماضي، أقرب إلى التعبير عن تطلعات الشارع الغاضب.
وهنا يقول محفوظ ولد السالك، الباحث في الشأن الأفريقي، إن ما تشهده مالي هو «صراع سياسي - اجتماعي كان في الأساس قائماً، لكنه انفجر بشكل مفاجئ، وفي سياق حرج، حين كانت البلاد تعاني انتشار فيروس جائحة (كوفيد – 19)، والوضع الأمني يزداد اضطراباً في الشمال والوسط». ويرى ولد السالك، أن المعارضة استغلت «الوضع الحرج» لصالحها فركبت موجة الغضب الشعبي والاحتقان لتحشر الرئيس في الزاوية، مضيفاً أن «كل العوامل تضافرت ضد الرئيس كيتا، فضاق عليه الخناق، رغم أنه لا يزال يناور».
ويوضح الباحث في الشأن الأفريقي شارحاً، أن «الاضطراب السياسي والاجتماعي قديم جديد في مالي. وبالنسبة للوضع الاجتماعي بالذات، فإنه كثيراً ما كان محتقناً بسبب الفقر، وتسخير معظم الموارد لمواجهة الإرهاب - أو هكذا يقول النظام - . أما فيما يخصّ الوضع السياسي، فإنه كان دائماً ما يتأزم بعد كل انتخابات. وبالتالي، لو لم يكن السياق العام استثنائياً، وجرى استغلال ذلك، لكان الأمر مألوفاً ولا جديد فيه».
المأزق الذي يوجد فيه الرئيس المالي كيتا ظهر فعلياً منذ أشهر عدة، عندما قرّر تنظيم الانتخابات التشريعية في نهاية مارس الماضي، متجاهلاً التحذير من تفاقم الوضع الصحي بسبب «كوفيد - 19»، إلا أن كيتا كان في موقف صعب جداً، كما يقول ولد السالك «فلو لم ينظم الاقتراع لتسبب في أزمة سياسية واتهم بخرق الدستور والقانون، وربما اعتبر خصومه أن قرار تأجيل الانتخابات له دوافع وغايات أخرى»، لا سيما، وأنه سبق لمالي أن نظمت الكثير من الانتخابات رغم الحرب وتردي الأوضاع الأمنية.
في المقابل، يقول ولد السالك، إن المعارضة استغلت قرار تنظيم الانتخابات ضد الرئيس، واتهمته بتعريض حياة الناخبين للخطر وبالتزوير، أي أنها كانت مستعدة لاستغلال أي قرار يتخذه بهذا الخصوص. ويضيف «مجرد رفض المعارضة النتائج واعتبار الانتخابات مزوّرة، أيضاً مشهد مألوف في أفريقيا، لكن السياق العام حوّل الأزمة إلى أزمتين: سياسية متمثلة في رفض النتائج واعتبارها مزوّرة، واجتماعية تمثلت في انتقاد تسيير الأزمة الصحية».
- أئمة سياسيون
لقد كان من اللافت أن يقود الأئمة والفقهاء الاحتجاجات في مالي، وهي الدولة العلمانية التي تؤكد في دستورها على الفصل بين الدين والدولة. ومع أن الغالبية الساحقة من سكان مالي مسلمون متدينون، فإن رجال الدين فيها ظلوا دوماً أداة تستخدمها أنظمة الحكم، حتى أن الأئمة الذين يتصدّرون الاحتجاجات ضد الرئيس كيتا، كانوا قبل أشهر قليلة من كبار داعميه والمدافعين عنه.
ويعتقد محفوظ ولد السالك، أن «المؤسسة الدينية في غرب أفريقيا تتمتع بنفوذ قوي، والنظام السياسي في غرب أفريقيا، إذا لم تكن لديه حاضنة دينية قوية فلن يصمد أمام الأزمات السياسية والاجتماعية، وقد يُطاح به إما من طرف الشارع، أو عبر صناديق الاقتراع». لكن
المعطى الجديد الذي غير المعادلة لصالح دخول الأئمة والفقهاء على خط المعارضة، هو النفوذ المتزايد للإمام محمود ديكو. وللعلم، سبق لهذا الرجل أن كسب معارك كثيرة ضد الحكومة، خاصة عندما رفض مدوّنة الأحوال الشخصية لأنها في رأيه تعارض الشريعة الإسلامية، وكذلك حين رفض إدراج الثقافة الجنسية في المناهج التربوية، وسن قانون للمثلية، فأرغم الدولة على التراجع حين حرّك الشارع ضدها.
وهكذا، مع تزايد نفوذه، عرض الإمام ديكو مقاربة مقترحة لحل الأزمة الأمنية والاجتماعية في مالي، تقوم على مبدئين أساسيين: إنهاء الوجود العسكري الأجنبي، والدخول في حوار مع الجماعات الإرهابية. وبدأت هذه المقاربة حقاً تنال دعم الشارع، في ظل تزايد الرفض الشعبي للتدخل العسكري الأجنبي، الذي يعتقد عدد كبير من الماليين أنه فشل في كسب الحرب ضد الإرهاب.
يعتقد ولد السالك أن الإمام ديكو استفاد من «شعبيته الكبيرة، وعلاقاته القوية ببعض المؤثرين دينياً واجتماعياً، كشريف نيورو، الذي يعتبره معلمه... وكثيراً ما جمعتهما مع غيرهما مواقف مشتركة من نظام كيتا، كانت في مرحلة من المراحل مساندة له، ثم تحوّلت إلى معارضة له». بيد أن ولد السالك يشدد على أنه من الخطأ الظن أن الحضور المتزايد للأئمة دليل على ضعف الطبقة السياسية، مشيراً إلى أن «الحضور الطاغي للأئمة والعلماء في السياسة بمنطقة غرب أفريقيا، حيث الغالبية المسلمة، لا يعني بالضرورة فشل الطبقة السياسية، بقدر ما يتعلق الأمر بطريقة البنية الثقافية والاجتماعية لشعوب المنطقة، ومكانة الدين وأصحابه عندهم».
- أخطاء كيتا
وصل إبراهيم بابكر كيتا إلى الحكم في انتخابات رئاسية عام 2013، نظمت إبّان الحرب ضد الجماعات الإرهابية في شمال مالي. وكان الرهان الأكبر أمامه هو استعادة الأمن والاستقرار في مناطق واسعة من البلاد، بالإضافة إلى إنعاش الاقتصاد المنهك، والخروج من الأزمة السياسية التي أحدها الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي عام 2012.
غير أن كيتا، الذي أخفق في كل هذه الرهانات، ظل رغم كل ذلك ممسكاً بخيوط المعادلة السياسية، ففاز بالانتخابات الرئاسية عام 2018، ليخلف نفسه في فترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات. لكنه واجه فيها حتى الآن الرهانات السابقة نفسها، ولكن مع مشاكل جديدة تهدد الوحدة الوطنية في ظل الاقتتال العرقي وتفكك الجبهة الداخلية.
عودة إلى الباحث محفوظ ولد السالك، الذي يعتقد أن «الخطأ الأكبر الذي ارتكبه كيتا هو أنه في محاولته خلال العامين الماضيين لمعالجة الأزمات، لم يشرك المعارضة والمجتمع المدني والمؤسسة الدينية، وهذا بالإضافة إلى أنه لم ينفذ النتائج التي أسفر عنها حوار وطني قدم مقترحات لتوحيد الجبهة الوطنية الداخلية».
ويضيف الباحث «لقد اعتبر كيتا أن النظام وحده المسؤول عن ذلك، فتصرف بأحادية، متجاهلاً أن إدارة الملفات ذات المصير المشترك، تستدعي إشراك الجميع سعيا للإجماع، ووضع للجميع كذلك أمام مسؤولياتهم»، خاصة، أنه عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي حسمها في الشوط الثاني - وبشق الأنفس - أمام زعيم المعارضة سوميلا سيسي، رفض تشكيل «حكومة وحدة وطنية» تشارك فيها المعارضة. ويعتقد ولد السالك أن كيتا، الآن بعدما تأزم الوضع، «بدأ يعي ضرورة التشارك في القرار والتسيير، وأهمية التشاور مع الجميع، لكن إدراكه جاء متأخراً. قد يجدي ذلك، لكن بصعوبة وبتقديم تنازلات كبيرة... فهو بات في موقف ضعف؛ لأن الشارع ضده والأزمات تحاصره. وبالتالي سيضطر إلى الانحناء كثيراً حتى تمر العاصفة بأقل الخسائر».
- لا مؤشرات لمرور العاصفة
في غضون ذلك، لا يبدو أن العاصفة توشك على أن تنتهي؛ ذلك بسبب غياب أرضية مشتركة بين طرفي الأزمة. فالمعارضة مطلبها الوحيد «استقالة الرئيس»، وهي مستعدة بعد ذلك لمناقشة كل التسويات الممكنة. وفي المقابل، يعرب كيتا عن استعداده للمساهمة في جميع التسويات باستثناء أي تسوية تتضمن استقالته، وأمام هذه الوضعية يصعب التوفيق بين الموقفين.
وهكذا، أمام تفاقم الأزمة وفشل محاولات كيتا في إقناع خصومه بالامتناع عن النزول إلى الشارع، والدخول معه في «حكومة وحدة وطنية»، دخلت على الخط «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس) التي تضم 15 بلداً من ضمنها مالي. وبدأت «المجموعة» وساطة بين أطراف الأزمة قادها رئيس نيجيريا السابق غودلاك جوناثان، بيد أنه سرعان ما فشل في المهمة في أعقاب رفض المعارضة مقترحاته للخروج من الأزمة.
مع هذا، لم تستسلم مجموعة «إيكواس»، بل أرسلت وفداً رفيعاً يضم رؤساء خمس دول، هي: النيجر، والسنغال، ونيجيريا، وكوت ديفوار، وغانا، أمضوا ساعات عدة في العاصمة باماكو، التقوا خلالها بالرئيس كيتا وبقادة المعارضة، بمن فيهم الإمام محمود ديكو. ولكن الأخير خرج من اللقاء ليعلن فشل الوساطة؛ لأن قادة دول «إيكواس» يحاولون حماية كيتا ويسعون لفرض قرارات على الشعب المالي.
وحول هذه النقطة، يعتقد ولد السالك أن «إيكواس» بدأت مقاربتها لحل الأزمة في مالي انطلاقاً من كونها «أزمة سياسية بحتة»، لكن المعارضة رفضت ذلك معتبرة أن «حصر الأزمة في الجانب السياسي خطأ». وعلى الأثر، حاولت دول «إيكواس» معالجة هذا النقص خلال قمة استثنائية الاثنين الماضي، أسفرت عن مقترحات تتضمن «إلغاء انتخاب 31 نائباً من نواب الغالبية بينهم رئيس البرلمان، بسبب النزاع الانتخابي القائم بشأنهم، كما دعت لتشكيل «حكومة وحدة وطنية»، وإعادة تشكيل أعضاء المحكمة الدستورية، وهدّدت بمعاقبة الرافضين للخطة، لكن لغة التهديد قد لا يكون لها كبير وقع»، وفق تعبير ولد السالك.
ومن جديد رفضت المعارضة مقترحات دول «إيكواس»؛ وذلك لسبب بسيط، وهو أنها تبقي على كيتا في السلطة. لكن، مع هذا يعتقد ولد السالك أن وساطة دول غرب أفريقيا لم تفشل بعد، مستطرداً «أعتقد أنها قد تنجح إذا اقتنع زعيم الحراك الإمام محمود ديكو، بجدية النظام في تجاوز الأزمة، وإشراك قادة الحراك في الحكومة، وإعادة تنظيم انتخابات تشريعية جزئية». ولكنه يرى، في الوقت نفسه، أن «سيناريوهات» أخرى قد تبرز في حال فشلت الوساطة الغرب أفريقية؛ إذ «قد يعمد كيتا وأنصاره في الموالاة، على إحداث شرخٍ كبير داخل صفوف الحراك المعارض، فينقسم إلى مؤيد للاحتجاج ومعارض له، وهو ما سيحدّ من حجم تأثيره». ويشير إلى أنه سبق أن ظهرت بوادر ذلك قبل فترة، إلا أن فشل تفكيك الحراك من الداخل سيقلص كثيراً الخيارات أمام الرئيس كيتا.
- السيناريو المالي... ودول الجوار
> يعتقد مراقبون أنه إذا نجح الشارع في مالي بإرغام الرئيس إبراهيم بابكر كيتا على الاستقالة؛ فإن العدوى ستنتقل إلى دول أخرى في شبه المنطقة. ثم إنه في حال استقال فلن تكون تلك المرة الأولى التي يرغم فيها الشارع إحدى دول غرب أفريقيا رئيسها على الاستقالة؛ إذ حدث ذلك عام 2015 في بوركينا فاسو، عندما غادر الرئيس بليز كومباوري الحكم على وقع احتجاجات شعبية غاضبة.
لكن «انتقال العدوى» إلى دول غرب أفريقيا، وفق الباحث محفوظ ولد السالك، «سيدشن عهداً جديداً من انعدام الاستقرار السياسي في المنطقة، يُضاف إلى الاضطراب الأمني، وستكون النتائج بلا شك وخيمة. ويشير إلى أنه، في أي حال، فرنسا تبقى هي اللاعب القوي في المنطقة، «ولن تكون خارج اللعبة، فما تريده باريس سيكون حاضراً بقوة على الأجندات. هذه مستعمراتها السابقة، وفيها توجد قواتها لمحاربة الإرهاب... وبالتالي، لن تغيب عن المشهد وإن لم تحضر بشكل مباشر، لكن المخرج النهائي سيكون مخرجها، وتصورها هو المأخوذ به».
- الدور الدولي... وأولوية مكافحة «القاعدة» و«داعش»
> على الرغم من أن الوساطة في أزمة مالي كانت إقليمية، فإن المجموعة الدولية تتابع الأزمة عن كثب. إذ إن مالي تعد منذ سنوات ساحة لمعركة طاحنة ضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وأي انفجار فيها كان سيقود إلى انفجار الوضع في منطقة غرب أفريقيا عموماً، وبالتالي فكل ما يجري فيها يحظى باهتمام كبير.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أعربا عن دعم المقاربة التي قدمتها دول غرب أفريقيا لحل الأزمة، والشيء نفسه ينطبق على اهتمامات فرنسا والاتحاد الأوروبي. وحدها «مجموعة دول الساحل الخمس» لم تعلق على ما يجري، مع أن مالي دولة عضو في المجموعة، وهي الدول الأكثر قرباً مما يجري في مالي، وتأثراً به.
وتعليقاً على صمت دول الساحل، يقول الباحث محفوظ ولد السالك «ربما نشهد وساطة لدول الخمس في الساحل في قادم الأيام، إذا لم تنجح وساطة إيكواس»، مشيراً إلى أن دور يمكن أن يلعبه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «أولاً، لكونه يرأس مجموعة الخمس في الساحل، ومالي عضو فاعل فيها، وثانياً لكون موريتانيا تتأثر سلباً وإيجاباً بما يقع في مالي، وكانت لها في السابق أدوار وساطة بين الأطراف المالية».
وبالفعل، تبدو الوساطة الموريتانية منطقية بالنسبة لكثير من المحللين، خاصة مع الحضور القوي للأئمة والفقهاء في الأزمة المالية. ثم إن معظم هؤلاء الأئمة بمن فيهم الإمام محمود ديكو، تلقوا تعليمهم في المعاهد الموريتانية، ويكنون احتراماً وتقديراً كبيراً للموريتانيين، وهذا بالإضافة إلى علاقات اجتماعية وروحية وثقافية قوية تربط الموريتانيين والماليين.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».