مالي... عندما تتقاطع دوائر الأزمات!

جائحة «كوفيد ـ 19» فاقمت الضائقات السياسية والاجتماعية المزمنة

ابراهيم كيتا
ابراهيم كيتا
TT

مالي... عندما تتقاطع دوائر الأزمات!

ابراهيم كيتا
ابراهيم كيتا

تعيش مالي منذ مطلع يونيو (حزيران) الماضي على وقع احتجاجات شعبية متصاعدة، سقط فيها الكثير من القتلى وأدخلت البلاد في أزمة سياسية واجتماعية مستعصية. والمعارضة التي تقود الاحتجاجات، ترفع مطلباً وحيداً ترفض التنازل عنه، هو «استقالة» الرئيس إبراهيم بابكر كيتا، بينما يرفض الأخير الاستقالة ويعرض جملة من التنازلات التي يبدو أنها غير كافية لإنهاء الأزمة. هذه الأزمة جاءت لتعكس مستوى الغضب الشعبي تجاه حالة «فشل الدولة» في هذه الجمهورية الأفريقية الفقيرة التي تحاصرها الأزمات منذ عام 2011، عندما سيطرت جماعات إرهابية على ثلثي مساحتها في الشمال، وهو ما استدعى تدخلاً عسكرياً دولياً بقيادة فرنسا.
إلا أن التدخل الدولي لم ينجح حتى الآن في القضاء على الخطر الإرهابي، بل إن انعدام الأمن اقترب أكثر من العاصمة باماكو في جنوب البلاد، بعدما فقدت الدولة السيطرة على مناطق واسعة من وسطها لصالح ميليشيات عرقية تقتتل فيما بينها. وهكذا ظلت دائرة الأزمات تتسع وتتقاطع فيما بينها، من دون أن يجد نظام الرئيس كيتا أي حلول لها، وبقي الشباب، الذين يشكلون غالبية السكان، يعانون البطالة والفقر وانعدام الأمل في المستقبل، وهم الذين يقودون الاحتجاجات العنيفة منذ قرابة شهرين، وكم من صفوف الشباب سقط حتى الآن، أكثر من عشرين قتيلاً.
بذور الأزمة التي تشهدها جمهورية مالي، في غرب أفريقيا، متنوعة، ويمكن وصف ما يجري بأنه انفجار لتراكم الكثير من مسببات الاحتقان. إذ إن الشارع ظل في حالة غليان دائم طيلة السنوات السبع الأخيرة، رافعاً مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، لكن حراك الشارع هذه المرة كان أكثر شراسة، فمسح طاولة المطالب، وطالب برأس الرئيس، باعتباره رمزاً لكل تلك المشاكل المتراكمة.
يمكن القول، إن الانتخابات التشريعية التي أجريت بنهاية مارس (آذار) الماضي، كانت الشرارة التي فجّرت الوضع، خاصة، أنه قبل يومين من موعدها اختطف مسلحون مجهولون زعيم المعارضة سوميلا سيسي، عندما كان في جولة انتخابية في منطقة تمبكتو، بوسط البلاد. وما زالت أخباره مقطوعة حتى اليوم، وهو ما أشعل فتيل غضب عارم بين أنصار واحد من أكثر السياسيين شعبية في مالي.
ثم أن ما صبّ الزيت على نار الغضب الشعبي، قرار المحكمة العليا في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، إلغاء فوز المعارضة بعدد من مقاعد البرلمان لصالح الحزب الحاكم. وهو ما وصفته المعارضة بأنه «تزوير»، رافضة على الأثر الاعتراف بنتائج الانتخابات. وهكذا فقدت المحكمة العليا مصداقيتها، واستقال عدد من قضاتها، لتأخذ الأزمة أبعاداً دستورية، بالإضافة إلى بداياتها السياسية والاجتماعية.
- الإمام محمود ديكو
مع نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، وفي ظل غياب زعيم المعارضة المختطَف، ظهر تحالف سياسي جديد يقوده الإمام محمود ديكو، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى، الذي يعتقد أن أسباب الأزمة في مالي لا يمكن اختزالها في السياسة. وبالتالي، فهو يعطي لنفسه الحق في تحريك الجماهير من أجل «إنقاذ مالي»، ولقد نجح بالفعل في ذلك بسبب شعبيته الكبيرة.
أكثر من هذا، تحالف الإمام ديكو، الذي يتمتع بشخصية قوية وقبول في الشارع، مع هيئات المجتمع المدني وحركات سياسية وناشطين شباب ناقمين على الوضع المتردي، فأصبحت الاحتجاجات التي بدأت يوم الخامس من يونيو الماضي، أقرب إلى التعبير عن تطلعات الشارع الغاضب.
وهنا يقول محفوظ ولد السالك، الباحث في الشأن الأفريقي، إن ما تشهده مالي هو «صراع سياسي - اجتماعي كان في الأساس قائماً، لكنه انفجر بشكل مفاجئ، وفي سياق حرج، حين كانت البلاد تعاني انتشار فيروس جائحة (كوفيد – 19)، والوضع الأمني يزداد اضطراباً في الشمال والوسط». ويرى ولد السالك، أن المعارضة استغلت «الوضع الحرج» لصالحها فركبت موجة الغضب الشعبي والاحتقان لتحشر الرئيس في الزاوية، مضيفاً أن «كل العوامل تضافرت ضد الرئيس كيتا، فضاق عليه الخناق، رغم أنه لا يزال يناور».
ويوضح الباحث في الشأن الأفريقي شارحاً، أن «الاضطراب السياسي والاجتماعي قديم جديد في مالي. وبالنسبة للوضع الاجتماعي بالذات، فإنه كثيراً ما كان محتقناً بسبب الفقر، وتسخير معظم الموارد لمواجهة الإرهاب - أو هكذا يقول النظام - . أما فيما يخصّ الوضع السياسي، فإنه كان دائماً ما يتأزم بعد كل انتخابات. وبالتالي، لو لم يكن السياق العام استثنائياً، وجرى استغلال ذلك، لكان الأمر مألوفاً ولا جديد فيه».
المأزق الذي يوجد فيه الرئيس المالي كيتا ظهر فعلياً منذ أشهر عدة، عندما قرّر تنظيم الانتخابات التشريعية في نهاية مارس الماضي، متجاهلاً التحذير من تفاقم الوضع الصحي بسبب «كوفيد - 19»، إلا أن كيتا كان في موقف صعب جداً، كما يقول ولد السالك «فلو لم ينظم الاقتراع لتسبب في أزمة سياسية واتهم بخرق الدستور والقانون، وربما اعتبر خصومه أن قرار تأجيل الانتخابات له دوافع وغايات أخرى»، لا سيما، وأنه سبق لمالي أن نظمت الكثير من الانتخابات رغم الحرب وتردي الأوضاع الأمنية.
في المقابل، يقول ولد السالك، إن المعارضة استغلت قرار تنظيم الانتخابات ضد الرئيس، واتهمته بتعريض حياة الناخبين للخطر وبالتزوير، أي أنها كانت مستعدة لاستغلال أي قرار يتخذه بهذا الخصوص. ويضيف «مجرد رفض المعارضة النتائج واعتبار الانتخابات مزوّرة، أيضاً مشهد مألوف في أفريقيا، لكن السياق العام حوّل الأزمة إلى أزمتين: سياسية متمثلة في رفض النتائج واعتبارها مزوّرة، واجتماعية تمثلت في انتقاد تسيير الأزمة الصحية».
- أئمة سياسيون
لقد كان من اللافت أن يقود الأئمة والفقهاء الاحتجاجات في مالي، وهي الدولة العلمانية التي تؤكد في دستورها على الفصل بين الدين والدولة. ومع أن الغالبية الساحقة من سكان مالي مسلمون متدينون، فإن رجال الدين فيها ظلوا دوماً أداة تستخدمها أنظمة الحكم، حتى أن الأئمة الذين يتصدّرون الاحتجاجات ضد الرئيس كيتا، كانوا قبل أشهر قليلة من كبار داعميه والمدافعين عنه.
ويعتقد محفوظ ولد السالك، أن «المؤسسة الدينية في غرب أفريقيا تتمتع بنفوذ قوي، والنظام السياسي في غرب أفريقيا، إذا لم تكن لديه حاضنة دينية قوية فلن يصمد أمام الأزمات السياسية والاجتماعية، وقد يُطاح به إما من طرف الشارع، أو عبر صناديق الاقتراع». لكن
المعطى الجديد الذي غير المعادلة لصالح دخول الأئمة والفقهاء على خط المعارضة، هو النفوذ المتزايد للإمام محمود ديكو. وللعلم، سبق لهذا الرجل أن كسب معارك كثيرة ضد الحكومة، خاصة عندما رفض مدوّنة الأحوال الشخصية لأنها في رأيه تعارض الشريعة الإسلامية، وكذلك حين رفض إدراج الثقافة الجنسية في المناهج التربوية، وسن قانون للمثلية، فأرغم الدولة على التراجع حين حرّك الشارع ضدها.
وهكذا، مع تزايد نفوذه، عرض الإمام ديكو مقاربة مقترحة لحل الأزمة الأمنية والاجتماعية في مالي، تقوم على مبدئين أساسيين: إنهاء الوجود العسكري الأجنبي، والدخول في حوار مع الجماعات الإرهابية. وبدأت هذه المقاربة حقاً تنال دعم الشارع، في ظل تزايد الرفض الشعبي للتدخل العسكري الأجنبي، الذي يعتقد عدد كبير من الماليين أنه فشل في كسب الحرب ضد الإرهاب.
يعتقد ولد السالك أن الإمام ديكو استفاد من «شعبيته الكبيرة، وعلاقاته القوية ببعض المؤثرين دينياً واجتماعياً، كشريف نيورو، الذي يعتبره معلمه... وكثيراً ما جمعتهما مع غيرهما مواقف مشتركة من نظام كيتا، كانت في مرحلة من المراحل مساندة له، ثم تحوّلت إلى معارضة له». بيد أن ولد السالك يشدد على أنه من الخطأ الظن أن الحضور المتزايد للأئمة دليل على ضعف الطبقة السياسية، مشيراً إلى أن «الحضور الطاغي للأئمة والعلماء في السياسة بمنطقة غرب أفريقيا، حيث الغالبية المسلمة، لا يعني بالضرورة فشل الطبقة السياسية، بقدر ما يتعلق الأمر بطريقة البنية الثقافية والاجتماعية لشعوب المنطقة، ومكانة الدين وأصحابه عندهم».
- أخطاء كيتا
وصل إبراهيم بابكر كيتا إلى الحكم في انتخابات رئاسية عام 2013، نظمت إبّان الحرب ضد الجماعات الإرهابية في شمال مالي. وكان الرهان الأكبر أمامه هو استعادة الأمن والاستقرار في مناطق واسعة من البلاد، بالإضافة إلى إنعاش الاقتصاد المنهك، والخروج من الأزمة السياسية التي أحدها الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي عام 2012.
غير أن كيتا، الذي أخفق في كل هذه الرهانات، ظل رغم كل ذلك ممسكاً بخيوط المعادلة السياسية، ففاز بالانتخابات الرئاسية عام 2018، ليخلف نفسه في فترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات. لكنه واجه فيها حتى الآن الرهانات السابقة نفسها، ولكن مع مشاكل جديدة تهدد الوحدة الوطنية في ظل الاقتتال العرقي وتفكك الجبهة الداخلية.
عودة إلى الباحث محفوظ ولد السالك، الذي يعتقد أن «الخطأ الأكبر الذي ارتكبه كيتا هو أنه في محاولته خلال العامين الماضيين لمعالجة الأزمات، لم يشرك المعارضة والمجتمع المدني والمؤسسة الدينية، وهذا بالإضافة إلى أنه لم ينفذ النتائج التي أسفر عنها حوار وطني قدم مقترحات لتوحيد الجبهة الوطنية الداخلية».
ويضيف الباحث «لقد اعتبر كيتا أن النظام وحده المسؤول عن ذلك، فتصرف بأحادية، متجاهلاً أن إدارة الملفات ذات المصير المشترك، تستدعي إشراك الجميع سعيا للإجماع، ووضع للجميع كذلك أمام مسؤولياتهم»، خاصة، أنه عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي حسمها في الشوط الثاني - وبشق الأنفس - أمام زعيم المعارضة سوميلا سيسي، رفض تشكيل «حكومة وحدة وطنية» تشارك فيها المعارضة. ويعتقد ولد السالك أن كيتا، الآن بعدما تأزم الوضع، «بدأ يعي ضرورة التشارك في القرار والتسيير، وأهمية التشاور مع الجميع، لكن إدراكه جاء متأخراً. قد يجدي ذلك، لكن بصعوبة وبتقديم تنازلات كبيرة... فهو بات في موقف ضعف؛ لأن الشارع ضده والأزمات تحاصره. وبالتالي سيضطر إلى الانحناء كثيراً حتى تمر العاصفة بأقل الخسائر».
- لا مؤشرات لمرور العاصفة
في غضون ذلك، لا يبدو أن العاصفة توشك على أن تنتهي؛ ذلك بسبب غياب أرضية مشتركة بين طرفي الأزمة. فالمعارضة مطلبها الوحيد «استقالة الرئيس»، وهي مستعدة بعد ذلك لمناقشة كل التسويات الممكنة. وفي المقابل، يعرب كيتا عن استعداده للمساهمة في جميع التسويات باستثناء أي تسوية تتضمن استقالته، وأمام هذه الوضعية يصعب التوفيق بين الموقفين.
وهكذا، أمام تفاقم الأزمة وفشل محاولات كيتا في إقناع خصومه بالامتناع عن النزول إلى الشارع، والدخول معه في «حكومة وحدة وطنية»، دخلت على الخط «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس) التي تضم 15 بلداً من ضمنها مالي. وبدأت «المجموعة» وساطة بين أطراف الأزمة قادها رئيس نيجيريا السابق غودلاك جوناثان، بيد أنه سرعان ما فشل في المهمة في أعقاب رفض المعارضة مقترحاته للخروج من الأزمة.
مع هذا، لم تستسلم مجموعة «إيكواس»، بل أرسلت وفداً رفيعاً يضم رؤساء خمس دول، هي: النيجر، والسنغال، ونيجيريا، وكوت ديفوار، وغانا، أمضوا ساعات عدة في العاصمة باماكو، التقوا خلالها بالرئيس كيتا وبقادة المعارضة، بمن فيهم الإمام محمود ديكو. ولكن الأخير خرج من اللقاء ليعلن فشل الوساطة؛ لأن قادة دول «إيكواس» يحاولون حماية كيتا ويسعون لفرض قرارات على الشعب المالي.
وحول هذه النقطة، يعتقد ولد السالك أن «إيكواس» بدأت مقاربتها لحل الأزمة في مالي انطلاقاً من كونها «أزمة سياسية بحتة»، لكن المعارضة رفضت ذلك معتبرة أن «حصر الأزمة في الجانب السياسي خطأ». وعلى الأثر، حاولت دول «إيكواس» معالجة هذا النقص خلال قمة استثنائية الاثنين الماضي، أسفرت عن مقترحات تتضمن «إلغاء انتخاب 31 نائباً من نواب الغالبية بينهم رئيس البرلمان، بسبب النزاع الانتخابي القائم بشأنهم، كما دعت لتشكيل «حكومة وحدة وطنية»، وإعادة تشكيل أعضاء المحكمة الدستورية، وهدّدت بمعاقبة الرافضين للخطة، لكن لغة التهديد قد لا يكون لها كبير وقع»، وفق تعبير ولد السالك.
ومن جديد رفضت المعارضة مقترحات دول «إيكواس»؛ وذلك لسبب بسيط، وهو أنها تبقي على كيتا في السلطة. لكن، مع هذا يعتقد ولد السالك أن وساطة دول غرب أفريقيا لم تفشل بعد، مستطرداً «أعتقد أنها قد تنجح إذا اقتنع زعيم الحراك الإمام محمود ديكو، بجدية النظام في تجاوز الأزمة، وإشراك قادة الحراك في الحكومة، وإعادة تنظيم انتخابات تشريعية جزئية». ولكنه يرى، في الوقت نفسه، أن «سيناريوهات» أخرى قد تبرز في حال فشلت الوساطة الغرب أفريقية؛ إذ «قد يعمد كيتا وأنصاره في الموالاة، على إحداث شرخٍ كبير داخل صفوف الحراك المعارض، فينقسم إلى مؤيد للاحتجاج ومعارض له، وهو ما سيحدّ من حجم تأثيره». ويشير إلى أنه سبق أن ظهرت بوادر ذلك قبل فترة، إلا أن فشل تفكيك الحراك من الداخل سيقلص كثيراً الخيارات أمام الرئيس كيتا.
- السيناريو المالي... ودول الجوار
> يعتقد مراقبون أنه إذا نجح الشارع في مالي بإرغام الرئيس إبراهيم بابكر كيتا على الاستقالة؛ فإن العدوى ستنتقل إلى دول أخرى في شبه المنطقة. ثم إنه في حال استقال فلن تكون تلك المرة الأولى التي يرغم فيها الشارع إحدى دول غرب أفريقيا رئيسها على الاستقالة؛ إذ حدث ذلك عام 2015 في بوركينا فاسو، عندما غادر الرئيس بليز كومباوري الحكم على وقع احتجاجات شعبية غاضبة.
لكن «انتقال العدوى» إلى دول غرب أفريقيا، وفق الباحث محفوظ ولد السالك، «سيدشن عهداً جديداً من انعدام الاستقرار السياسي في المنطقة، يُضاف إلى الاضطراب الأمني، وستكون النتائج بلا شك وخيمة. ويشير إلى أنه، في أي حال، فرنسا تبقى هي اللاعب القوي في المنطقة، «ولن تكون خارج اللعبة، فما تريده باريس سيكون حاضراً بقوة على الأجندات. هذه مستعمراتها السابقة، وفيها توجد قواتها لمحاربة الإرهاب... وبالتالي، لن تغيب عن المشهد وإن لم تحضر بشكل مباشر، لكن المخرج النهائي سيكون مخرجها، وتصورها هو المأخوذ به».
- الدور الدولي... وأولوية مكافحة «القاعدة» و«داعش»
> على الرغم من أن الوساطة في أزمة مالي كانت إقليمية، فإن المجموعة الدولية تتابع الأزمة عن كثب. إذ إن مالي تعد منذ سنوات ساحة لمعركة طاحنة ضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وأي انفجار فيها كان سيقود إلى انفجار الوضع في منطقة غرب أفريقيا عموماً، وبالتالي فكل ما يجري فيها يحظى باهتمام كبير.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أعربا عن دعم المقاربة التي قدمتها دول غرب أفريقيا لحل الأزمة، والشيء نفسه ينطبق على اهتمامات فرنسا والاتحاد الأوروبي. وحدها «مجموعة دول الساحل الخمس» لم تعلق على ما يجري، مع أن مالي دولة عضو في المجموعة، وهي الدول الأكثر قرباً مما يجري في مالي، وتأثراً به.
وتعليقاً على صمت دول الساحل، يقول الباحث محفوظ ولد السالك «ربما نشهد وساطة لدول الخمس في الساحل في قادم الأيام، إذا لم تنجح وساطة إيكواس»، مشيراً إلى أن دور يمكن أن يلعبه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «أولاً، لكونه يرأس مجموعة الخمس في الساحل، ومالي عضو فاعل فيها، وثانياً لكون موريتانيا تتأثر سلباً وإيجاباً بما يقع في مالي، وكانت لها في السابق أدوار وساطة بين الأطراف المالية».
وبالفعل، تبدو الوساطة الموريتانية منطقية بالنسبة لكثير من المحللين، خاصة مع الحضور القوي للأئمة والفقهاء في الأزمة المالية. ثم إن معظم هؤلاء الأئمة بمن فيهم الإمام محمود ديكو، تلقوا تعليمهم في المعاهد الموريتانية، ويكنون احتراماً وتقديراً كبيراً للموريتانيين، وهذا بالإضافة إلى علاقات اجتماعية وروحية وثقافية قوية تربط الموريتانيين والماليين.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.