مالي... عندما تتقاطع دوائر الأزمات!

جائحة «كوفيد ـ 19» فاقمت الضائقات السياسية والاجتماعية المزمنة

ابراهيم كيتا
ابراهيم كيتا
TT

مالي... عندما تتقاطع دوائر الأزمات!

ابراهيم كيتا
ابراهيم كيتا

تعيش مالي منذ مطلع يونيو (حزيران) الماضي على وقع احتجاجات شعبية متصاعدة، سقط فيها الكثير من القتلى وأدخلت البلاد في أزمة سياسية واجتماعية مستعصية. والمعارضة التي تقود الاحتجاجات، ترفع مطلباً وحيداً ترفض التنازل عنه، هو «استقالة» الرئيس إبراهيم بابكر كيتا، بينما يرفض الأخير الاستقالة ويعرض جملة من التنازلات التي يبدو أنها غير كافية لإنهاء الأزمة. هذه الأزمة جاءت لتعكس مستوى الغضب الشعبي تجاه حالة «فشل الدولة» في هذه الجمهورية الأفريقية الفقيرة التي تحاصرها الأزمات منذ عام 2011، عندما سيطرت جماعات إرهابية على ثلثي مساحتها في الشمال، وهو ما استدعى تدخلاً عسكرياً دولياً بقيادة فرنسا.
إلا أن التدخل الدولي لم ينجح حتى الآن في القضاء على الخطر الإرهابي، بل إن انعدام الأمن اقترب أكثر من العاصمة باماكو في جنوب البلاد، بعدما فقدت الدولة السيطرة على مناطق واسعة من وسطها لصالح ميليشيات عرقية تقتتل فيما بينها. وهكذا ظلت دائرة الأزمات تتسع وتتقاطع فيما بينها، من دون أن يجد نظام الرئيس كيتا أي حلول لها، وبقي الشباب، الذين يشكلون غالبية السكان، يعانون البطالة والفقر وانعدام الأمل في المستقبل، وهم الذين يقودون الاحتجاجات العنيفة منذ قرابة شهرين، وكم من صفوف الشباب سقط حتى الآن، أكثر من عشرين قتيلاً.
بذور الأزمة التي تشهدها جمهورية مالي، في غرب أفريقيا، متنوعة، ويمكن وصف ما يجري بأنه انفجار لتراكم الكثير من مسببات الاحتقان. إذ إن الشارع ظل في حالة غليان دائم طيلة السنوات السبع الأخيرة، رافعاً مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، لكن حراك الشارع هذه المرة كان أكثر شراسة، فمسح طاولة المطالب، وطالب برأس الرئيس، باعتباره رمزاً لكل تلك المشاكل المتراكمة.
يمكن القول، إن الانتخابات التشريعية التي أجريت بنهاية مارس (آذار) الماضي، كانت الشرارة التي فجّرت الوضع، خاصة، أنه قبل يومين من موعدها اختطف مسلحون مجهولون زعيم المعارضة سوميلا سيسي، عندما كان في جولة انتخابية في منطقة تمبكتو، بوسط البلاد. وما زالت أخباره مقطوعة حتى اليوم، وهو ما أشعل فتيل غضب عارم بين أنصار واحد من أكثر السياسيين شعبية في مالي.
ثم أن ما صبّ الزيت على نار الغضب الشعبي، قرار المحكمة العليا في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، إلغاء فوز المعارضة بعدد من مقاعد البرلمان لصالح الحزب الحاكم. وهو ما وصفته المعارضة بأنه «تزوير»، رافضة على الأثر الاعتراف بنتائج الانتخابات. وهكذا فقدت المحكمة العليا مصداقيتها، واستقال عدد من قضاتها، لتأخذ الأزمة أبعاداً دستورية، بالإضافة إلى بداياتها السياسية والاجتماعية.
- الإمام محمود ديكو
مع نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، وفي ظل غياب زعيم المعارضة المختطَف، ظهر تحالف سياسي جديد يقوده الإمام محمود ديكو، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى، الذي يعتقد أن أسباب الأزمة في مالي لا يمكن اختزالها في السياسة. وبالتالي، فهو يعطي لنفسه الحق في تحريك الجماهير من أجل «إنقاذ مالي»، ولقد نجح بالفعل في ذلك بسبب شعبيته الكبيرة.
أكثر من هذا، تحالف الإمام ديكو، الذي يتمتع بشخصية قوية وقبول في الشارع، مع هيئات المجتمع المدني وحركات سياسية وناشطين شباب ناقمين على الوضع المتردي، فأصبحت الاحتجاجات التي بدأت يوم الخامس من يونيو الماضي، أقرب إلى التعبير عن تطلعات الشارع الغاضب.
وهنا يقول محفوظ ولد السالك، الباحث في الشأن الأفريقي، إن ما تشهده مالي هو «صراع سياسي - اجتماعي كان في الأساس قائماً، لكنه انفجر بشكل مفاجئ، وفي سياق حرج، حين كانت البلاد تعاني انتشار فيروس جائحة (كوفيد – 19)، والوضع الأمني يزداد اضطراباً في الشمال والوسط». ويرى ولد السالك، أن المعارضة استغلت «الوضع الحرج» لصالحها فركبت موجة الغضب الشعبي والاحتقان لتحشر الرئيس في الزاوية، مضيفاً أن «كل العوامل تضافرت ضد الرئيس كيتا، فضاق عليه الخناق، رغم أنه لا يزال يناور».
ويوضح الباحث في الشأن الأفريقي شارحاً، أن «الاضطراب السياسي والاجتماعي قديم جديد في مالي. وبالنسبة للوضع الاجتماعي بالذات، فإنه كثيراً ما كان محتقناً بسبب الفقر، وتسخير معظم الموارد لمواجهة الإرهاب - أو هكذا يقول النظام - . أما فيما يخصّ الوضع السياسي، فإنه كان دائماً ما يتأزم بعد كل انتخابات. وبالتالي، لو لم يكن السياق العام استثنائياً، وجرى استغلال ذلك، لكان الأمر مألوفاً ولا جديد فيه».
المأزق الذي يوجد فيه الرئيس المالي كيتا ظهر فعلياً منذ أشهر عدة، عندما قرّر تنظيم الانتخابات التشريعية في نهاية مارس الماضي، متجاهلاً التحذير من تفاقم الوضع الصحي بسبب «كوفيد - 19»، إلا أن كيتا كان في موقف صعب جداً، كما يقول ولد السالك «فلو لم ينظم الاقتراع لتسبب في أزمة سياسية واتهم بخرق الدستور والقانون، وربما اعتبر خصومه أن قرار تأجيل الانتخابات له دوافع وغايات أخرى»، لا سيما، وأنه سبق لمالي أن نظمت الكثير من الانتخابات رغم الحرب وتردي الأوضاع الأمنية.
في المقابل، يقول ولد السالك، إن المعارضة استغلت قرار تنظيم الانتخابات ضد الرئيس، واتهمته بتعريض حياة الناخبين للخطر وبالتزوير، أي أنها كانت مستعدة لاستغلال أي قرار يتخذه بهذا الخصوص. ويضيف «مجرد رفض المعارضة النتائج واعتبار الانتخابات مزوّرة، أيضاً مشهد مألوف في أفريقيا، لكن السياق العام حوّل الأزمة إلى أزمتين: سياسية متمثلة في رفض النتائج واعتبارها مزوّرة، واجتماعية تمثلت في انتقاد تسيير الأزمة الصحية».
- أئمة سياسيون
لقد كان من اللافت أن يقود الأئمة والفقهاء الاحتجاجات في مالي، وهي الدولة العلمانية التي تؤكد في دستورها على الفصل بين الدين والدولة. ومع أن الغالبية الساحقة من سكان مالي مسلمون متدينون، فإن رجال الدين فيها ظلوا دوماً أداة تستخدمها أنظمة الحكم، حتى أن الأئمة الذين يتصدّرون الاحتجاجات ضد الرئيس كيتا، كانوا قبل أشهر قليلة من كبار داعميه والمدافعين عنه.
ويعتقد محفوظ ولد السالك، أن «المؤسسة الدينية في غرب أفريقيا تتمتع بنفوذ قوي، والنظام السياسي في غرب أفريقيا، إذا لم تكن لديه حاضنة دينية قوية فلن يصمد أمام الأزمات السياسية والاجتماعية، وقد يُطاح به إما من طرف الشارع، أو عبر صناديق الاقتراع». لكن
المعطى الجديد الذي غير المعادلة لصالح دخول الأئمة والفقهاء على خط المعارضة، هو النفوذ المتزايد للإمام محمود ديكو. وللعلم، سبق لهذا الرجل أن كسب معارك كثيرة ضد الحكومة، خاصة عندما رفض مدوّنة الأحوال الشخصية لأنها في رأيه تعارض الشريعة الإسلامية، وكذلك حين رفض إدراج الثقافة الجنسية في المناهج التربوية، وسن قانون للمثلية، فأرغم الدولة على التراجع حين حرّك الشارع ضدها.
وهكذا، مع تزايد نفوذه، عرض الإمام ديكو مقاربة مقترحة لحل الأزمة الأمنية والاجتماعية في مالي، تقوم على مبدئين أساسيين: إنهاء الوجود العسكري الأجنبي، والدخول في حوار مع الجماعات الإرهابية. وبدأت هذه المقاربة حقاً تنال دعم الشارع، في ظل تزايد الرفض الشعبي للتدخل العسكري الأجنبي، الذي يعتقد عدد كبير من الماليين أنه فشل في كسب الحرب ضد الإرهاب.
يعتقد ولد السالك أن الإمام ديكو استفاد من «شعبيته الكبيرة، وعلاقاته القوية ببعض المؤثرين دينياً واجتماعياً، كشريف نيورو، الذي يعتبره معلمه... وكثيراً ما جمعتهما مع غيرهما مواقف مشتركة من نظام كيتا، كانت في مرحلة من المراحل مساندة له، ثم تحوّلت إلى معارضة له». بيد أن ولد السالك يشدد على أنه من الخطأ الظن أن الحضور المتزايد للأئمة دليل على ضعف الطبقة السياسية، مشيراً إلى أن «الحضور الطاغي للأئمة والعلماء في السياسة بمنطقة غرب أفريقيا، حيث الغالبية المسلمة، لا يعني بالضرورة فشل الطبقة السياسية، بقدر ما يتعلق الأمر بطريقة البنية الثقافية والاجتماعية لشعوب المنطقة، ومكانة الدين وأصحابه عندهم».
- أخطاء كيتا
وصل إبراهيم بابكر كيتا إلى الحكم في انتخابات رئاسية عام 2013، نظمت إبّان الحرب ضد الجماعات الإرهابية في شمال مالي. وكان الرهان الأكبر أمامه هو استعادة الأمن والاستقرار في مناطق واسعة من البلاد، بالإضافة إلى إنعاش الاقتصاد المنهك، والخروج من الأزمة السياسية التي أحدها الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي عام 2012.
غير أن كيتا، الذي أخفق في كل هذه الرهانات، ظل رغم كل ذلك ممسكاً بخيوط المعادلة السياسية، ففاز بالانتخابات الرئاسية عام 2018، ليخلف نفسه في فترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات. لكنه واجه فيها حتى الآن الرهانات السابقة نفسها، ولكن مع مشاكل جديدة تهدد الوحدة الوطنية في ظل الاقتتال العرقي وتفكك الجبهة الداخلية.
عودة إلى الباحث محفوظ ولد السالك، الذي يعتقد أن «الخطأ الأكبر الذي ارتكبه كيتا هو أنه في محاولته خلال العامين الماضيين لمعالجة الأزمات، لم يشرك المعارضة والمجتمع المدني والمؤسسة الدينية، وهذا بالإضافة إلى أنه لم ينفذ النتائج التي أسفر عنها حوار وطني قدم مقترحات لتوحيد الجبهة الوطنية الداخلية».
ويضيف الباحث «لقد اعتبر كيتا أن النظام وحده المسؤول عن ذلك، فتصرف بأحادية، متجاهلاً أن إدارة الملفات ذات المصير المشترك، تستدعي إشراك الجميع سعيا للإجماع، ووضع للجميع كذلك أمام مسؤولياتهم»، خاصة، أنه عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي حسمها في الشوط الثاني - وبشق الأنفس - أمام زعيم المعارضة سوميلا سيسي، رفض تشكيل «حكومة وحدة وطنية» تشارك فيها المعارضة. ويعتقد ولد السالك أن كيتا، الآن بعدما تأزم الوضع، «بدأ يعي ضرورة التشارك في القرار والتسيير، وأهمية التشاور مع الجميع، لكن إدراكه جاء متأخراً. قد يجدي ذلك، لكن بصعوبة وبتقديم تنازلات كبيرة... فهو بات في موقف ضعف؛ لأن الشارع ضده والأزمات تحاصره. وبالتالي سيضطر إلى الانحناء كثيراً حتى تمر العاصفة بأقل الخسائر».
- لا مؤشرات لمرور العاصفة
في غضون ذلك، لا يبدو أن العاصفة توشك على أن تنتهي؛ ذلك بسبب غياب أرضية مشتركة بين طرفي الأزمة. فالمعارضة مطلبها الوحيد «استقالة الرئيس»، وهي مستعدة بعد ذلك لمناقشة كل التسويات الممكنة. وفي المقابل، يعرب كيتا عن استعداده للمساهمة في جميع التسويات باستثناء أي تسوية تتضمن استقالته، وأمام هذه الوضعية يصعب التوفيق بين الموقفين.
وهكذا، أمام تفاقم الأزمة وفشل محاولات كيتا في إقناع خصومه بالامتناع عن النزول إلى الشارع، والدخول معه في «حكومة وحدة وطنية»، دخلت على الخط «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس) التي تضم 15 بلداً من ضمنها مالي. وبدأت «المجموعة» وساطة بين أطراف الأزمة قادها رئيس نيجيريا السابق غودلاك جوناثان، بيد أنه سرعان ما فشل في المهمة في أعقاب رفض المعارضة مقترحاته للخروج من الأزمة.
مع هذا، لم تستسلم مجموعة «إيكواس»، بل أرسلت وفداً رفيعاً يضم رؤساء خمس دول، هي: النيجر، والسنغال، ونيجيريا، وكوت ديفوار، وغانا، أمضوا ساعات عدة في العاصمة باماكو، التقوا خلالها بالرئيس كيتا وبقادة المعارضة، بمن فيهم الإمام محمود ديكو. ولكن الأخير خرج من اللقاء ليعلن فشل الوساطة؛ لأن قادة دول «إيكواس» يحاولون حماية كيتا ويسعون لفرض قرارات على الشعب المالي.
وحول هذه النقطة، يعتقد ولد السالك أن «إيكواس» بدأت مقاربتها لحل الأزمة في مالي انطلاقاً من كونها «أزمة سياسية بحتة»، لكن المعارضة رفضت ذلك معتبرة أن «حصر الأزمة في الجانب السياسي خطأ». وعلى الأثر، حاولت دول «إيكواس» معالجة هذا النقص خلال قمة استثنائية الاثنين الماضي، أسفرت عن مقترحات تتضمن «إلغاء انتخاب 31 نائباً من نواب الغالبية بينهم رئيس البرلمان، بسبب النزاع الانتخابي القائم بشأنهم، كما دعت لتشكيل «حكومة وحدة وطنية»، وإعادة تشكيل أعضاء المحكمة الدستورية، وهدّدت بمعاقبة الرافضين للخطة، لكن لغة التهديد قد لا يكون لها كبير وقع»، وفق تعبير ولد السالك.
ومن جديد رفضت المعارضة مقترحات دول «إيكواس»؛ وذلك لسبب بسيط، وهو أنها تبقي على كيتا في السلطة. لكن، مع هذا يعتقد ولد السالك أن وساطة دول غرب أفريقيا لم تفشل بعد، مستطرداً «أعتقد أنها قد تنجح إذا اقتنع زعيم الحراك الإمام محمود ديكو، بجدية النظام في تجاوز الأزمة، وإشراك قادة الحراك في الحكومة، وإعادة تنظيم انتخابات تشريعية جزئية». ولكنه يرى، في الوقت نفسه، أن «سيناريوهات» أخرى قد تبرز في حال فشلت الوساطة الغرب أفريقية؛ إذ «قد يعمد كيتا وأنصاره في الموالاة، على إحداث شرخٍ كبير داخل صفوف الحراك المعارض، فينقسم إلى مؤيد للاحتجاج ومعارض له، وهو ما سيحدّ من حجم تأثيره». ويشير إلى أنه سبق أن ظهرت بوادر ذلك قبل فترة، إلا أن فشل تفكيك الحراك من الداخل سيقلص كثيراً الخيارات أمام الرئيس كيتا.
- السيناريو المالي... ودول الجوار
> يعتقد مراقبون أنه إذا نجح الشارع في مالي بإرغام الرئيس إبراهيم بابكر كيتا على الاستقالة؛ فإن العدوى ستنتقل إلى دول أخرى في شبه المنطقة. ثم إنه في حال استقال فلن تكون تلك المرة الأولى التي يرغم فيها الشارع إحدى دول غرب أفريقيا رئيسها على الاستقالة؛ إذ حدث ذلك عام 2015 في بوركينا فاسو، عندما غادر الرئيس بليز كومباوري الحكم على وقع احتجاجات شعبية غاضبة.
لكن «انتقال العدوى» إلى دول غرب أفريقيا، وفق الباحث محفوظ ولد السالك، «سيدشن عهداً جديداً من انعدام الاستقرار السياسي في المنطقة، يُضاف إلى الاضطراب الأمني، وستكون النتائج بلا شك وخيمة. ويشير إلى أنه، في أي حال، فرنسا تبقى هي اللاعب القوي في المنطقة، «ولن تكون خارج اللعبة، فما تريده باريس سيكون حاضراً بقوة على الأجندات. هذه مستعمراتها السابقة، وفيها توجد قواتها لمحاربة الإرهاب... وبالتالي، لن تغيب عن المشهد وإن لم تحضر بشكل مباشر، لكن المخرج النهائي سيكون مخرجها، وتصورها هو المأخوذ به».
- الدور الدولي... وأولوية مكافحة «القاعدة» و«داعش»
> على الرغم من أن الوساطة في أزمة مالي كانت إقليمية، فإن المجموعة الدولية تتابع الأزمة عن كثب. إذ إن مالي تعد منذ سنوات ساحة لمعركة طاحنة ضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وأي انفجار فيها كان سيقود إلى انفجار الوضع في منطقة غرب أفريقيا عموماً، وبالتالي فكل ما يجري فيها يحظى باهتمام كبير.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أعربا عن دعم المقاربة التي قدمتها دول غرب أفريقيا لحل الأزمة، والشيء نفسه ينطبق على اهتمامات فرنسا والاتحاد الأوروبي. وحدها «مجموعة دول الساحل الخمس» لم تعلق على ما يجري، مع أن مالي دولة عضو في المجموعة، وهي الدول الأكثر قرباً مما يجري في مالي، وتأثراً به.
وتعليقاً على صمت دول الساحل، يقول الباحث محفوظ ولد السالك «ربما نشهد وساطة لدول الخمس في الساحل في قادم الأيام، إذا لم تنجح وساطة إيكواس»، مشيراً إلى أن دور يمكن أن يلعبه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «أولاً، لكونه يرأس مجموعة الخمس في الساحل، ومالي عضو فاعل فيها، وثانياً لكون موريتانيا تتأثر سلباً وإيجاباً بما يقع في مالي، وكانت لها في السابق أدوار وساطة بين الأطراف المالية».
وبالفعل، تبدو الوساطة الموريتانية منطقية بالنسبة لكثير من المحللين، خاصة مع الحضور القوي للأئمة والفقهاء في الأزمة المالية. ثم إن معظم هؤلاء الأئمة بمن فيهم الإمام محمود ديكو، تلقوا تعليمهم في المعاهد الموريتانية، ويكنون احتراماً وتقديراً كبيراً للموريتانيين، وهذا بالإضافة إلى علاقات اجتماعية وروحية وثقافية قوية تربط الموريتانيين والماليين.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.