«كورونا» يتمدد إسبانياً... و«الصحة العالمية» تتوقع ظهور بؤر أوروبية جديدة

{لا بديل} عن التعايش مع الفيروس... ومدريد تتراجع عن إصدار «جواز صحي»

أصبح ارتداء الكمامات إلزامياً في كل الأماكن العامة بمدريد أمس (رويترز)
أصبح ارتداء الكمامات إلزامياً في كل الأماكن العامة بمدريد أمس (رويترز)
TT

«كورونا» يتمدد إسبانياً... و«الصحة العالمية» تتوقع ظهور بؤر أوروبية جديدة

أصبح ارتداء الكمامات إلزامياً في كل الأماكن العامة بمدريد أمس (رويترز)
أصبح ارتداء الكمامات إلزامياً في كل الأماكن العامة بمدريد أمس (رويترز)

«الفيروس لا يهادن، ولا خيار لنا سوى اليقظة والالتزام الصارم بتدابير التباعد والوقاية». هذا كان عنوان الرسالة التي وجهها أمس وزير الصحة الإسباني إلى مواطنيه، بعد أن بلغ عدد الإصابات الجديدة بـ«كوفيد - 19» يوم الأربعاء 1153، وهو الأعلى منذ مطلع شهر مايو (أيار) الماضي عندما كانت إسبانيا لا تزال تحت العزل التام.
ويأتي هذا التطور في الوقت الذي يتّسع فيه «الحصار» الأوروبي حول إسبانيا، بعد أن نصحت دول عدة رعاياها بتحاشي السفر إلى بعض الأقاليم الإسبانية التي تسجّل ارتفاعاً في معدّل انتشار الوباء منذ أسابيع وبدأت تفرض تدابير العزل الجزئي لاحتوائه، وفيما ما زالت أقاليم آراغون وكاتالونيا ومدريد تستقطب ثلاثة أرباع الإصابات الجديدة، تراقب السلطات الصحية بقلق شديد التطورات التي شهدتها العاصمة منذ بداية الأسبوع الماضي حيث ارتفعت الإصابات الجديدة بنسبة 413 في المائة، ما دعا الحكومة الإقليمية إلى فرض تدابير وقائية مشدّدة والتلويح بالعودة إلى العزل إذا لم يتحسن الوضع في الأيام المقبلة.
ومع عودة الإصابات إلى الارتفاع في فرنسا وألمانيا وبلجيكا التي عمدت سلطاتها الصحية إلى تشديد تدابير الوقاية، وبعد تزايد انتشار الوباء في جميع الأقاليم الإسبانية تقريباً منذ أواخر الشهر الماضي، قال رئيس جمعية الطب الوقائي رافايل لوكاس، إنه «من الواضح أننا دخلنا في المرحلة الثانية من الوباء، لكن لا نعرف بعد مدى اتساعها وخطورتها».
السلطات الصحية من جهتها تقول إن الوضع الراهن، رغم خطورته واحتمالات تفاقمه في حال عدم الالتزام بتدابير الوقاية، ليس أسوأ مما كان عليه في المرحلة الأولى، لأن القدرات التشخيصية اليوم تتجاوز بكثير تلك التي كانت متوفرة في السابق حيث كانت تُجرى الفحوصات لنصف الذين تظهر عليهم عوارض المرض وكانت نسبة الإصابات تقارب 7 في المائة، بينما اليوم يخضع لها 95 في المائة من الذين يحملون أعراضا ولا تتجاوز نسبة الإصابات 1.2 في المائة، مما يدلّ على أن نسبة الانتشار قد تراجعت بشكل ملحوظ كما يقول فرناندو سيمون، مدير مركز تنسيق حالات الطوارئ.
لكن ما يقلق السلطات الصحية الإسبانية في الوضع الراهن هو الارتفاع الملحوظ في الإصابات بين الشباب، حيث تراجع المتوسط العمري للمصابين من 60 سنة في المرحلة الأولى إلى 40 سنة في هذه المرحلة. ويرجّح الخبراء أن يكون السبب في ذلك هو أن المسنّين اليوم يلتزمون تدابير الحماية والوقاية أكثر من السابق، وأيضاً لأن ازدياد نسبة الفحوصات أدّى إلى كشف حالات كثيرة لا تظهر عليها أعراض ولم تكن تدخل في الإحصاءات السابقة.
وفيما بدأت السلطات الإقليمية في كاتالونيا برفع تدابير العزل بصورة تدريجية، حذّرت وزارة الصحة من مغبّة التسرّع والتراخي المبكّر، مذكّرة بالوضع في إقليم آراغون المجاور لكاتالونيا، حيث عاد المشهد الوبائي والصحي إلى ما كان عليه عشيّة المرحلة الأولى. وأعلنت السلطات الصحية حالة الطوارئ في مستشفيات الإقليم، وطلبت من الممرضين والأطباء قطع إجازاتهم أو تأجيلها، والالتحاق بمراكز العمل مقابل تعويضات مالية، كما أعلنت أنها ستسمح بعودة المتقاعدين دون ٧٠ عاماً إلى الخدمة الفعلية.
ومع الازدياد في عدد البؤر والإصابات الجديدة مؤخراً في مدريد التي كانت الأكثر تعرّضاً للوباء في المرحلة الأولى، سارعت السلطات إلى تعزيز خدمات الفحص والتعقّب، وفتحت الباب للتعاقد مع موظفي البلديات والمتطوعين بعد تشديدها تدابير الوقاية وإجراءات التباعد وفرض مواعيد جديدة مختصرة لأماكن الترفيه الليلية. وتوقّف الخبراء أمس بقلق كبير عند المعلومات التي أفادت بأن الإصابات بين المراهقين تضاعفت ثماني مرات في الأسبوعين المنصرمين، ما يزيد من احتمالات التفشّي على نطاق واسع في محيطهم. وكانت الحكومة الإقليمية في مدريد قد تراجعت أمس عن قرارها بإصدار «جواز صحي» للمتعافين من الوباء، بعد الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها الخطوة بسبب عدم فاعليتها وما تثيره من تعقيدات قانونية.
- ترجيح ظهور بؤر جديدة
ومن جنيف، قالت منظمة الصحة العالمية إن «الوضع في إسبانيا يقتضي المراقبة والحذر، لكنه ليس خارج السيطرة». وأثنت على التدابير التي تتخذها السلطات المركزية والإقليمية، مشددة على أهمية الالتزام الصارم جميع تدابير الاحتواء والوقاية، ودعت إلى تعزيز قدرات التعقّب التي لا غنى عنها لمعرفة الوضع الحقيقي لانتشار الوباء. وفي جولة تقييمية للوباء بعد ستة أشهر من انتشاره، قالت مديرة قسم الصحة العامة والبيئة في المنظمة ماريّا نييرا: «من الواضح أن (كوفيد - 19) سينضم إلى قافلة الأمراض السارية التي لا بد من التعايش معها. لا بد من السيطرة عليه قدر الإمكان.
وعن توقعاتها بشأن اللقاح، قالت نييرا: «لا أعتقد أن اللقاح سيكون جاهزاً قبل أواسط العام المقبل لتوزيعه على نطاق واسع. لم يحصل في تاريخ البشرية أن شهدنا مثل هذا السباق المحموم والموارد الضخمة والتعاون العلمي والضغوط السياسية والشعبية لتطوير اللقاح. لكن لنتذكّر أن العالم كان تحت ضغط كبير أيضاً لتطوير لقاح ضد فيروس (الإيدز)، وحتى الآن لم نتمكّن من تطويره».
ورأت نييرا أن خطورة قرار الإدارة الأميركية الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، الذي لن تبدأ مفاعيله قبل العام المقبل، ليست اقتصادية بقدر ما هي ضربة قاسية يمكن أن يتعرّض لها التعاون الدولي في مجال الصحة. وقالت: «لا أريد أن أتخيّل انسحاب بلد مثل الولايات المتحدة من التعاون في مجال الصحة العامة على الصعيد الدولي. كلنا نحتاج إلى بعضنا البعض في هذا المجال». الوضع الوبائي في القارة الأميركية ما زال مبعث القلق الرئيسي بالنسبة لمنظمة الصحة، إضافة إلى أفريقيا والهند التي ليس واضحاً بعد مسار الوباء فيها. وفي أوروبا، تتوقع نييرا أن تستمرّ البؤر الجديدة في الظهور، «لكن المهم هو أن تكون الدول وأجهزتها الصحية على استعداد لمواجهتها».
وعن القيود التي تفرضها الدول على الوافدين من الخارج، تقول نييرا إنه «من الأفضل وضع استراتيجية مشتركة كما لو كنا منطقة واحدة، لأن الوباء هكذا ينظر إلينا».


مقالات ذات صلة

الصحة العالمية: نزوح مليون شخص منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا

المشرق العربي سوريون ينتظرون في طابور للعبور إلى سوريا من تركيا في منطقة ريحانلي في هاتاي بتركيا في 10 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

الصحة العالمية: نزوح مليون شخص منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا

قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الثلاثاء، إن نحو مليون شخص نزحوا منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أن قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مصر تستعرض تجربتها في علاج الوافدين من «فيروس سي» خلال ورشة عمل بالتعاون مع المركز الأوروبي لعلاج الأمراض والأوبئة (وزارة الصحة المصرية)

مصر تعالج الوافدين ضمن مبادرات قومية رغم «ضغوط» إقامتهم

لم تمنع الضغوط والأعباء المادية الكبيرة التي تتكلفها مصر جراء استضافة ملايين الوافدين، من علاج الآلاف منهم من «فيروس سي»، ضمن مبادرة رئاسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».