«الاسترخاء المبكر» قد يعيد العالم إلى «المربع صفر» في مواجهة «كورونا»

أشخاص يضعون أقنعة واقية في نيويورك (أ.ب)
أشخاص يضعون أقنعة واقية في نيويورك (أ.ب)
TT

«الاسترخاء المبكر» قد يعيد العالم إلى «المربع صفر» في مواجهة «كورونا»

أشخاص يضعون أقنعة واقية في نيويورك (أ.ب)
أشخاص يضعون أقنعة واقية في نيويورك (أ.ب)

هناك 3 مبررات قد تدفع إلى التراخي في مواجهة فيروس «كورونا» المستجد، المسبب لمرض «كوفيد-19»: أولها أن يكون قد تم التوصل لعلاج للمرض، وليس مجرد تخفيف الأعراض، وهي الأدوية التي تُستخدم الآن؛ أو أن تكون هناك مناعة مجتمعية تشكلت بعد إصابة أعداد كبيرة بالفيروس وشفائها منه؛ وأخيراً أن يكون هناك لقاح يسبب تلك المناعة المجتمعية دون الإصابة بالفيروس.
ورغم أن أياً من هذه المبررات لم يتحقق حتى الآن، فإن تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي التي بدأت تمارسها بعض الدول قد يؤدي إلى عدد كبير من الإصابات، قدرت دراسة أميركية أنها يمكن أن تعيد العالم إلى «المربع صفر» في معركته مع وباء «كورونا».
ورغم أن الدراسة التي أجرتها جامعة كاليفورنيا، ونُشرت في العدد الأخير من دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم»، كانت تتتبع مستويات الإصابة في ولايات أميركية، فإن نتيجتها صالحة للتطبيق في دول أخرى، حيث ذهبت إلى أن عدد الإصابات الناتجة عن الاسترخاء في المواجهة يمكن أن يكون تقريباً كما لو لم يتم تنفيذ أي إجراءات للتباعد الاجتماعي.
وقارن الباحثون نتائج 3 نماذج رياضية ذات صلة بانتقال المرض، واستخدموها لتحليل البيانات الناشئة من الحكومات المحلية والوطنية، بما في ذلك واحدة تقيس رقم التكاثر الديناميكي، متوسط عدد الأشخاص المعرضين للإصابة من قبل شخص مصاب سابقاً، وأظهرت جميع النماذج مخاطر الاسترخاء في تدابير الصحة العامة في وقت قريب جداً.
ويحدد رقم التكاثر عدد الأشخاص الذين سيصابون بالفيروس من شخص مصاب به بالفعل، ويجب أن يكون هذا الرقم أقل من 1. وهذا يعني أن كل شخص ينقل العدوى إلى أقل من شخص آخر، مما يؤدي في النهاية إلى إصابة عدد أقل من الناس، في المقابل، تمثل قيمة أكبر من 1 انتشاراً متزايداً.
ووجد الباحثون أن انخفاضاً بنسبة 50 في المائة في زيارات الشركات يرتبط بانخفاض بنسبة 46 في المائة في رقم التكاثر، في حين يرتبط انخفاض بنسبة 75 في المائة في زيارات الشركات غير الأساسية بانخفاض بنسبة 60 في المائة.
وتقول أندريا برتوزي، أستاذة الرياضيات في جامعة كاليفورنيا الباحث الرئيسي في الدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة يوم 24 يوليو (تموز) الحالي، إن «الجهود التي بُذلت منذ ظهور الوباء، والتي يبدو أنها نجحت على المدى القصير، قد يكون لها تأثير ضئيل على العدد الإجمالي للإصابات المتوقعة على مدار الوباء مع تخفيف التدابير، حيث توضح نماذجنا الرياضية أن تخفيفها في غياب التدخلات العلاجية من دواء ومصل قد يسمح للوباء بالظهور مجدداً لأن الوقاية في غياب هذه الأشياء تأتي عن طريق تقليل الاتصال مع الآخرين، ويمكن القيام بذلك باستخدام معدات الوقاية الشخصية، وكذلك الابتعاد البدني».
وتم اتخاذ إجراءات تباعد بدني في مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، ولولا هذه الإجراءات كان من المحتمل جداً أن يكون عدد المصابين في كاليفورنيا ونيويورك وأماكن أخرى أعلى بكثير، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على المستشفيات.
لكن برتوزي ذهبت إلى أن العدد الإجمالي للإصابات المتوقعة إذا انتهت هذه الاحتياطات في وقت قريب جداً سيكون مماثل للعدد المتوقع خلال فترة الوباء دون اتخاذ هذه الإجراءات. وتشدد على أن النمذجة الرياضية وتوقع انتشار المرض أمر بالغ الأهمية لسياسة الصحة العامة الفعالة، مشيرة إلى أن صناع السياسة الذين يرغبون في الاسترخاء بالمواجهة، في محاولة لإنعاش اقتصاداتهم، بحاجة إلى توخي الحذر، إذ تتنبأ الدراسة بحدوث طفرة في الحالات في كاليفورنيا بعد تخفيف إجراءات التباعد.
ودعت برتوزي إلى استراتيجيات بديلة تسمح للاقتصاد بالارتفاع من دون إصابات جديدة كبيرة، وتشمل هذه الاستراتيجيات جميعها استخداماً كبيراً لمعدات الحماية الشخصية وزيادة الاختبارات.
وتتفق نتائج هذه الدراسة مع ما ذهبت إليه دراسة أميركية أخرى، نُشرت في 2007 بالدورية نفسها التي نشرت الدراسة الحالية، حيث نظرت الدراسة القديمة في حال كثير من المدن الأميركية خلال جائحة الإنفلونزا في 1918. ووقتها تم تنفيذ التباعد الاجتماعي لأول مرة، ثم تم تخفيفه في بعض المناطق، ونظرت الدراسة في حال كثير من المدن الأميركية التي شهدت موجة ثانية من الإصابات بعد إزالة تدابير الصحة العامة في وقت مبكر جداً.
ووجدت هذه الدراسة أن توقيت تدخلات الصحة العامة كان له تأثير عميق على نمط الموجة الثانية من جائحة عام 1918 في مدن مختلفة.
وحققت المدن التي أدخلت تدابير في وقت مبكر من الوباء انخفاضات كبيرة في الوفيات، وتم تحقيق تخفيضات أكبر في ذروة الوفيات من قبل تلك المدن التي مددت تدابير الصحة العامة لفترة أطول.
وعلى سبيل المثال، كان لكل من سان فرانسيسكو وسانت لويس وميلووكي وكانساس سيتي التدخلات الأكثر فاعلية، حيث خفضت معدلات العدوى بنسبة 30 إلى 50 في المائة.
وتقول برتوزي عن دراسة عام 2007: «تمكن الباحثان مارتن بوتسما ونيل فيرغوسون من تحليل فاعلية إجراءات التباعد بمقارنة البيانات، مع تقدير لما كان يمكن أن يحدث لو لم يتم تطبيق إجراءات التباعد، فقد درسوا بيانات من الوباء الكامل، بينما تناولنا في دراستنا مسألة نماذج ملائمة للبيانات المبكرة لهذا الوباء». وتضيف: «خلال وباء إنفلونزا عام 1918، أدى التخفيف المبكر لإجراءات التباعد الاجتماعي إلى ارتفاع سريع في الوفيات في بعض المدن الأميركية، وتساعد نماذجنا الرياضية في تفسير سبب حدوث هذا التأثير اليوم».
الرسالة التي تضمنتها الدراسة رددها الدكتور محمد عز العرب، استشاري الباطنة في المعهد القومي للكبد بمصر، الذي حذر من أن التراخي هو الخطر الأكبر الذي يهدد معركة العالم مع الوباء.
وقال عز العرب لـ«الشرق الأوسط»: «في مصر مثلاً، بدأنا نشهد بشكل ملحوظ تراخي تطبيق الإجراءات الاحترازية مع العودة التدريجية للحياة، وهذا من شأنه أن ينذر بخطر كبير لأن الفيروس لم ينتهِ بعد». وأضاف: «نحن أمام فيروس لا يزل غامضاً، ولا يزال موجوداً بيننا، وتوجد حالات وفاة وإصابة، ومن ثم فإنه لا يوجد أي مبرر للتراخي».


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
TT

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية مقابل نشر محتوى هذه المؤسسات.

وقال ستيفن جونز، مساعد وزير الخزانة، وميشيل رولاند وزيرة الاتصالات، إنه سيتم فرض الضريبة اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني)، على الشركات التي تحقق إيرادات تزيد على 250 مليون دولار أسترالي (160 مليون دولار أميركي) سنوياً من السوق الأسترالية.

وتضم قائمة الشركات المستهدفة بالضريبة الجديدة «ميتا» مالكة منصات «فيسبوك»، و«واتساب» و«إنستغرام»، و«ألفابيت» مالكة شركة «غوغل»، وبايت دانس مالكة منصة «تيك توك». وستعوض هذه الضريبة الأموال التي لن تدفعها المنصات إلى وسائل الإعلام الأسترالية، في حين لم يتضح حتى الآن معدل الضريبة المنتظَرة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وقال جونز للصحافيين إن «الهدف الحقيقي ليس جمع الأموال... نتمنى ألا نحصل عائدات. الهدف الحقيقي هو التشجيع على عقد اتفاقيات بين المنصات ومؤسسات الإعلام في أستراليا».

جاءت هذه الخطوة بعد إعلان «ميتا» عدم تجديد الاتفاقات التي عقدتها لمدة3 سنوات مع المؤسسات الإعلامية الأسترالية لدفع مقابل المحتوى الخاص بهذه المؤسسات.

كانت الحكومة الأسترالية السابقة قد أصدرت قانوناً في عام 2021 باسم «قانون تفاوض وسائل الإعلام الجديدة» يجبر شركات التكنولوجيا العملاقة على عقد اتفاقيات تقاسم الإيرادات مع شركات الإعلام الأسترالية وإلا تواجه غرامة تبلغ 10 في المائة من إجمالي إيراداتها في أستراليا.