الشعر على طاولة الطفولة

البهاء حسين يستدعيها في ديوانه «يمشي كأنه يتذكر»

الشعر على طاولة الطفولة
TT

الشعر على طاولة الطفولة

الشعر على طاولة الطفولة

يضع الشاعر البهاء حسين الشعر على طاولة الطفولة في ديوانه «يمشي كأنه يتذكر» الصادر حديثا عن الهيئة المصرية للكتاب، مستعيدا صورة العائلة والجدة والبئر الأولى وذكريات الصبا ومفارقات عالم القربة، والملامسات البكر الغضة للعناصر والأشياء، ويسعى في إطار علاقة حميمة بين المشي والتذكر، إلى استدراج تلك الطفولة إلى حد التعرية والانتهاك لكل تفاصيلها ومسراتها وآلامها وأسرارها.
وعبر أحد عشر نصا يضمها الديوان تومض حالة من الجدل الشفيف بين «المشي»، كفعل واضح ومحدد، وبين التذكر، كفعل غائم، متأرجح في قبضة التشبيه بين الشك واليقين، يراوح طفولة قروية قاحلة، فقيرة في نسيجها الاجتماعي والإنساني، قابعة في سقف الذكريات والأحلام، لا تشد العين أبعد من حواف المشهد والصورة، تتراءى في بعض النصوص كلعنة تطاردها الذات بقسوة أحيانا، وتتباهى بأنها عاشتها بشغف وحب رغم العتمة وضجر العيش، وأحيانا أخرى تحولها إلى مرثية حارقة لماض امتزجت فيه براءة اللعب بالعنف واللامبالاة والإحساس بالفقد والحرمان.
تبلغ القسوة مداها في صورة الجدة، قرينة البئر، وخازنة أسرار العائلة، حيث تبدو كأنها مجرد سلة للبكاء وتسول الصدقات، مجرد علامة على جرح يجب انتهاكه، والتبرؤ منه:
«أقول: يا جدتي
لا تبكي فوق البئر
كي لا تَمسك
فيرن صوتي
في القاع
ويرتد لي، متشنجا أكثر
لم يكن لخبز الصدقات طعمُ
لكن رائحته كانت تسوقها من بيت إلى بيت
وأنا كان علي أن أخرجها
كل يوم
من حفرة».
تتصدر صورة الجدة الديوان، في نص طويل بعنوان «جدة»، تعمد الشاعر أن يأتي هكذا في شكل «نكرة» مبهمة وغائمة، مجردة من وقار التعريف والشعور بالولاء والعرفان، ما يعني أننا أمام «جدة/ أي جدة» معلقة في إطار بارد لا معنى له، سوى الاحتفاظ بالصورة كفراغ رخو، لتنشيط حاسة التذكر، واصطياد مفارقات هشة، يجسدها النص بهشاشة أكثر سذاجة، بل يقع في تناقض حاد بين التنكير في العنوان وما يدور داخل النص، حيث تبدو صورة الجدة إفرازا لحياة، احتمت بضعفها وصانتها، حتى وهي تتسول رائحة الخبز من غبار الصدقات، وهي تصون بعماها البئر، تؤنسها بدموعها، ليظل شيء يرن في الأعماق:
«من بعيد
مغمضا عيني
أخمن قامتها النحيلة
الصرة فوق رأسها
وأنكمش في نفسي
وسط أصحابي
وكلما اقتربتْ
توسلتُ للطريق أن ينشق
أو تهب ريح
،،
لم تكن تفعل شيئا غير الشحاذة والبكاء
لطالما نهرتها أمي
أنا وإخوتي
وأحيانا كنت أضربها بالعصا
فتتقلص في قامتها
مثل دودة
كأنها تستغيث بالجيران».
تمتد حبال الذاكرة في الديوان، وتشكل آلية الاستنهاض حافزا لاستعادة أشياء مضت، وأخرى قد تأتي، تستنهض الموت والحب والحلم والجمال الهارب، وتقلص المسافة بين الذات وموضوعها، إلى حد الالتصاق أحيانا. كما تفجر حوارا بينهما، كأنهما طرفان في معادلة وجود معطل ومهمش، تحت ظلال الماضي والحاضر معا؛ وهو ما يبرز على نحو لافت، في قصيدتي «رجل يكلم شرفته بحرقة» و«أسند ذاكرتي بعكازك». في الأولى يختلط هاجس الموت المباغت بفضاء حب مفقود، وتكشف العلاقة عن فجوة في الروح والجسد والزمن، تتحول إلى ذكرى حارقة، لا تملك الذات حيالها سوى استعادتها في شكل لقطات متقطعة، تحاول من خلالها أن تكمل فراغ الصورة والبحث عن إطار لها داخل النص، صورة الماضي الذي تحول إلى ذكرى، ولا يزال يناوش الحلم والقلب والشعر... وهو ما يطالعنا على هذا النحو في القصيدة:
«أسألُ عن سنواتكِ الخمسين،
لماذا تركتها عهدة في ذمتي
هي وألبومك الأبيض
لعلكِ تريدينَ منى أن أجوبَ ملامحكِ الحزينة
أن أعدل هيئتكِ في اللقطاتِ التي لا تعجبك
أن أحرسَك من الكرمشة التي بدأتْ تتسربُ إلى صورك
ربما تريدينَ مني تحديثَ ابتسامتكِ التي أجبرتك عليها الفلاشات
في حفل الزفاف
ربما أردتني أن أبعدَ أطفالكِ عن حافة البراويز
مخافة أن يسقطوا منها.
أو أن أصب اللبنَ لـقطتك الصغيرة «مريم»
في الوعاء الفارغ بالصورة
وربما تريدين أن تنامي على جنبك الآخر
من يعلمُ، يا أخت روحي
فيمَ يفكر الموتى؟».
في القصيدة الثانية، يختلط هاجس الشعر بالمرض، وتطل أسئلة المصير، بحثا عن حكمة ضالة، في فراغ الأيام والذكريات، تستند عليها الحبيبة لمواجهة محنتها الخاصة، كما تتحصن بها الذات الشاعرة لمواجهة مخاوف الأعداء والأصدقاء، الذين أصبحوا وجهين لعملة واحدة، تتسع وتتعقد في شره الأضداد المقيتة، ولا تملك الذات سوى صرخة فاترة، مشوبة بمسحة من السخرية واللامبالاة والبحث عن أسباب عبثية لتبرير التواطؤ والإذعان للأمر الواقع:
«لا بد من عاهة
أو عداوة
كي لا تُسرف في الكسل
الأعداء ضروريون كالملح
ضرورة أن تفتح النوافذ
بلا تذمر من التراب
بلا رغبة حتى في أن تكنس البيت».
بيد أن المشهد يصعد دراميا، في نهاية النص، بقوة اليأس والأمل معا، اليأس من خراب العالم، والأمل في ألا تفقد الحياة ألفتها وقدرتها على إشاعة المحبة ببساطة وتلقائية عبر أشياء صغيرة، وإشارات عادية وخاطفة، تمنح وعاء الرغبة شهوة السؤال وتوق الحرية، وتحول الحب إلى عكاز للحلم والذاكرة... هكذا يبلغ النص لطشته الختامية:
«تصبحين على خير
سأغلق الباب
عائدا إلى البيت
أحصي التنهدات
سأحكي لنفسي عن المستقبل
كأنه أرضُ ميعادٍ
عن جسدي
كأنه رغيف خبز
عن الأشخاص الذين يتعاركون بداخلي
كأنهم أصدقاءٌ مختلفون في الرأي
عنكِ
كأنك عكاز يسندني كلما أردتُ أن أتذكر».
تبرز شعرية الانتهاك في التراسل مع بعض ألاعيب ومشاهد الطفولة، مشكلة خطوطها ومداراتها، في لغة شعرية بسيطة مسكونة بالوضوح إلى حد المباشرة، تكره أن تتخفى الأشياء في عريها، أو يشوبها مسحة من الغموض، تحرض على النفاذ إلى ما هو أبعد من المرئي المبتذل المألوف، يطالعنا هذا في نص بعنوان «محنة كل يد»... فاليد هي شاهد قبر وعلامة على العجز، وهي صياد الملامسات الحسية العابرة، وهي قرينة الضعف والخوف، عجزت عن الدفاع عن صورة الأم، وصارت غريبة لا تسد عورة الجسد: «أنا لست بريئاً من يدي، رغم أنها لم تدافع عن أمي حين ضربها ابن عمي، ومرمط بها الأرض»، وهي اليد نفسها التي تصطنع العجز والمرض والعاهات، لتمتهن التسول والشحاذة، ويصبح العكاز رمزا للتحايل على حياة عطبت، لم يعد أمامها سوى أن تتلصص على الموت، وتتطفل عليه، كأنه لعبة في يد الزمن، بل تنتهك حرمته في صورة الأخت التي باغتها فجأة:
«يا أختي
يا أم طفولتي
لماذا تركتِ يدكِ
مقطوعة إلى جوارك
في الشارع:
هل كنتِ مضطرة
أم أن يدكِ أرادت أن تتطفل على الموت
أن تغير هيئتها».
لكن هذه اليد، رغم تنوع رمزيتها ليست صانعة الحضارة والفن، هي ابنة الحظ والعشوائية والارتجال، واعتباطية المعنى والدلالة: «لم يخبرني الفلكيون أن دمكِ سوف يتقاطر من بيتٍ إلى بيت، ولم أخبرهم أني دفنتُ يدكِ واقفة، كأنها شاهد قبر»، كأن الوقوف هنا ليس ابن إرادة التشبث بالحياة، بل ابن الموت؟!
لم ينعكس هذا الانتهاك في صناعة القسوة على الطفولة فحسب، بل انعكس على ماهية الكتابة نفسها، فبدت في بعض النصوص بمثابة اجتراء وصدى لنوازع انتقام خفية، ما جعل الصورة الشعرية تجنح كثيرا إلا التعليل والتفسير، وكأننا إزاء علاقة مسببة لا بد أن تفضي إلى نتيجة ما، من مثل: «أريدك أن تقفي على قدمين متساويتين، كي لا تكون ابتسامتك الحلوة مائلة»، كان من الممكن أن تصبح الصور أكثر جمالا لو تخلت عن مباشرة التعليل ناهيك عن أن التعليل يحد من طاقة الإيحاء ويصادر على المعني في أحادية جامدة، وأيضا من مثل: «كونك يتيما إلى هذه الدرجة، لا يعطيك الحق في أن تجعل من طفولتك مناحة»، وغيرها.
الشعر لا يبرر الأشياء ولا يعللها، إنما يضعها في بؤرة السؤال والدهشة، لتظل مفتوحة بحيوية على براح الحواس والخيال بلا اشتراطات مسبقة.
في الختام، ورغم هذه الهنات الطفيفة، هذا ديوان لافت، به رائحة خاصة، تعامل مع موضوعه بجرأة، بعيدا عن رتابة الأعراف والتقاليد.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.