انقطاع الكهرباء في طرابلس... أزمات متكررة واتهامات للحكومة بـ«الفشل»

سكان غرب ليبيا وجنوبها يقضون لياليهم في الظلام

جانب من أعمال الصيانة لأحد خطوط التيار بالعاصمة (الشركة العامة للكهرباء)
جانب من أعمال الصيانة لأحد خطوط التيار بالعاصمة (الشركة العامة للكهرباء)
TT

انقطاع الكهرباء في طرابلس... أزمات متكررة واتهامات للحكومة بـ«الفشل»

جانب من أعمال الصيانة لأحد خطوط التيار بالعاصمة (الشركة العامة للكهرباء)
جانب من أعمال الصيانة لأحد خطوط التيار بالعاصمة (الشركة العامة للكهرباء)

أمضى سكان مدن غرب وجنوب ليبيا ليلتهم في ظلام تام بعد انقطاع التيار الكهربائي بسبب تعرض محطات التحويل للاعتداءات المتكررة، وسط اتهامات لحكومة «الوفاق» بـ«الفشل» في إدارة الأزمة. ويندر أن يمر يوم منذ بداية الصيف، دون أن تنقطع الكهرباء فيه لمدد طويلة تصل إلى 17 ساعة في اليوم بالعاصمة طرابلس ومدن الجنوب الليبي، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات منذ بداية الشهر الجاري أمام مقر الشركة العامة للكهرباء، والمجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» في طرابلس.
وقالت الشركة العامة للكهرباء في العاصمة الليبية، في بيان مساء أول من أمس، إن «محطتي سوق الجمعة وكعام تعرضتا للاقتحام من قبل بعض المواطنين، الذين استخدموا القوة لإعادة التيار الكهربائي»، مشيرة إلى أنه «تم إغلاق صمام الغاز المغذي لمحطة الزاوية من قبل بعض المواطنين الرافضين لبرنامج طرح الأحمال، مما أدى إلى حدوث إظلام تام بالمنطقتين الغربية والجنوبية».
ورغم أن الشركة وعدت بأن فنييها يعملون على إعادة الكهرباء، فإن التيار ظل منقطعاً طوال ساعات الليل، وسط غضب المواطنين. وفي الساعات الأولي من فجر أمس، أعلنت الشركة أنه «تم البدء في إعادة تشغيل وحدات التوليد بمحطة كهرباء الزاوية كما تم إعادة تشغيل الوحدتين الغازيتين الأولى والثانية بالزاوية ودخولهما على الشبكة، بجانب نجاح فنيي الشركة بمحطات الرويس والخمس ومصراتة في إعادة تشغيل بعض وحدات التوليد ودخولها على الشبكة».
وكان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، اضطر على خلفية الأزمات التي أحدثها انقطاع التيار، إلى إعادة تشكيل مجلس إدارة جديد للشركة العامة للكهرباء، وعقد معهم اجتماعاً الأسبوع الماضي، تناول في الوضع الحالي للشبكة الكهربائية من حيث مستوى إنتاج الطاقة، وسبل تغطية العجز، وما تتطلبه المحطات من أعمال صيانة. ووجه السراج بضرورة تسريع وتيرة العمل واتخاذ التدابير اللازمة لعودة الشركات المنفذة للمشاريع المتوقفة لاستكمال أعمالها، بالإضافة إلى إعداد خطط عاجلة لمشكلة انقطاع التيار.
وقال الناشط المدني مهيمن الصابري، الطالب بكلية الطب، إن الحرب على طرابلس انتهت منذ قرابة شهرين، وأصبح الوضع مستقراً، وبالتالي لا أعذار لدى حكومة «الوفاق» التي فشلت في إدارة الأزمة، لافتاً إلى أنه «كان يستوجب عليها المسارعة لحل هذه الأزمة، وإنهاء الوضع الخانق الذين يعيشه المواطنون في مدن غرب ليبيا».
وأوضح الصابري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «انقطاع الكهرباء يعني تعطل الحياة بالكامل، من 8 إلى 18 ساعة يومياً. فالأطعمة وبعض الأدوية تفسد بسبب ارتفاع حرارة الجو. للأسف الوضع هذا العام ازداد سوءاً بسبب جائحة (كورونا)، فلا يوجد عزل منزلي لأي مصاب في ظل هذا الطقس، وهو ما يعني خروج جميع المواطنين إلى الشوارع وكورنيش العاصمة، مما يزيد من احتمالية انتقال العدوى»، فضلاً عن «تعذر المتابعات الدراسية عبر شبكة الإنترنت التي تحاول الحكومة تطبيقها».
وكانت الشركة العامة للكهرباء أعلنت أكثر من مرة أن وضع الشبكة «حرج جداً»، مما يتطلب «ضرورة تعاون كافة المدن والمناطق في عملية طرح الأحمال»، لكنها كشفت عن كثير من المواطنين يرفضون ويستخدمون السلاح لمنع طرح الأحمال في مناطقهم. وقال الصابري، وهو عضو في تجمع يحمل اسم «تكنوقراط ليبيا»، وأحد المشاركين أيضاً في المظاهرات السلمية التي تجتمع من وقت لآخر على خلفية الأزمة «لا نطالب سوى بالعدالة في طرح الأحمال الكهربائية... المواطنون في مدن مثل مصراتة والخمس والزواية يرفضون أن تطبق عليهم هذه الإجراءات، وهذا ظلم». وتابع «يجب على المسؤولين بشركة الكهرباء الاعتراف بعجزهم وعدم تكرار الأعذار في محاولة للتشبث بمقاعدهم إلى الأبد، وتركها لأشخاص جدد قد يمتلكون الخبرة والحل»، منوهاً إلى استمرار التظاهر السلمي لحين الاستجابة لمطالبهم بمحاسبة المسؤولين وإقالتهم.
وكان رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، تحدث أمام مجلس النواب المنعقد في طرابلس، عن قيام إدارة الشركة العامة للكهرباء المقالة «بانتهاج استراتيجية خاطئة»، اعتمدت فيها على استمرار إنشاء محطات جديدة خلال السنوات الماضية صرفت عليها الدولة المليارات دون جدوى، وقال إن «رأي ديوان المحاسبة كان يدعم فكرة الاعتماد على إجراءات الصيانة لسهولة تنفيذها»، لافتاً إلى أن «إدارة شركة الكهرباء طالبت منذ سنتين بالحصول على 900 مليون دينار لتمويل عقد إنشاء محطة جديدة دون تنفيذ أي مرحلة من المشروع».
بينما اعتبر عميد بلدية طرابلس المركز عبد الرؤوف بيت المال، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن انقطاع الكهرباء في العاصمة «بات مشكلة اعتيادية تواجه الدولة مع الأسف كل عام وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في شهور الصيف». وحمّل بيت المال تبعات ما يجري من انقطاع للتيار لمدد طويلة إلى الحرب التي دامت 14 شهراً على العاصمة، بالإضافة إلى توقف أعمال الصيانة منذ عام 2011. وقال: «كثير من مرافق الكهرباء خاصة في جنوب العاصمة طالها التدمير خلال الاشتباكات المسلحة، وتم تدمير محطات ومحولات وأعمدة إنارة».
ويتوقع عميد البلدية «أن تتحسن الأوضاع تدريجيا مع مرور الوقت»، ولفت إلى البدء في صيانة أجزاء من الشبكة الكهربائية منذ توقف الاشتباكات، وهو ما أدى «لتحسن الخدمة وقصر زمن الانقطاع بالفعل ببعض المناطق»، حسب قوله، مستدركاً: «نعم بعض المحطات تخرج أحياناً عن الخدمة لكن لا يحدث انهيار كامل».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.