العاملات الأجنبيات أمام خياري تخفيض الرواتب أو الترحيل

أزمة الدولار تستمر في الضغط على أصحاب العمل

TT

العاملات الأجنبيات أمام خياري تخفيض الرواتب أو الترحيل

بعد مضي أكثر من شهر على مشهد عدد من العاملات الإثيوبيات يفترشن الأرض أمام قنصلية بلادهن في بيروت، إثر تخلي أرباب العمل عنهن بحجة عدم قدرتهم على دفع رواتبهن أو تسفيرهن بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وإقفال المطار حينها، تبدو أزمة العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية مستمرة ولكن بواقع أخف لأسباب تتعلق بسفر بعضهن أو توصل بعض آخر منهن إلى تسويات مع أصحاب العمل أو مكاتب الاستقدام، سواء بإرادتهن أو بحكم الأمر الواقع في ظل غياب قوانين واضحة تضمن حق العاملة المنزلية.
«ليبي» وهي واحدة من هؤلاء العاملات، تعمل في لبنان منذ أكثر من خمس سنوات ولا تريد العودة إلى بلدها بنغلادش، فهي تحتاج إلى بعض المال لإكمال بناء منزلها الذي أتت من أجله إلى لبنان. «ليبي» استطاعت أن تصل إلى تسوية مع من تعمل لديهم، فقبلت أن تقبض بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف متوسط بين الرسمي (1500 ليرة) والسوق السوداء (حوالي 8000 ليرة)، فحلت مشكلتها بأقل الخسائر الممكنة.
بالتأكيد ليست «ليبي» العاملة الأجنبية الوحيدة التي قبلت وبكامل إرادتها بتسوية مع صاحب العمل، فالكثير من العاملات الأخريات قبلن بحلول قائمة على اتفاقات جديدة، فمنهن انتقلن إلى عائلات تستطيع دفع رواتبهن أو ارتضين براتب أقل من ذلك الذي كن يتقاضينه باتفاق مع صاحب العمل، إلا أن هذا لا ينفي أن بعض العاملات قبلن مجبورات وبظل غياب أي قانون يحميهن باتفاقات غير عادلة، تماما كما أخبرتنا عاملة إثيوبية ارتضت مكرهة على البقاء بمنزل رب العمل من دون راتب على وعد بتسفيرها حين يتوفر ثمن التذكرة مع كفيلها، فباتت تعمل مقابل طعامها وشرابها.
هذه التسويات لا تنفي وجود الكثير من الشكاوى التي لا تزال وزارة العمل تتلقاها من بعض السفارات والجمعيات التي تتابع حقوق العاملات الأجنبيات، كما أكدت مدير عام الوزارة بالإنابة مارلين عطاالله، مشيرة في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن هذه الشكاوى تركزت في الآونة الأخيرة حول عدم القدرة على تسفير العاملات وعدم تقاضي الرواتب.
وفي هذا الإطار، أكدت عطاالله أن الوزارة تتابع الشكاوى «وتحقق مع أصحاب العمل وتتأكد من حصول العاملات على كامل حقوقهن وتضع أصحاب العمل الذين يثبت انتهاكهم أي حق من حقوق العاملات على اللائحة السوداء، ويتم تحويلهم إلى الجهات المختصة لتتم محاسبتهم».
بعيدا عن التسويات والشكاوى، كان تسفير العاملات الأجنبيات الطريقة الأكثر اتباعاً مؤخراً لحل الأزمة، إذ من المتوقع أن تتجاوز نسبة العاملات المغادرات لبنان في ظل هذه الأزمة إلى الخمسين في المائة من عددهن البالغ عددهن 183 ألف عاملة شرعية مسجلة، حسب ما يؤكد رئيس نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات في الخدمة المنزلية علي الأمين، والذي رأى في حديث مع «الشرق الأوسط» أن معظم العائلات التي كانت تستطيع أن تشغل عاملة منزلية في السابق «لم يعد باستطاعتها حاليا دفع راتبها لا سيما أنه بات يساوي ضعف الحد الأدنى للأجور على أقل تقدير وأكثر من نصف راتب الكثير من العائلات في ظل ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء».
ويرى الأمين أنه أمام هذا الواقع «يصبح من الطبيعي أن تترافق عملية تسفير العاملات مع ضعف شديد في طلبات الاستقدام الأمر الذي يهدد 600 مكتب ومؤسسة تعمل في هذا المجال وتعتاش منها 3 آلاف عائلة»، موضحا أن هذا المجال «يعيش نكبة حقيقية وأنه لا يخلو أسبوع من إقدام مكتبين على الأقل على تقديم طلب إلغاء تراخيص».
أمام ارتفاع كلفة اليد الأجنبية العاملة في الخدمة المنزلية والذي ترافق مع خسارة العديد من الأسر اللبنانية مصدر دخلها أو قيمة هذا الدخل، ظهرت بعض المبادرات والمكاتب الصغيرة التي أعلنت عن رغبتها بتشغيل يد عاملة لبنانية في الخدمة المنزلية الأمر الذي يراه الأمين غير ممكن كبديل عن العمالة الأجنبية، وذلك لاعتبارات عدة منها النظرة المجتمعية لهذه المهنة والعادات والتقاليد.
هذه الأسباب لا تنفيها صاحبة شركة تقدم خدمات تنظيف وتعتمد على عمالة لبنانية، إذ تقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إن عمل اللبنانيات في الخدمة المنزلية «له خصوصية فهو لا يمكن أن يكون بدوام كامل وثابت بل على عدد الساعات».
صاحبة الشركة والتي انطلقت مع بداية الأزمة الاقتصادية مطلع العام في منطقة شتورة، أوضحت أنها عندما أعلنت عن رغبتها بتشغيل سيدات لبنانيات في مجال التنظيفات في المنازل أو المكاتب، «تقدم العديد منهن واليوم يعملن بأجر مقبول مقابل الساعة، فما يتقاضونه يُعد عادلا بالنسبة لهن ومقبولا بالنسبة للمشغل والشركة»، متوقعة أن يلجأ الكثير من المكاتب إلى التركيز على اليد العاملة اللبنانية التي باتت مع ارتفاع الدولار أقل كلفة من الأجنبية.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.