الحرب الليبية تفاقم معاناة «ذوي الاحتياجات الخاصة»

مسؤول في «الوفاق» يقر بأن أعدادهم تزداد وأوضاعهم سيئة

الحرب الليبية تفاقم معاناة «ذوي الاحتياجات الخاصة»
TT

الحرب الليبية تفاقم معاناة «ذوي الاحتياجات الخاصة»

الحرب الليبية تفاقم معاناة «ذوي الاحتياجات الخاصة»

لا يكاد يمر يوم على عبد الله السنوسي الغرياني، الذي ينتمي إلى مدينة بنغازي في شرق ليبيا، إلاّ ويتذكر وضعه صبيحة السادس من فبراير (شباط) عام 2014، عندما كانت آماله أن تتحول بلاده بعد الثورة التي أسقطت نظام معمر القذافي إلى دولة مدنية، إلاّ أنه وخلال هذا اليوم تغيّر مجرى حياته عندما دبرت «الجماعات الإرهابية» في المدينة حينها لاغتياله بزرع عبوة ناسفة في سيارته، على أثر ذلك فقد القدرة على الحركة بشكل نهائي، وبات مقعداً لا يغادر الكرسي المتحرك.
رغم ذلك لم يفقد الغرياني الأمل، وهو اليوم يحارب في معركتين، الأولى ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة، والثانية خاصة بالتنديد بالأوضاع المأساوية التي يعاني منها «ذوو الاحتياجات الخاصة» في ليبيا، حيث وصف معاناتهم في حديثه إلى «الشرق الأوسط» بـ«الكارثية»، سواء كانوا من ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة التي شهدتها ليبيا منذ عام 2011، أو ضحايا حوادث الطرق، والألغام. وقال: «لا توجد مراكز للتأهيل بشكل حقيقي في البلاد، ولا حتى مراكز طبية لتركيب الأطراف الصناعية للمبتورين منهم»، مشيراً إلى أنه «لا بد للمصاب أن يتوجه إلى القاهرة أو تونس للحصول عليها».
وكان السراج تحدث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عن ارتفاع أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في ليبيا بسبب حرب طرابلس، والاشتباكات التي وقعت خلال السنوات الماضية، إضافة لحوادث السير، إلى ما يزيد على 120 ألف شخص حتى العام 2018 واشتكي الغرياني من عدم تجهيز البنية الملائمة لتحركات المعاقين في ليبيا، من حيث الشوارع، فلا يستطيع المعاق أن يتحرك على كرسي متحرك بمفرده، أما فيما يتعلق بالعلاج وتكاليفه، فلمح الغرياني إلى وجود تفرقة في علاج المصابين على نفقة الدولة بين من يتبع حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، ومن هم ينتمون إلى مدن شرق ليبيا، لافتاً إلى أن أعداد المعاقين زادت على مدار السنوات التسع الماضية، فهناك ضحايا الثورة، أو عمليات «فجر ليبيا» التي أشعلها تنظيم الإخوان بالعاصمة عام 2014 بجانب ضحايا لعمليات التفجيرات التي ارتكبتها «الجماعات الإرهابية» بمدن شرق ليبيا، قبل قيام «الجيش الوطني» بـ«تطهيرها»، يضاف إلى كل هؤلاء ضحايا معركة العاصمة.
ويرى الغرياني (22 عاماً) أن «المصابين الذين يتبعون قوات السراج، يتم تسفير غالبيتهم للعلاج على نفقة الدولة في عدة دول في أوروبا وتركيا»، متابعاً: «كنت أعالج في بداية إصابتي على نفقة الدولة في الخارج، ولكن فيما بعد تم تصنيفي بأني أتبع معسكر الشرق وحرمت من كفالة الدولة، وصرت أعالج على نفقتي الخاصة». وذهب الغرياني إلى أن «الشخص المصاب الذي لا تملك أسرته تكاليف علاجه بالخارج يموت يومياً من الإهمال، في ظل انشغال الجميع بالصراع السياسي والعسكري الراهن».
من جانبه أقر سعد الدين الشيباني مدير إدارة شؤون المعاقين بصندوق التضامن الاجتماعي التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة «الوفاق» ومقره بطرابلس، بأن أوضاع المعاقين في ليبيا سيئة وتحتاج «للمزيد من العمل والتحسين»، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف لا يوجد في ليبيا إلا ورشتان فقط لتركيب الأطراف الصناعية للمبتورين، الأولى في بنغازي، والثانية لدينا في طرابلس وتتبع وزارة الشؤون الاجتماعية». واستدرك «إنتاج الورشتين لم يعد كافياً مع ازدياد العدد الكبير من مصابي الحرب، وضحايا الألغام والحوادث المرورية من المدنيين، لكن نأمل أن يتم التوسع بافتتاح ورشة جديدة بالمنطقة الوسطى».
وحمّل الشيباني الصراع الراهن، مسؤولية تراجع الخدمات المقدمة للمعاقين، وقال: «لم تمنح الحرب والصراعات المؤسسات الفرصة الكافية للعناية بالمعاقين»، واستكمل: «نحن نحاول مساعدتهم، ولكن يوجد تقصير خاصة في توافر الخدمات خارج المدن». وعبر عن أمله في تحسين أوضاعهم مع خطة الاستجابة الإنسانية 2020 التي أطلقتها الأمم المتحدة بعدد من المدن الليبية لجمع ما يقرب من 115 مليون دولار أميركي لتوفير الدعم للمحتاجين والفئات الأكثر تضرراً، وخصوصاً برنامج دعم المعاقين.
وفيما يتعلق بتكلفة العلاج، قال الشيباني: «وزارة الدولة لشؤون (أسر الشهداء والجرحى والمفقودين) تعنى بعلاج المعاقين بسبب الحروب، وتسهّل لهم السفر للعلاج في الخارج، وتركيب أطراف صناعية للمبتورين منهم، أما مصابو الحوادث المرورية فيحصلون على احتياجاتهم من الورشة الموجودة بطرابلس». ولفت إلى أن وزارة الصحة تتكفل بعلاج ضحايا الألغام، وأحيانا كثيرة يقوم المجتمع المدني بالتضامن مع الوزارة في علاج كثير من الحالات خارج البلاد، منوهاً إلى وجود 74 مدرسة ومركزا لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
في السياق ذاته، قال حمدي النحيلي مدير إدارة التوعية والتثقيف والإعلام بوزارة الشؤون الاجتماعية بالحكومة الليبية المؤقتة بشرق ليبيا، إن الوزارة تحاول بكل طاقاتها مساعدة ذوي الإعاقة، لكن الأعداد تزداد في عموم البلاد بسبب الحرب وحوادث الطرق. وأوضح النحيلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «الوزارة بها إدارة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتعنى بحصرهم، وتسجيل المعاقين الجدد وربطهم بمراكز التأهيل التابعة لها في كل من المنطقة الشرقية والجنوب الشرقي والجنوب الغربي»، وقال: «وقد استطعنا حصر المعاقين الذين نزحوا مؤخراً من مدينة ترهونة، ونقدم لهم الدعم النفسي والاجتماعي».
وانتهى النحيلي إلى «وجود مشاكل تواجه تلك الشريحة في مقدمتها غلاء أسعار الأطراف الصناعية للمبتورين، في ظل نقص المراكز المُصنِعة، وهو ما يعني اعتماد شريحة كبيرة من هؤلاء على الاستيراد من الخارج وخاصة من ألمانيا».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.