لبنان حائر بين «كورونا» المغتربين... ودولاراتهم

يساهمون في إعادة إحياء مؤسسات كانت على شفير الإفلاس

أزواج لبنانيون بكمامات واقية في لقطة تذكارية عند مدرجات قلعة بعلبك في شرق لبنان أمس (أ.ف.ب)
أزواج لبنانيون بكمامات واقية في لقطة تذكارية عند مدرجات قلعة بعلبك في شرق لبنان أمس (أ.ف.ب)
TT

لبنان حائر بين «كورونا» المغتربين... ودولاراتهم

أزواج لبنانيون بكمامات واقية في لقطة تذكارية عند مدرجات قلعة بعلبك في شرق لبنان أمس (أ.ف.ب)
أزواج لبنانيون بكمامات واقية في لقطة تذكارية عند مدرجات قلعة بعلبك في شرق لبنان أمس (أ.ف.ب)

يجد اللبنانيون المغتربون الوافدون من الخارج، منذ مطلع الشهر الحالي، أنفسهم في قفص الاتهام، بزعم نقلهم عدوى فيروس «كورونا» إلى المقيمين، حيث بدأت ترتفع أرقام الاصابات بشكل غير مسبوق منذ إعادة فتح المطار.
يُشار إلى المغتربين سراً وعلناً كسبب في تفشي الوباء، لا سيّما في القرى التي شهدت أخيراً عودة عدد كبير من أبنائها من بلاد الاغتراب، ولكنّ هذه النظرة، رغم سلبيتها، غالباً ما تأتي جنباً إلى جنب مع تبريرين، أحدهما إنساني انطلاقاً من حقّهم بالعودة، وثانيهما اقتصادي باعتبار أنّ لبنان وبكل بساطة بحاجة إلى الدولارات التي يدخلها هؤلاء في ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه البلد الذي «لا يتحمل إعادة إقفاله»، كما يرى مصدر في وزارة الصحة.
واعتبر مصدر وزارة الصحة، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنّه «يجب التذكير دائماً بحقّ اللبنانيين بالعودة»، وبأنه «لا نستطيع تحميل المغتربين العائدين كلّ المسؤولية، فما وصلنا إليه كان نتيجة استهتار مشترك من مقيمين ومغتربين يُضاف إليه عدم التشدّد بالإجراءات»، مؤكداً «أنّ ارتفاع عدد الإصابات مع فتح المطار ليس حكراً على لبنان فهذا أمر طبيعي، ولكن ما حصل لدينا هو ارتفاع كبير يتطلب المزيد من الوعي».
ويبلغ عدد المصابين من الوافدين 706، أي ما يشكّل بحدود 21 في المائة من مجمل الإصابات (3260). إلا أنّ الخوف الأكبر يبقى من نشرهم للعدوى، حسب ما يرى كثيرون من أهالي القرى التي شهدت عودة لأبنائها المغتربين، ولكن «إذا ما فكّر كلّ لبناني بأن العائد هو ابنه، وأنه سيكون في خطر إذا بقي في الخارج، فسيكون الأمر أقلّ وطأة»، حسب ما قال أحمد، وهو والد شاب عاد منذ يومين من أنغولا بأفريقيا.
ولا يغيب الجانب الاقتصادي عن بال أهالي القرى التي شهدت ارتفاعاً في عدد الإصابات مع عودة أبنائها المغتربين، ولكنّ هذا الجانب «يبقى في آخر الأولويات»، كما يقول محمد (30 عاماً) الذي يؤكد في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنّ الانطلاق في التعاطي مع المغترب يكون من «كونه ابن القرية ومن حقه العودة إليها».
ويقول محمد الذي شهدت قريته الجنوبية الواقعة في قضاء صور عودة العديد من المغتربين وتحديداً من القارة الأفريقية: «لم يكن الأمر سهلاً على أبناء القرية وأخذ نقاشاً مطولاً»، مضيفاً أن الموضوع «لاقى تذمراً في البداية من بعض الأشخاص الذين يبالغون في الخوف لدرجة يقلقون معها من المغترب وهو في حجره».
ويعتبر محمد أنّ المشكلة ليست بعودة المغتربين، ولكن «تحصل في بعض الأحيان تصرفات عاطفية من قبل الأهل والأقارب مثل عدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي أو الحجر».
من جهته، يرى طبيب أسنان يعمل في إحدى قرى قضاء النبطية «أنّه لا يمكن أن نحمّل المغتربين مسؤولية تفشي الوباء، ولا يمكن أن ننكر مساهمتهم الاقتصادية، ليس فقط لناحية إدخال الأموال بالعملة الصعبة، بل في الدورة الاقتصادية كاملة، فهم وبلا مبالغة يساهمون في إعادة إحياء مؤسسات كانت على شفير الإفلاس من مطاعم ومسابح»، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنّه حتى هو كطبيب أسنان «انتعشت عيادته بسبب المغتربين الذين عادوا مؤخراً»، وأنّ الخلل «عند بعض المستهترين وفي بعض إجراءات الجهات المعنية كقرار تقصير مدة الحجر لأيام قليلة بعدما كانت 14 يوماً».
كان وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار، قال الأسبوع الماضي، إنه وصل إلى مطار بيروت الدولي منذ إعادة افتتاحه أكثر من 33 ألف وافد من الخارج، مضيفاً أنه «إذا اعتبرنا أن كل شخص يحمل في يديه معدل 10 آلاف دولار يكون دخل إلى لبنان 200 مليون دولار أسبوعياً، أي أن هناك 800 مليون دولار أميركي في الشهر تدخل نقداً إلى لبنان عبر المطار»، الأمر الذي «يساهم باستقرار سعر صرف الدولار مقابل الليرة في لبنان، ولو بشكل نسبي، ومؤقت»، حسب ما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي.
ويقول يشوعي، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن الأمر لا يتعلق فقط بالعملة الصعبة التي يدخلها معه المغترب عن طريق المطار، ولكن بكلّ التحويلات المصرفية (الفرش Fresh Money) والمستمرة بشكل متواصل، والتي مصدرها مثلاً شركات في الخارج تحول عملة صعبة إلى داخل لبنان لشركاتها في لبنان لتستمر بالإنتاج، لا سيما أن دولار الاستيراد غير متوافر للمستوردين والصناعيين بالسعر المدعوم حتى لو قال المصرف (المركزي) والحكومة أنه متوافر. وأكد يشوعي أنّ التحويلات والأموال التي يدخلها اللبناني المغترب عبر المطار من شأنها أن تساهم في «وقف تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، ولكن كله يتوقف على مدى استمرار هذا التدفق وحجمه»، مشدداً على أنّ «التحويلات المصرفية ودخول الأموال عبر المطار أمران يكملان بعضهما البعض، لكن تأثيرهما في ثبات سعر الصرف مرحلياً».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.