خطة إسبانية لتشجيع «السياحة الدائمة» تحسّباً لعودة الوباء

مدريد تسعى لأن تصبح عاصمة عالمية للعمل عن بُعد

سياح وسكان محليون يستمتعون بمناظر برشلونة بعد تشديد الحكومة قيود «كورونا» الجمعة (رويترز)
سياح وسكان محليون يستمتعون بمناظر برشلونة بعد تشديد الحكومة قيود «كورونا» الجمعة (رويترز)
TT

خطة إسبانية لتشجيع «السياحة الدائمة» تحسّباً لعودة الوباء

سياح وسكان محليون يستمتعون بمناظر برشلونة بعد تشديد الحكومة قيود «كورونا» الجمعة (رويترز)
سياح وسكان محليون يستمتعون بمناظر برشلونة بعد تشديد الحكومة قيود «كورونا» الجمعة (رويترز)

مع تزايد المخاوف من عودة الوباء في موجة ثانية مطلع الخريف المقبل، وبعد الضربة القاسية التي تعرّض لها قطاع السياحة الذي يشكّل نحو 15% من إجمالي الناتج المحلي ويعد المحرّك الأساسي للاقتصاد، تعكف الحكومة الإسبانية على وضع خطة طموحة لتشجيع «السياحة الدائمة»، فيما تنشط بلدية مدريد وحكومتها الإقليمية لتسويق المدينة «عاصمة عالمية للعمل عن بُعد» في السياق الجديد الذي فرضته تداعيات «كوفيد - 19» على سوق العمل.
وتهدف هذه الخطة إلى الاستفادة من «الوضع الطبيعي الجديد» الذي نشأ عن الجائحة لجعل إسبانيا الوجهة الرئيسية لهذه «السياحة الدائمة»، أي المكان المفضّل الذي يختاره المهنيّون الأوروبيّون للإقامة والعمل عن بُعد مع كل أنحاء العالم. ويقول أحد المشرفين على إعداد الخطة إن «قانون كوفيد» فرض معادلة جديدة على سوق العمل، مفادها أن كل نشاط مهني يمكن القيام به رقميّاً سوف يصبح رقمياً في المستقبل القريب، بعد أن تبيّن خلال فترة العزل أن أنشطة مهنية كثيرة يمكن القيام بها كاملة من المنزل من غير أن يؤثر ذلك على الإنتاجية، لا بل يساعد أحياناً على زيادتها.
ويفيد استطلاع حديث بأن 61% من الموظفين والمهنيين في بلدان الاتحاد الأوروبي يفضّلون العمل من المنزل، حيث يشعرون بأنهم قادرون على تحقيق مستوى من الإنتاجية يعادل أو يزيد على الذي يحققونه من المكاتب. لكن يشير الاستطلاع إلى أن العقبة الرئيسية التي تواجه تعميم العمل عن بُعد وانتشاره على نطاق أوسع، خصوصاً في بلدان الجنوب الأوروبي، هي انعدام الثقة بروح المسؤولية لدى الموظف الذي يسود اعتقاد أنه لا يقوم بأداء واجبه كاملاً من غير مراقبة منتظمة. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة الذين كانوا يعملون عن بُعد في بلدان الاتحاد الأوروبي قبل الجائحة كانت تناهز 8% من مجموع القوى العاملة، لكنها ارتفعت خلال فترة العزل إلى 27%.
وأظهرت تدابير العزل والحجر المنزلي خلال انتشار الوباء أن العمل عن بُعد ليس فعّالاً فحسب، بل كان خشبة الإنقاذ لمؤسسات كثيرة، إذ أتاح لها مواصلة نشاطها بشكل طبيعي، وبات من الراسخ أن العمل عن بُعد سيصبح إحدى السمات الرئيسية للنشاط المهني في المستقبل. كما أن هناك مؤسسات قرّرت عدم العودة إلى الصيغة السابقة، بعد أن تبيّن لها أن العمل عن بُعد زاد من إنتاجيتها وساعد على خفض تكاليفها بشكل ملحوظ، إضافة إلى أنه أسهم في تحسين مستوى معيشة موظفيها.
وعلى هذا الأساس، قامت وزارة العمل الإسبانية بوضع تشريعات جديدة ستُعرض قريباً على البرلمان لمناقشتها واعتمادها أساساً قانونياً لهذا النشاط تحسّباً لموجة جديدة من الوباء تستعدّ لها جميع الدول الأوروبية. ويذكّر أحد الخبراء المشرفين على إعداد الخطة، بأن الكثير من الوظائف التي لا تستدعي الحضور الشخصي في المؤسسات، بشكل دائم أو جزئي، رواتبها مرتفعة في معظم الشركات العالمية التي تتخذ مقرّاً لها في بلدان مثل المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا، وأنه إذا قررت هذه المؤسسات منح موظفيها فرصة العمل عن بُعد بصورة دائمة، يعود لهم عندئذ اختيار مكان إقامتهم في البلد الذي يفضّلون. وقد بدأ بعض المؤسسات الكبرى مثل «تويتر» و«فيسبوك» بتطبيق هذه السياسة على مراحل، في انتظار تعميمها على نطاق أوسع اعتباراً من مطلع السنة المقبلة. ولم يعد هذا النمط مقصوراً على الشركات التكنولوجية، إذ إن بعض المصارف الأوروبية بدأت أيضاً بتطبيقه، كما باشرت قطاعات أخرى عديدة باعتماده لفترات تجريبية تمهيداً لتعميمه.
ويقول ليوبولدو رودريغيز، المسـؤول عن إعداد هذه الخطة، إن إسبانيا تتمتّع بمزيّة نسبية أساسية مقارنةً بالبلدان الأوروبية الأخرى لتكون الوجهة الرئيسية لاجتذاب الأجانب للإقامة فيها والعمل عن بُعد لحساب مختلف الشركات التي ينتمون إليها. فقد أظهرت استطلاعات حديثة أن إسبانيا تحتلّ المرتبة الرابعة في العالم بين الدول المفضَّلة للإقامة والعمل فيها، وأن 60% من الذين شاركوا في الاستطلاع يفضلونها على بلدانهم الأصليّة. أما العوامل الرئيسية التي تجعل منها وجهة مفضّلة لهذه «السياحة الدائمة» التي تدوم 12 شهراً، فهي المناخ والأمن والخدمات الأساسية.
وكان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز، قد أوضح خلال عرضه حزمة الإصلاحات التي على أساسها دافع عن صندوق الإنقاذ في القمة الأوروبية الأخيرة، ولدى مثوله أمام البرلمان ليدافع عن النتيجة التي عادت بها إسبانيا من الاتفاق التاريخي الذي أثمرته القمة، أن الحكومة قرّرت تخصيص 20 مليار يورو من المساعدات التي ستحصل عليها من أجل «رقمنة الاقتصاد والإدارة ووضع البلاد على السكّة السريعة في القرن الحادي والعشرين».
من جهتها، تسعى الحكومة الإقليمية في مدريد، مع بلدية العاصمة، للاستفادة من خطة الحكومة المركزية حول «السياحة الدائمة» لإعلان المدينة «عاصمة عالمية للعمل عن بُعد»، وتقديم حزمة من المحفّزات بهدف استقطاب المهنيين الأوروبيين للإقامة فيها. وكانت العاصمة الإسبانية قد اختيرت مؤخراً المدينة الثامنة في العالم من حيث الخدمات والحياة الثقافية والفنية والترفيه ونسبة التلوّث ووسائل النقل العام، كما صُنِّف نظامها الصحي الثالث في العالم. ومن المزايا النسبية الأخرى المهمة التي تتمتع بها العاصمة الإسبانية مقارنةً بالعواصم الأوروبية الكبرى، كلفة المعيشة وبخاصة الإيجار وأسعار السوق العقارية، فضلاً عن كونها منذ سنوات الوجهة الأوروبية المفضّلة للمعارض التجارية والمؤتمرات.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».