موسكو تستعد بحذر لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية

TT

موسكو تستعد بحذر لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية

عندما سئل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل يومين، عن تسريبات أميركية حول تذمر بلاده من تحركات إيران في سوريا، قال إن روسيا تتعامل مع حلفائها «وجهاً لوجه»، ولا تعمل من «خلف ظهورهم».
كان الحديث عن كتاب مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، الذي كشف في إحدى الفقرات أن الرئيس فلاديمير بوتين لمح خلال لقاء مع الأميركيين إلى أنه من مصلحة روسيا تقليص الوجود الإيراني في سوريا.
ورد عميد الدبلوماسية الروسية، المعروف بحذره الشديد، كان طبيعياً، خصوصاً أن زميله في المؤتمر الصحافي كان الوزير محمد جواد ظريف، إذ تعمدت موسكو عدم إظهار أي خلافات في الرأي أو تباينات مع «الحليفين» في سوريا، التركي والإيراني، إلى العلن، إلا في مرات نادرة جداً، تمت محاصرتها سريعاً. لكن اللافت أن تحركات موسكو في الملف السوري تميزت بالتكتم خلال الفترة الأخيرة، وعدم الميل إلى التعليق على تطورات مهمة، بينها الاتفاق العسكري بين دمشق وطهران الذي تجاهلته وزارتا الدفاع والخارجية في روسيا تماماً، فضلاً عن الاستحقاق الانتخابي البرلماني الذي كان لإيران حضور قوي فيه، في مقابل عدم سعي موسكو إلى تدخل مباشر. وحتى التصريحات المقتضبة التي صدرت حوله، من مندوب روسيا في مجلس الأمن أو من جانب الناطقة باسم الخارجية الروسية، ركزت على ضرورة «مواصلة استمرار عمل المؤسسات»، من دون أن تعطي تقييماً للاستحقاق ونتائجه.
وبالتزامن مع ذلك، حملت الضربة الصاروخية الإسرائيلية الأخيرة على دمشق مؤشرات لافتة، لأنها جاءت بعد مرور يومين على مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره الإسرائيلي بيني غانتس. وكان يمكن أن يمر الحدث من دون أن يرتبط بالضربة الإسرائيلية، لولا تسريبات إسرائيلية أشارت إلى أن تل أبيب «حذرت موسكو من مخاطر وصول أنظمة دفاع جوية إيرانية إلى نظام دمشق»، وأكدت أن إسرائيل «لن تقف مكتوفة الأيدي، في حال تعرض طياريها للخطر».
إذن، موسكو كانت تعلم بأن ثمة ضربة قوية وشيكة ضد الإيرانيين، وتجاهلت لاحقاً التعليق عليها، باستثناء إشارة خجولة صدرت أيضاً عن مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، دعا فيها تل أبيب إلى وقف ضرباتها على الأراضي السورية.
هذا الصمت الروسي في التعامل مع التطورات في سوريا بدا لافتاً على خلفية تعزيز موسكو حضورها السياسي عبر تعيين السفير لدى دمشق مبعوثاً رئاسياً خاصاً، وحضورها العسكري أيضاً عبر وضع برتوكول إضافي لتوسيع نفوذ العسكريين الروس في سوريا، جغرافياً وتقنياً.
وتزامن ذلك مع تطور موازٍ على صعيد العلاقة مع واشنطن، إذ بينما صعدت موسكو لهجتها في ملفي «الاحتلال الأميركي» في مناطق الشرق السوري، و«العقوبات الأحادية» المفروضة من جانب واشنطن وعواصم غربية، بدأت في الوقت ذاته بمحاولات لإحياء النقاشات مع الجانب الأميركي حول سوريا، وعقدت خلال الشهر الأخير وحده جلستي محادثات على مستوى الخبراء ومسؤولين بارزين.
وفيما كان مندوب روسيا في مجلس الأمن يتحدث عن أن سوريا تخسر نحو 40 مليون دولار كل شهر بسبب استيلاء الولايات المتحدة على حقول النفط في البلاد، ويدعو الولايات المتحدة إلى «وقف احتلال الجمهورية العربية السورية فوراً»، كانت أوساط دبلوماسية أخرى تفتح قنوات حوار مع الأميركيين. وتربط مصادر في موسكو تعمد الصمت أمام استحقاقات كبرى في سوريا أخيراً، والتحركات الهادئة بعيداً عن الأضواء، في عدد من الملفات، بينها مساعٍ لوضع منطلقات أساسية مشتركة للتحرك مع واشنطن لدفع التسوية، وفي الوقت ذاته محاولة حشد تأييد لرفع جزئي أو كامل للعقوبات على دمشق، بتحضيرات تقوم بها موسكو للاستحقاق الأهم بالنسبة إليها، والمقصود اجتماع اللجنة الدستورية في 24 من الشهر المقبل.
ولا تخفي موسكو أن الأولوية يجب أن تنصب على إنجاح الاجتماع وتحويله إلى نقطة انطلاق لدفع عملية تنفيذ القرار 2254. وكان لافتاً أن دبلوماسيين كرروا أخيراً إشارة إلى أهمية «التطبيق الكامل للقرار الدولي»، بمعنى أن مراحل تنفيذه يجب أن تشمل كل عناصره (الدستور والانتقال السياسي والانتخابات)، لكن أهمية العمل على إنجاح اللجنة الدستورية لا تقتصر على كون هذا أحد عناصر القرار الأممي، بل في ترسيخ آلية التفاوض بين الطرفين في الملف الدستوري، لتمتد لاحقاً إلى عناصر التسوية الأخرى.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.