بعد احتلال ولاية فلوريدا الأميركية المركز الرابع عالمياً في عدد الإصابات بفيروس «كوفيد - 19»، وتسجيلها أيضاً أرقاماً عالية من الوفيات، سُلّط الضوء عليها أخيراً مع تصاعد أهميتها في تقرير مصير المعركة الانتخابية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومنافسه جو بايدن. فالولاية باتت تُصنَّف من الولايات المتأرجحة، واستطلاعات الرأي فيها تشير إلى صعوبات حقيقية تواجه ترمب، بسبب إدارته ملف الجائحة التي سببت تداعياتها ضرراً اقتصادياً كبيراً على الولاية التي تُعتبر معقل السياحة في الولايات المتحدة.
حظي حاكم ولاية فلوريدا الأميركية الجمهوري رون دي سانتيس، خلال الأسابيع الأخيرة، باهتمام وسائل الإعلام جراء مواقفه وإجراءاته المثيرة للجدل، خصوصاً في مواجهة جائحة «كوفيد - 19».
ولاء دي سانتيس الشديد للرئيس دونالد ترمب، تعود جذوره إلى مسيرته السياسية التي بدأت قبل نحو 10 سنوات في صفوف الحزب الجمهوري. وبعد ذلك كان بين أوائل المنحازين لترمب عند ترشح الأخير للانتخابات الرئاسية عام 2015، ثم تعمَّق ولاؤه له عبر «الحروب» السياسية التي خاضها دفاعاً عن الرئيس، وصولاً إلى إصراره على رفض اتخاذ إجراءات متشددة لمواجهة انتشار الجائحة، وإسراعه في تنفيذ رغبة ترمب «بإعادة فتح الاقتصاد».
دور ترمب في صنع نجوميته
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 أعلن ترمب أنه سيدعم دي سانتيس إذا ترشح لمنصب حاكم ولاية فلوريدا خلفاً للحاكم السابق ريك سكوت، الذي كانت ستنتهي ولايته في يناير (كانون الثاني) 2018. ولا يسمح القانون بتجديد فترته. وعندما رشح دي سانتيس نفسه للمنصب؛ فإنه شدد على دعم ترمب، وبلغ تملقه له حدّ عرض إعلان يظهر تعليمه أطفاله كيفية «بناء الجدار» (الفاصل عن المكسيك)، وقول: «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وإلباس أحد أطفاله اللون الأحمر (لون الحزب الجمهوري) مع الشعار نفسه. وذات يوم عندما سُئل عما إذا كان بإمكانه تسمية قضية اختلف فيها مع ترمب، ردّ بأنه لم يجد مشكلة واحدة. وحقاً، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في عددها، 30 يوليو (تموز) 2018، أن الدعم الذي تلقته حملة دي سانتيس أظهر قدرة ترمب على صنع «ملك» في دولة ذات اتجاه جمهوري، ولكن أيضاً قدرته على توسيع قاعدة المحافظين بشكل أكبر.
ثم، عندما تفشى فيروس كوفيد - 19» في الولايات المتحدة، رفض رون دي سانتيس إصدار أمر تنفيذي يدعو مواطني ولاية فلوريدا إلى البقاء في منازلهم، «لأن إدارة الرئيس ترمب لم توصِ بذلك». ولكن، مع نهاية مارس (آذار) الماضي، مع بلوغ عدد الإصابات فيها نحو 7 آلاف حالة مؤكدة، اضطر الحاكم الشاب في 1 أبريل (نيسان) إلى إصدار أمر البقاء في المنازل لمدة 30 يوماً مع استثناء الخدمات والأنشطة الأساسية.
وفي التاسع من الشهر نفسه تعرّض لانتقادات حادة إثر تصريحه الخاطئ بأن الوفيات لم تطل مَن هم دون سن الـ25، في دفاع غير مباشر عن صور الشبان والشابات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يحتفلون ويستجمّون على شواطئ الولاية المشهورة كوجهة سياحية. وهو ما نفته السلطات الصحية في الولاية، وبالتالي، أُجبر على الاعتراف بهذا الخطأ.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، رضخ دي سانتيس للضغوط مجدداً، وطلب تكثيف الفحوص الطبية بعد التزايد الكبير في عدد الإصابات، التي بدأت ترتفع بعد أربعة أسابيع تقريباً من بدء فلوريدا رفع الإغلاق وإعادة فتح الاقتصاد. غير لأنه، مع هذا، رفض تحميل المسؤولية لأوامر فتح الولاية، زاعماً أن «ارتفاع الإصابات مرده لزيادة عدد الاختبارات واكتشاف حالات من دون اعراض للمرض، وتفشي الفيروس، خصوصاً، في السجون ومرافق قطاع الزراعة الذي يعمل فيه عمال من أميركا اللاتينية».
أيضاً، أصرّ دي سانتيس على أن لدى فلوريدا ضعفَيْ عدد الأسرة المخصّصة لمرضى الجائحة، وبالتالي لا ضغط عليها، رافضاً إعادة فرض القيود على الأنشطة التجارية والاجتماعية، بحجة أنها غير مسؤولة عن الارتفاع القياسي في عدد الإصابات. ولكن، في منتصف يونيو سجلت فلوريدا ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد الإصابات منذ بداية التفشي، فوصل عدد المصابين يوم الاثنين الماضي (بحسب إحصاءات وزارة الصحة في الولاية) أكثر من 360 ألف إصابة بما في ذلك أكثر من 5 آلاف وفاة.
خسارة فلوريدا... خسارة السباق؟
وسط هذه الأجواء، تصاعدت الانتقادات لدي سانتيس شخصياً، ولإدارة ترمب وللجمهوريين عموماً، بسبب ما اعتُبِر «سوء إدارتهم» لملف التعامل مع الجائحة، الأمر الذي يُخشى أن يتحوّل إلى أحد أبرز العوامل التي قد تساهم في خسارتهم الانتخابات الرئاسية والعامة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
إذ يؤخذ على «الولايات الجمهورية» أنها هي التي تسجل الآن (باستثناء ولاية كاليفورنيا) أعلى أرقام الإصابات، مقابل تراجعها بشكل حاد وكبير في «الولايات الديمقراطية» التي التزمت باتخاذ إجراءات مشددة لوقاية المواطنين. وراهناً، تسجل ولايات تكساس وجورجيا وأريزونا ونيفادا، مع فلوريدا وغيرها من «الولايات الجمهورية»، غالبية الإصابات الجديدة المؤكدة، ليصل عدد الإصابات في الولايات المتحدة نحو 4 ملايين ووفاة أكثر من 141 ألفاً.
ومع إصرار خبراء الصحة على أن الموجة الثانية من «كوفيد - 19»، المتوقعة في بداية الخريف (أي قبيل إجراء الانتخابات في نوفمبر المقبل) لم تضرب بعدُ، بات الجمهوريون أكثر توتراً من احتمال خسارة ولاياتهم «الحمراء» (أي الجمهورية) التقليدية، وبالأخص فلوريدا وتكساس. وهذا، مع الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تقدُّم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس ترمب في غالبية هذه الولايات، وبالذات، في فلوريدا، بحسب استطلاع قناة «فوكس نيوز» اليمينية المحسوبة على الجمهوريين. ولذا، يعتقد خبراء الانتخابات أن خسارة فلوريدا وحدها من بين «الولايات الجمهورية»، قد تؤدي إلى خسارة ترمب السباق الرئاسي. ذلك أن هذه الولاية هي ثالث كبرى الولايات من حيث عدد السكان الإجمالي (وأيضاً من حيث حجم الجاليات اللاتينية) بعد كاليفورنيا وتكساس.
التعددية والتنوّع
والحال أن لدى فلوريدا 29 صوتاً في المجمع الانتخابي الذي يختار الرئيس. وهي تُعدّ من أكثر الولايات الأميركية تعدداً عرقياً ودينياً وسياسياً، ويمثل الأميركيون من أصول كوبية فيها أكبر جماعات الضغط، بعد احتضانها مئات آلاف المنشقين والهاربين من نظام فيديل كاسترو اليساري، الذي سيطر على الجزيرة عام 1959. ويسيطر هؤلاء على العديد من المشاريع الاقتصادية والسياحية والكازينوهات وشبكات التهريب التي تعمل في مختلف الولايات امتداداً نحو دول كاريبية ولاتينية عدة.
ثم أنه بسبب طقس فلوريدا شبه الاستوائي، تشكل الولاية أهم مركز تقاعد للعديد من الأميركيين الذين ينقلون سجّلات قيودهم إليها، حاملين معهم أموال التقاعد ومدخّرات العمر، ويتملكون فيها الشقق والمنازل والسيارات الفاخرة. ومع هؤلاء ومنهم، تحتضن ثاني أكبر جالية يهودية في البلاد بعد ولاية نيويورك، وكثيرون منهم انتقلوا إليها أيضاً للتقاعد.
وغني عن القول أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نقل مكان إقامته وسجله إلى فلوريدا من نيويورك، بعد خلافه السياسي والقضائي مع مسؤوليها على خلفية الدعاوى التي رُفعت ضده في قضايا الضرائب وأعمال مؤسساته وشركاته. وهو يملك فيها اليوم فنادق ومؤسسات ومنتجعاً سياحياً ضخماً يُدعى «مار دي لاغو» يمضي فيه عطلاته الأسبوعية والرسمية، حيث يمارس لعبة الغولف المفضلة لديه، ويعتمده مقراً للقاء كبار مسؤولي إدارته وعدد من الشخصيات الدولية.
بطاقة شخصية
... ولكن مَن هو دون دي سانتيس؟ فمع تمسك حاكم ولاية فلوريدا بخطابه المتشدد وولائه المطلق لترمب، سلطت الأضواء أخيراً على شخصيته ومسيرته الحزبية والسياسية، خصوصاً، وأنه يُعد من «صقور» الجمهوريين الطامحين للعب أدوار قيادية مستقبلاً بسبب صغر سنه نسبياً.
وُلد رونالد «رون» ديون دي سانتيس يوم 14 سبتمبر (أيلول) 1978 في مدينة جاكسونفيل بأقصى شمال شرقي ولاية فلوريدا. وهو كاثوليكي من أصل إيطالي، تزوج عام 2010 من الإعلامية كيسي بلاك ولهما ثلاثة أولاد ويقيمان في بالم كوست، إلى الشمال من مدينة دايتونا بيتش في شمال شرقي فلوريدا.
حصل على شهادة البكالوريوس التاريخ من جامعة ييل العريقة عام 2001. ثم تخرّج بشهادة في القانون، في كلية الحقوق بجامعة عريقة أخرى هي جامعة هارفارد، عام 2005. وعلى الأثر، عمل محامياً، كما خدم ضابطاً في البحرية الأميركية، إلى أن دخل العمل السياسي عضواً في مجلس النواب الأميركي من عام 2013 إلى 2018 عن ولاية فلوريدا. وبات حاكم فلوريدا الـ46 منذ يناير 2019. وما يُذكر أن دي سانتيس - المتحدّر أبوه من أصل إيطالي - ترشح في عام 2016 لعضوية مجلس الشيوخ، لكنه انسحب عندما أعلن السيناتور الحالي ماركو روبيو ترشحه مرة جديدة بعد انسحابه من السباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016.
وكما سبقت الإشارة، يُعتبر دي سانتيس من أشد حلفاء الرئيس. وذاع صيته عندما حثه على وقف التمويل وإقفال ملف التحقيقات في التدخل الروسي المفترض في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2017. كما أنه وجه انتقادات قاسية للمحقق الخاص روبرت مولر داعياً للتحقيق معه، ولنائب المدعي العام في وزارة العدل رود روزنشتاين.
أصغر حاكم ولاية
في أغسطس (آب) 2018، خاض دي سانتيس معركة قاسية للفوز بمنصب حاكم فلوريدا أمام منافسه الديمقراطي الأفرو - أميركي أندرو جيلوم، عمدة مدينة تالاهاسي عاصمة الولاية، أسفرت عن فوزه بعد إعادة فرز الأصوات الآلية، ليغدو أصغر حاكم حالي لولاية أميركية في سن 41.
وبالنسبة لتاريخه العسكري، فإنه، عام 2004، بدأ تلقي علومه العسكرية في مركز الاحتياط البحري الأميركي بمدينة دالاس في ولاية تكساس، وتخرج عام 2005، عندما كان لا يزال طالباً في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وعام 2006، رقّي من رتبة مبتدئ إلى ملازم وعمل مع قائد فرقة العمل المشتركة مع المعتقلين في معتقل غوانتانامو بكوبا. وفي عام 2007 انضم إلى الوحدات الخاصة «نافي سيل» وخدم في مدينة الفلوجة العراقية. وهو حصل على ميدالية «النجم البرونزي» وميدالية إشادة من سلاح البحرية وميدالية «الحرب ضد الإرهاب» وميدالية «الحرب في العراق».
ولقد عاد في عام 2008 ليُعيّن مدعياً عاماً فيدرالياً في المنطقة الوسطى من فلوريدا، ثم خدم كمحامي دفاع تجريبي حتى عام 2010، حين أصبح نائباً في مجلس النواب الأميركي.
في مجال السياسة الخارجية، عارض دي سانتيس خطة الرئيس السابق باراك أوباما لإغلاق معتقل غوانتانامو، قائلاً «إن جلب الإرهابيين المتشددين إلى الأرض الأميركية يضر بالأمن القومي». وعارض استئناف العلاقات الدبلوماسية مع كوبا بحجة «إن رفع العلم الكوبي في الولايات المتحدة صفعة على وجوه أولئك الذين عانوا من وحشية نظام كاسترو»، أيضاً، عارض دي سانتيس الاتفاق النووي مع إيران، واصفاً إياه بأنه «صفقة سيئة من شأنها أن تتسبب في تدهور كبير لأمننا القومي». وتابع دي سانتيس: «الاتفاق الإيراني يمنح آية الله علي خامنئي ما يريده بالضبط: مليارات الدولارات لتخفيف العقوبات، وتحقيق البرنامج النووي الإيراني والقدرة على عرقلة عمليات التفتيش». وفي عام 2013، قدم قانون مساءلة الفلسطينيين، الذي يوقف المساعدة الأميركية للسلطة الفلسطينية حتى تعترف رسمياً بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية وتقطع جميع علاقاتها بحركة حماس.