رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر

حاكم فلوريدا الذي ستلعب ولايته دوراً حاسماً في الاقتراع الرئاسي

رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر
TT

رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر

رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر

بعد احتلال ولاية فلوريدا الأميركية المركز الرابع عالمياً في عدد الإصابات بفيروس «كوفيد - 19»، وتسجيلها أيضاً أرقاماً عالية من الوفيات، سُلّط الضوء عليها أخيراً مع تصاعد أهميتها في تقرير مصير المعركة الانتخابية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومنافسه جو بايدن. فالولاية باتت تُصنَّف من الولايات المتأرجحة، واستطلاعات الرأي فيها تشير إلى صعوبات حقيقية تواجه ترمب، بسبب إدارته ملف الجائحة التي سببت تداعياتها ضرراً اقتصادياً كبيراً على الولاية التي تُعتبر معقل السياحة في الولايات المتحدة.
حظي حاكم ولاية فلوريدا الأميركية الجمهوري رون دي سانتيس، خلال الأسابيع الأخيرة، باهتمام وسائل الإعلام جراء مواقفه وإجراءاته المثيرة للجدل، خصوصاً في مواجهة جائحة «كوفيد - 19».
ولاء دي سانتيس الشديد للرئيس دونالد ترمب، تعود جذوره إلى مسيرته السياسية التي بدأت قبل نحو 10 سنوات في صفوف الحزب الجمهوري. وبعد ذلك كان بين أوائل المنحازين لترمب عند ترشح الأخير للانتخابات الرئاسية عام 2015، ثم تعمَّق ولاؤه له عبر «الحروب» السياسية التي خاضها دفاعاً عن الرئيس، وصولاً إلى إصراره على رفض اتخاذ إجراءات متشددة لمواجهة انتشار الجائحة، وإسراعه في تنفيذ رغبة ترمب «بإعادة فتح الاقتصاد».

دور ترمب في صنع نجوميته
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 أعلن ترمب أنه سيدعم دي سانتيس إذا ترشح لمنصب حاكم ولاية فلوريدا خلفاً للحاكم السابق ريك سكوت، الذي كانت ستنتهي ولايته في يناير (كانون الثاني) 2018. ولا يسمح القانون بتجديد فترته. وعندما رشح دي سانتيس نفسه للمنصب؛ فإنه شدد على دعم ترمب، وبلغ تملقه له حدّ عرض إعلان يظهر تعليمه أطفاله كيفية «بناء الجدار» (الفاصل عن المكسيك)، وقول: «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وإلباس أحد أطفاله اللون الأحمر (لون الحزب الجمهوري) مع الشعار نفسه. وذات يوم عندما سُئل عما إذا كان بإمكانه تسمية قضية اختلف فيها مع ترمب، ردّ بأنه لم يجد مشكلة واحدة. وحقاً، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في عددها، 30 يوليو (تموز) 2018، أن الدعم الذي تلقته حملة دي سانتيس أظهر قدرة ترمب على صنع «ملك» في دولة ذات اتجاه جمهوري، ولكن أيضاً قدرته على توسيع قاعدة المحافظين بشكل أكبر.
ثم، عندما تفشى فيروس كوفيد - 19» في الولايات المتحدة، رفض رون دي سانتيس إصدار أمر تنفيذي يدعو مواطني ولاية فلوريدا إلى البقاء في منازلهم، «لأن إدارة الرئيس ترمب لم توصِ بذلك». ولكن، مع نهاية مارس (آذار) الماضي، مع بلوغ عدد الإصابات فيها نحو 7 آلاف حالة مؤكدة، اضطر الحاكم الشاب في 1 أبريل (نيسان) إلى إصدار أمر البقاء في المنازل لمدة 30 يوماً مع استثناء الخدمات والأنشطة الأساسية.
وفي التاسع من الشهر نفسه تعرّض لانتقادات حادة إثر تصريحه الخاطئ بأن الوفيات لم تطل مَن هم دون سن الـ25، في دفاع غير مباشر عن صور الشبان والشابات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يحتفلون ويستجمّون على شواطئ الولاية المشهورة كوجهة سياحية. وهو ما نفته السلطات الصحية في الولاية، وبالتالي، أُجبر على الاعتراف بهذا الخطأ.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، رضخ دي سانتيس للضغوط مجدداً، وطلب تكثيف الفحوص الطبية بعد التزايد الكبير في عدد الإصابات، التي بدأت ترتفع بعد أربعة أسابيع تقريباً من بدء فلوريدا رفع الإغلاق وإعادة فتح الاقتصاد. غير لأنه، مع هذا، رفض تحميل المسؤولية لأوامر فتح الولاية، زاعماً أن «ارتفاع الإصابات مرده لزيادة عدد الاختبارات واكتشاف حالات من دون اعراض للمرض، وتفشي الفيروس، خصوصاً، في السجون ومرافق قطاع الزراعة الذي يعمل فيه عمال من أميركا اللاتينية».
أيضاً، أصرّ دي سانتيس على أن لدى فلوريدا ضعفَيْ عدد الأسرة المخصّصة لمرضى الجائحة، وبالتالي لا ضغط عليها، رافضاً إعادة فرض القيود على الأنشطة التجارية والاجتماعية، بحجة أنها غير مسؤولة عن الارتفاع القياسي في عدد الإصابات. ولكن، في منتصف يونيو سجلت فلوريدا ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد الإصابات منذ بداية التفشي، فوصل عدد المصابين يوم الاثنين الماضي (بحسب إحصاءات وزارة الصحة في الولاية) أكثر من 360 ألف إصابة بما في ذلك أكثر من 5 آلاف وفاة.

خسارة فلوريدا... خسارة السباق؟
وسط هذه الأجواء، تصاعدت الانتقادات لدي سانتيس شخصياً، ولإدارة ترمب وللجمهوريين عموماً، بسبب ما اعتُبِر «سوء إدارتهم» لملف التعامل مع الجائحة، الأمر الذي يُخشى أن يتحوّل إلى أحد أبرز العوامل التي قد تساهم في خسارتهم الانتخابات الرئاسية والعامة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
إذ يؤخذ على «الولايات الجمهورية» أنها هي التي تسجل الآن (باستثناء ولاية كاليفورنيا) أعلى أرقام الإصابات، مقابل تراجعها بشكل حاد وكبير في «الولايات الديمقراطية» التي التزمت باتخاذ إجراءات مشددة لوقاية المواطنين. وراهناً، تسجل ولايات تكساس وجورجيا وأريزونا ونيفادا، مع فلوريدا وغيرها من «الولايات الجمهورية»، غالبية الإصابات الجديدة المؤكدة، ليصل عدد الإصابات في الولايات المتحدة نحو 4 ملايين ووفاة أكثر من 141 ألفاً.
ومع إصرار خبراء الصحة على أن الموجة الثانية من «كوفيد - 19»، المتوقعة في بداية الخريف (أي قبيل إجراء الانتخابات في نوفمبر المقبل) لم تضرب بعدُ، بات الجمهوريون أكثر توتراً من احتمال خسارة ولاياتهم «الحمراء» (أي الجمهورية) التقليدية، وبالأخص فلوريدا وتكساس. وهذا، مع الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تقدُّم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس ترمب في غالبية هذه الولايات، وبالذات، في فلوريدا، بحسب استطلاع قناة «فوكس نيوز» اليمينية المحسوبة على الجمهوريين. ولذا، يعتقد خبراء الانتخابات أن خسارة فلوريدا وحدها من بين «الولايات الجمهورية»، قد تؤدي إلى خسارة ترمب السباق الرئاسي. ذلك أن هذه الولاية هي ثالث كبرى الولايات من حيث عدد السكان الإجمالي (وأيضاً من حيث حجم الجاليات اللاتينية) بعد كاليفورنيا وتكساس.

التعددية والتنوّع
والحال أن لدى فلوريدا 29 صوتاً في المجمع الانتخابي الذي يختار الرئيس. وهي تُعدّ من أكثر الولايات الأميركية تعدداً عرقياً ودينياً وسياسياً، ويمثل الأميركيون من أصول كوبية فيها أكبر جماعات الضغط، بعد احتضانها مئات آلاف المنشقين والهاربين من نظام فيديل كاسترو اليساري، الذي سيطر على الجزيرة عام 1959. ويسيطر هؤلاء على العديد من المشاريع الاقتصادية والسياحية والكازينوهات وشبكات التهريب التي تعمل في مختلف الولايات امتداداً نحو دول كاريبية ولاتينية عدة.
ثم أنه بسبب طقس فلوريدا شبه الاستوائي، تشكل الولاية أهم مركز تقاعد للعديد من الأميركيين الذين ينقلون سجّلات قيودهم إليها، حاملين معهم أموال التقاعد ومدخّرات العمر، ويتملكون فيها الشقق والمنازل والسيارات الفاخرة. ومع هؤلاء ومنهم، تحتضن ثاني أكبر جالية يهودية في البلاد بعد ولاية نيويورك، وكثيرون منهم انتقلوا إليها أيضاً للتقاعد.
وغني عن القول أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نقل مكان إقامته وسجله إلى فلوريدا من نيويورك، بعد خلافه السياسي والقضائي مع مسؤوليها على خلفية الدعاوى التي رُفعت ضده في قضايا الضرائب وأعمال مؤسساته وشركاته. وهو يملك فيها اليوم فنادق ومؤسسات ومنتجعاً سياحياً ضخماً يُدعى «مار دي لاغو» يمضي فيه عطلاته الأسبوعية والرسمية، حيث يمارس لعبة الغولف المفضلة لديه، ويعتمده مقراً للقاء كبار مسؤولي إدارته وعدد من الشخصيات الدولية.

بطاقة شخصية
... ولكن مَن هو دون دي سانتيس؟ فمع تمسك حاكم ولاية فلوريدا بخطابه المتشدد وولائه المطلق لترمب، سلطت الأضواء أخيراً على شخصيته ومسيرته الحزبية والسياسية، خصوصاً، وأنه يُعد من «صقور» الجمهوريين الطامحين للعب أدوار قيادية مستقبلاً بسبب صغر سنه نسبياً.
وُلد رونالد «رون» ديون دي سانتيس يوم 14 سبتمبر (أيلول) 1978 في مدينة جاكسونفيل بأقصى شمال شرقي ولاية فلوريدا. وهو كاثوليكي من أصل إيطالي، تزوج عام 2010 من الإعلامية كيسي بلاك ولهما ثلاثة أولاد ويقيمان في بالم كوست، إلى الشمال من مدينة دايتونا بيتش في شمال شرقي فلوريدا.
حصل على شهادة البكالوريوس التاريخ من جامعة ييل العريقة عام 2001. ثم تخرّج بشهادة في القانون، في كلية الحقوق بجامعة عريقة أخرى هي جامعة هارفارد، عام 2005. وعلى الأثر، عمل محامياً، كما خدم ضابطاً في البحرية الأميركية، إلى أن دخل العمل السياسي عضواً في مجلس النواب الأميركي من عام 2013 إلى 2018 عن ولاية فلوريدا. وبات حاكم فلوريدا الـ46 منذ يناير 2019. وما يُذكر أن دي سانتيس - المتحدّر أبوه من أصل إيطالي - ترشح في عام 2016 لعضوية مجلس الشيوخ، لكنه انسحب عندما أعلن السيناتور الحالي ماركو روبيو ترشحه مرة جديدة بعد انسحابه من السباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016.
وكما سبقت الإشارة، يُعتبر دي سانتيس من أشد حلفاء الرئيس. وذاع صيته عندما حثه على وقف التمويل وإقفال ملف التحقيقات في التدخل الروسي المفترض في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2017. كما أنه وجه انتقادات قاسية للمحقق الخاص روبرت مولر داعياً للتحقيق معه، ولنائب المدعي العام في وزارة العدل رود روزنشتاين.

أصغر حاكم ولاية

في أغسطس (آب) 2018، خاض دي سانتيس معركة قاسية للفوز بمنصب حاكم فلوريدا أمام منافسه الديمقراطي الأفرو - أميركي أندرو جيلوم، عمدة مدينة تالاهاسي عاصمة الولاية، أسفرت عن فوزه بعد إعادة فرز الأصوات الآلية، ليغدو أصغر حاكم حالي لولاية أميركية في سن 41.
وبالنسبة لتاريخه العسكري، فإنه، عام 2004، بدأ تلقي علومه العسكرية في مركز الاحتياط البحري الأميركي بمدينة دالاس في ولاية تكساس، وتخرج عام 2005، عندما كان لا يزال طالباً في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وعام 2006، رقّي من رتبة مبتدئ إلى ملازم وعمل مع قائد فرقة العمل المشتركة مع المعتقلين في معتقل غوانتانامو بكوبا. وفي عام 2007 انضم إلى الوحدات الخاصة «نافي سيل» وخدم في مدينة الفلوجة العراقية. وهو حصل على ميدالية «النجم البرونزي» وميدالية إشادة من سلاح البحرية وميدالية «الحرب ضد الإرهاب» وميدالية «الحرب في العراق».
ولقد عاد في عام 2008 ليُعيّن مدعياً عاماً فيدرالياً في المنطقة الوسطى من فلوريدا، ثم خدم كمحامي دفاع تجريبي حتى عام 2010، حين أصبح نائباً في مجلس النواب الأميركي.
في مجال السياسة الخارجية، عارض دي سانتيس خطة الرئيس السابق باراك أوباما لإغلاق معتقل غوانتانامو، قائلاً «إن جلب الإرهابيين المتشددين إلى الأرض الأميركية يضر بالأمن القومي». وعارض استئناف العلاقات الدبلوماسية مع كوبا بحجة «إن رفع العلم الكوبي في الولايات المتحدة صفعة على وجوه أولئك الذين عانوا من وحشية نظام كاسترو»، أيضاً، عارض دي سانتيس الاتفاق النووي مع إيران، واصفاً إياه بأنه «صفقة سيئة من شأنها أن تتسبب في تدهور كبير لأمننا القومي». وتابع دي سانتيس: «الاتفاق الإيراني يمنح آية الله علي خامنئي ما يريده بالضبط: مليارات الدولارات لتخفيف العقوبات، وتحقيق البرنامج النووي الإيراني والقدرة على عرقلة عمليات التفتيش». وفي عام 2013، قدم قانون مساءلة الفلسطينيين، الذي يوقف المساعدة الأميركية للسلطة الفلسطينية حتى تعترف رسمياً بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية وتقطع جميع علاقاتها بحركة حماس.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.