الهند والصين... صراع مستقبلي تحكمه رواسب التاريخ

تهدد بتفجيره النزاعات والملفات الحدودية

الهند والصين... صراع مستقبلي تحكمه رواسب التاريخ
TT

الهند والصين... صراع مستقبلي تحكمه رواسب التاريخ

الهند والصين... صراع مستقبلي تحكمه رواسب التاريخ

في خضم حالة الغليان التي تسود علاقات الهند مع «جارتها» الصين، جراء التوترات المستمرة على الحدود بين البلدين بطول «خط السيطرة الفعلية» شرق لاداخ الجبلي، تعكف سلطات نيودلهي على مراجعة سياستها تجاه الصين... التي تحمل عنوان «سياسة صين واحدة». وعلى ما يبدو، تسعى الهند الآن نحو مهاجمة نقاط الضعف الصينية في تايوان وإقليمي التيبت وسنكيانغ-ويغور الذاتيي الحكم في جنوب غربي الصين وغربها، بل، وحتى في مستعمرة هونغ كونغ السابقة.
والجدير بالذكر هنا، أن نيودلهي تدعم سياسة «صين واحدة»، التي تنص فعلياً على أن تايوان والتيبت وسنكيانغ تشكل جميعاً جزءاً من الأجزاء الرئيسية للصين، والتي كانت بكين من جهتها قد جعلت من سياسة «صين واحدة» شرطاً مسبقاً لإقامة علاقات دبلوماسية معها.
يرى خبراء هنود أن التوغل العسكري الصيني الأخير داخل إقليم لاداخ الجبلي الحدودي إلى الشمال من كشمير، يأتي نتاجاً لمشكلات داخلية تعاني منها حكومة بكين. وما يستحق الإشارة في هذا الصدد أن إقليم لاداخ يتميز بأهمية استراتيجية للصين لربطه بين إقليمي التيبت وسنكيانغ-ويغور، المتمتعين بالاستقلال الذاتي واللذين يضم كل منهما أقلية عرقية ودينية، علاوة على وفرة الموارد الاستراتيجية فيهما، حيث توجد ثروة ضخمة من النفط والغاز في أرض سنكيانغ وموارد مائية في التيبت. إلا أنه مقابل ذلك، يمور الإقليمان بنزعات انفصالية مناهضة لقومية الهان التي يشكل أفرادها السواد الأعظم من سكان الصين. وبالتالي، من شأن السيطرة على النقاط الاستراتيجية في شرقي لاداخ أن ييسر على حكومة بكين إحكام قبضتها على التيبت وسنكيانغ-ويغور، بجانب تعزيز «طريق تجارة الحرير» القديم.
البروفسور سريكانث كوندابالي، الأكاديمي الهندي، سلط الضوء على البعد التاريخي لسياسة «صين واحدة» داخل الهند، مشيراً إلى أن هذه السياسة كانت قد طُرحت للمرة الأولى خلال الفترة ما بين ديسمبر (كانون الأول) وأبريل (نيسان) 1950. بيد أنها كانت في تلك الفترة كانت مقتصرة فقط على تايوان (الصين الوطنية سابقاً)، الدولة-الجزيرة قبالة الساحل الصيني.
وأضاف كوندابالي «لقد كان لدى الهند قنصل عام في كل من التيبت وسنكيانغ-وبغور ومناطق أخرى. ولكن في غضون سنتين، ضم الحزب الشيوعي الحاكم في البر الصيني هذين الإقليمين الشاسعي المساحة إلى دولته التي هي جمهورية الصين الشعبية. واضطررنا نحن في الهند، على الأثر، إلى تحويل علاقاتنا الدبلوماسية مع جمهورية الصين (الصين الوطنية في جزيرة تايوان) إلى جمهورية الصين الشعبية. ومع صعود جمهورية الصين الشعبية، ألغى الحزب الشيوعي العلاقات القائمة والبعثات الدبلوماسية وجرى إقرار علاقات جديدة».

علاقات الهند مع تايوان
من جهة ثانية، في خطوة دبلوماسية كبرى، عينت الهند في الفترة الأخيرة دبلوماسيا رفيع المستوى مبعوثاً لها لدى تايوان. هذا المبعوث هو السفير غورانغلال داس، الذي كان يعمل سابقاً في الولايات المتحدة، وهو يتميز بإجادته التكلم بلغة الماندرين، لغة شمال الصين. وهنا، تتجلى أهمية تعيين الهند مبعوثاً لها لدى تايوان بالنظر إلى حقيقة أنه حتى ذلك الوقت لم تكن هناك أي علاقات رسمية بين الهند وتايوان، نظراً لالتزام نيودلهي بسياسة «صين واحدة» التي روجت لها وأكدت عليها بكين.
وفي هذا السياق، لا بد من التذكير، بأن تايوان تنظر إلى نفسها على أنها دولة سيدة مستقلة، في حين تصر السلطات في بكين على أنها جزء من أراضي الصين الواحدة التي تمثلها بكين حصراً. وفي هذا الصدد، أوضح راجان كومار، البروفسور بكلية الدراسات الدولية التابعة لجامعة جواهرلال نهرو في دلهي أن «تعيين مبعوث إلى تايوان يشكل تحولاً لافتاً عن السياسة التي لطالما اتبعتها الهند، التي تُعرف بنفورها من خوض المخاطرات، وتشتهر بدبلوماسيتها الناعمة. أما الآن، فقد بدأت الهند تتخلى عن تظاهرها بالسلوك المهذب، وهي وتحاول أن ترد على الصين بالصورة ذاتها. ولكن هذا الأمر أشبه بسلاح ذي حدين، ذلك أن بكين ربما تتورط، من ناحيتها هي الأخرى، في تحركات دبلوماسية قوية فيما يخص قضيتي كشمير وأروناتشال براديش (وهما ولايتان هنديتان حدوديتان مع الصين)».
هذا، ويأتي تعيين الدبلوماسي كمبعوث إلى تايوان بعد أسابيع من طلب تقدم به حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي اليميني الحاكم في نيودلهي إلى رئيس الوزراء ناريندرا مودي عبر اثنين من أعضائه هما ميناكشي ليخي وراهول كاسوان، من أجل حضور مراسم أداء رئيسة تايوان تساي إنغ ون، على نحو افتراضي يوم 20 مايو (أيار) أي بعد أسبوعين من بدء المواجهة مع الصين على «خط السيطرة الفعلية».
إضافة لذلك، دعمت الهند انضمام تايوان إلى «منظمة الصحة العالمية» بصفة مراقب، وأشارت إلى أن استبعاد تايوان من المنظمة الأممية إنما جاء أساساً نتيجة ضغوط صينية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في عام 2014. عندما وصل ناريندرا مودي، زعيم بهاراتيا جاناتا، إلى السلطة في نيودلهي، فإنه تبنى نهجاً خارج المألوف، وذلك من خلال توجيهه الدعوة إلى ممثل تايوان في الهند، جنباً إلى جنب مع لوبسانغ سانجاي رئيس إدارة التيبت المركزية لحضور حفل أدائه اليمين الدستورية عام 2014.
مع ذلك، أدت السياسة الهندية إزاء الصين وتركيزها على استقرار العلاقات مع بكين إلى تهميش تايوان. بل، عندما احتجت الصين على زيارة وفد برلماني تايواني جميع أفراده من النساء إلى الهند عام 2018، تباطأ زخم العلاقات بين الهند وتايوان على نحو أكبر.
وفي هذا الصدد، أعرب المسؤول السابق بأمانة مجلس الوزراء، جاياديفا رانادي، عن اعتقاده بضرورة أن تعمل الهند على توفير مكانة وفرص للشركات التابعة لتايوان مثلما تفعل مع الشركات الصينية في الوقت الحالي. وتساءل «لماذا يتوجب علينا منع الفرص ذاتها من وإلى تايوان مقارنة بالصين؟ إن باستطاعتنا الاستفادة من تايوان من خلال اجتذاب الشركات التايوانية العاملة في قطاع إنتاج الرقائق الإلكترونية والشحن إلى العمل في الهند. ومن شأن ذلك الإسهام في حل مشكلة البطالة داخل الهند ومعاونة الشركات الهندية على الازدهار».

الصين والهند... والتيبت
من وجهة نظر الصين، تتسم قضية التيبت، بالذات، بقدر بالغ من الحساسية. وواقع الأمر، أن سلطات نيودلهي بدأت اللعب ببطاقة التيبت في الفترة الأخيرة. وأخذ العديد من الأصوات، وإن كانت غير رسمية، تتعالى داعية الحكومة الهندية إلى تقديم الدعم لقضية استقلال إقليم التيبت عن الصين.
بين هؤلاء براهما شيلاني، الخبير الجيو-استراتيجي البارز والمتخصص في الشأن الصيني، الذي قال «يتوجب على الهند استغلال بطاقة التيبت. إن إقليم التيبت يشكل للهند في مواجهة الصين ما تشكله باكستان للصين في مواجهة الهند. بيد أنه على النقيض من الهواجس الهندية تجاه استغلال بطاقة التيبت، لم تبدِ بكين أدنى تردد حيال اللعب ببطاقة باكستان ضد الهند».
في هذا الإطار، ينبغي القول بأنه حتى عام 1959، لم تكن هناك ثمة حدود مشتركة بين الهند والصين نظراً لأن إقليم التيبت كان دولة مستقلة شكلت عملياً «منطقة عازلة» بين العملاقين الآسيويين. إلا أنه في ظل قيادة الزعيم الشيوعي الراحل ماو تسي تونغ، الأب المؤسس للصين الحديثة، استولت بكين على الإقليمين الكبيرين.
استولت بداية على إقليم سنكيانغ-ويغور، المعروف أيضاً بـ«تركستان الشرقية»، الذي ينتمي غالبية سكانه إلى المسلمين الترك، وأكبر مكوناته العرقية التركية شعب الويغور. وكانت قوات جمهورية الصين الشعبية قد دخلت الإقليم عام 1949. وبحلول ربيع 1950 كان الجزء الأكبر من الإقليم تحت السيطرة الصينية.
وعلى نحو شبه متزامن، غزت القوات الصينية إقليم التيبت عام 1950، وبحلول عام 1959 كانت قد ضمت التيبت كلياً إلى أراضيها في أعقاب فرار زعيمه الروحي الدالاي لاما إلى الهند في أعقاب محاولة تمرد فاشلة ضد الصينيين، وفي تلك الآونة يقدر أنه تعرض 43.000 من أبناء التيبت للقتل.
هذا، وبعدما وفرت السلطات الهندية الملاذ الآمن للدالاي لاما، وسمحت لحكومة تيبتية منفية بالعمل من مدينة دارامسالا الهندية الواقعة في جبال الهيمالايا داخل الأراضي الهندية، بدأت الصين تنظر إلى الهند بريبة، وتلقي باللوم على نيودلهي عن دعم نشاطات مناهضة لبكين.
وعام 1962، هاجم الصينيون الهند في أعقاب سلسلة من المزاعم تضمنت توجيه نيودلهي أصابع الاتهام إلى بكين بخصوص الاستقلال الذاتي لإقليم التيبت. وفي المقابل، وجهت القيادة الصينية اتهامات إلى نظيرتها الهندية بالعمل على إضعاف قبضتها داخل التيبت. إلا أنه رغم ذلك، نعاين اليوم تحولاً أكثر جدية من جانب نيودلهي، بعيداً عن موقفها السابق المتمثل في قبول كون التيبت جزءاً من الأراضي الصينية.
على صعيد متصل، نشير إلى أنه بعد 10 أيام من وقوع صدامات غالوان الأخيرة، أشار بيما كهاندو، رئيس وزراء ولاية آروناتشال براديش الهندية، إلى «خط السيطرة الفعلية» الذي يفصل بين الهند والصين، باعتباره يشكل الحدود بين الهند والتيبت. وفي هذا الصدد، فإن السطات الصينية ما زالت تدعي أحقيتها في السيطرة على كامل ولاية أروناتشال براديش، وتطلق عليها مسمى «التيبت الجنوبية».
وبطبيعة الحال، لاقى هذا الوصف استحساناً كبيراً في صفوف نشطاء التيبت الذين سعوا منذ أمد بعيد نحو الحصول على دعم هندي نشط. أما الناشط والكاتب المنتمي إلى التيبت، تنزين تسوندو، فدعا من جهته إلى وصف الحدود بين الجانبين بأنها «حدود مع التيبت، وليست حدودا مع الصين». وكما هو متوقع، سلطت وسائل إعلام صينية الضوء على مثل هذه الآراء الهندية ووجهت سهام النقد إليها.

موضوع الدالاي لاما
وبالمثل، في تحول جديد في السياسات المتبعة، قدم عدد كبير من السياسيين الهنود ممن يتولون مناصب رسمية تهانيهم للدالاي لاما في يوم ميلاده الـ85 في السادس من يوليو (تموز). ومن بين الذين أرسلوا بطاقات تهنئة كيرين ريجيجو، وزير شؤون الشباب والرياضة، ورئيس وزراء أروناتشال براديش وكذلك حاكم لاداخ. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في العام 2018، أصدرت الحكومة الهندية توجيهات إلى كبار مسؤوليها تطلب منهم خلالها الإحجام عن المشاركة في أي فعاليات تتولى تنظيمها حكومة التيبت في المنفى.
من ناحية أخرى، وفي خضم المخاوف بخصوص الحالة الصحية للدالاي لاما (الدالاي لاما الحالي هو من حيث الرئيس الروحي الرابع عشر للتيبت)، أصدرت بكين تحذيرات دورية، منها تحذير أعلنته العام الماضي، بخصوص جهود اختيار خليفة له، الأمر الذي قد يجري داخل مدينة دارامسالا، حيث يوجد مقر حكومة التيبت في المنفى. وشددت بكين على ضرورة أن تتولى هي هذا الأمر.
واستطراداً، في يوليو 2019. قال وانغ نينغ شينغ، المدير العام لمكتب الإعلام الحكومي عن إقليم التيبت الصيني الذاتي الحكم إن «مسألة خلافة الدالاي لاما لن يجري تقريرها تبعاً لرغبته الشخصية أو من جانب مجموعة من الأفراد يعيشون في دول أخرى»، وذلك في إشارة إلى الهند. كذلك، قال زها لو «مدير المركز الصيني لأبحاث التيبت» الذي يوجد مقره في العاصمة الصينية بكين، في تصريحات صحافية إنه في حال اعتراف الهند رسمياً بأي خليفة للدالاي لاما لا تقبله الصين، فإن هذا الأمر سيتحول إلى خلاف سياسي بين البلدين «سيترك تداعيات على العلاقات الثنائية بينهما».
في هذه الأثناء، يشعر خبراء هنود بالغضب حيال أسلوب التعامل الحساس من جانب نيودلهي مع الصين فيما يخص الدالاي لاما والتيبت، لا سيما في ضوء حالة التأزم على الحدود في لاداخ، وامتناع بكين عن إبداء قدر متكافئ من الحساسية في تعاملها مع القضايا التي تمس الهند. وعلى سبيل المثال، قال الصحافي المستقل رانجيت بهوشان «يرمز الدالاي لاما إلى النفوذ الهندي فيما يتعلق بقضية جوهرية تخص الصين-التيبت. وفي واقع الأمر فإنه يمثل أصلاً استراتيجياً للهند. ومن ثم، سعياً منه نحو استرضاء الصين، وضع رئيس الحكومة الهندية مودي نهاية لجميع الاتصالات الرسمية مع الدالاي لاما وحكومة التيبت في المنفى... لكن هذا كان خطأ يجب تصحيحه».
ويرى بهوشان أنه لا يجوز أن تقف الهند موقف المتفرج، مضيفاً «في الوقت الذي يصلي أبناء التيبت في مختلف أرجاء العالم من أجل أن يتمتع الدالاي لاما بطول العمر، تنتظر الصين بفارغ الصبر وفاته كي تتمكن من الدفع بخلفٍ زائف تنصبه محله. أما الهند، فعليها أن تقدم يد العون في جهود إيجاد وتعيين وحماية الدالاي لاما المقبل عبر اتباع تعليمات الدالاي لاما الحالي».
ومن جانبه، دعا كريشان فارما، الرئيس السابق للاستخبارات الهندية، إلى مراجعة السياسة الهندية تجاه إقليم التيبت. وأشار إلى أن اتباع سياسة هندية جديدة تجاه الإقليم «تحمل إمكانيات حقيقية لأن تثير اضطراباً كبيراً داخل منطقة حساسة من الصين. وينبغي للهند مراجعة سياستها التي عفى عليها الدهر تجاه التيبت، والإعلان رسمياً عن التبت باعتبارها أرضاً محتلة».
وفي سياق متصل، طرح عضو الكونغرس الأميركي سكوت بيري مشروع قانون بخصوص التيبت. وحال تمرير مشروع القانون، فإنه يخول للرئيس الأميركي الاعتراف بالتيبت كدولة مستقلة منفصلة عن الصين.

وضع هونغ كونغ في التجاذب الهندي ـ الصيني
> وسط التوترات المستعرة بين الهند والصين على امتداد «خط السيطرة الفعلية» عند لاداخ، أطلقت نيودلهي حملة دبلوماسية ضد الصين من خلال التعبير عن مخاوفها بخصوص تداعيات قانون الأمن الوطني الجديد الذي مررته بكين على هونغ كونغ.
وما يذكر أنه في العام الماضي، أثار السفير الهندي لدى الأمم المتحدة قضية قانون الأمن الوطني الجديد في الصين وتأثيره على هونغ كونغ، وكيف أنه يحد من حرية التعبير. ودعا السفير إلى إدارة الوضع على نحو مناسب. وجاء البيان الهندي الصادر أمام الأمم المتحدة لافتاً لكونه يمثل المرة الأولى التي تثير الهند قضية هونغ كونغ، خاصة في خضم المظاهرات الضخمة المستمرة ضد الصين على الصعيد الدولي. ومن ناحيته، أوصى النائب السابق لمستشار الأمن الوطني الهندي، إرفيند غوبتا، بضرورة توجيه الهند دعماً للحركة الديمقراطية داخل هونغ كونغ. وقال «حتى إذا لم ننضم للجهود المشتركة التي تبذلها دول غربية لفرض العزلة على الصين على الصعيد الجيو-سياسي، يتوجب علينا أن نعبر عن مواقفنا بصوت مرتفع». وعلاوة على ذلك، أوصى غوبتا بأن تدعم الهند الأصوات المناهضة لانتهاكات حقوق الإنسان داخل إقليم سنكيانغ-ويغور على الساحة العالمية.



«تصنيف الإخوان»... الأردن سبق ترمب بحظر الجماعة وغلق مقارها

مقار مكاتب لجماعة الإخوان في الأردن وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي» في عمّان قبل أكثر من 10 أعوام (أ.ف.ب)
مقار مكاتب لجماعة الإخوان في الأردن وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي» في عمّان قبل أكثر من 10 أعوام (أ.ف.ب)
TT

«تصنيف الإخوان»... الأردن سبق ترمب بحظر الجماعة وغلق مقارها

مقار مكاتب لجماعة الإخوان في الأردن وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي» في عمّان قبل أكثر من 10 أعوام (أ.ف.ب)
مقار مكاتب لجماعة الإخوان في الأردن وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي» في عمّان قبل أكثر من 10 أعوام (أ.ف.ب)

يَختصِر مصطلح «الحركة الإسلامية» نشاط جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن، وهي جماعة «محظورة وغير شرعية» في البلاد، وكذلك نشاط ذراعها السياسية «حزب جبهة العمل الإسلامي»، المرخّص بموجب أحكام قانون الأحزاب النافذ. وفي ظل تداخل للعلاقة بين الجماعة والحزب لطالما شكت منه مؤسسات رسمية، يبدو واضحاً، حسب محللين سياسيين، أن هذا الأمر أحبط إلى حد كبير محاولات إصلاح الحياة السياسية في الأردن بسبب احتكار الإسلاميين الفعل السياسي في الشارع، وضعف منافسيهم عن مجاراة شعبيتهم. وأمام جملة القضايا التي حرّكها النائب العام الأردني ضد نشاطات الجماعة والشبهات حول تمويل الحزب، فإن الحركة الإسلامية في البلاد تعيش أياماً صعبة، في مواجهة تجاوزات قانونية محتملة ما زال القضاء يحقق في تفاصيلها. وحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فقد تم ضبط وثائق تؤكد وجود تجاوزات مالية، بعد تنفيذ مداهمات أمنية لدى صدور قرار رسمي بـ«إغلاق مكاتب الجماعة» في أبريل (نيسان) الماضي.

كان شهر أبريل الماضي صادماً للجماعة والحزب. فقادتهما لم يتوقعوا تصعيداً إلى هذا الحد من المؤسسات الرسمية ضدهم، بما يمكن أن يهدد بقاءهم. وظل الاعتقاد السائد لديهم أن الأزمة بين الدولة و«الإخوان» ستعبر كسابقاتها، غير أن مراجع رسمية أخذت قراراً بالمضي في «تصويب الاختلالات القانونية والتشوهات في الحياة السياسية» الناتجة من تداخل العلاقة بين الجماعة والحزب، وكسر حالة الاستقطاب للحياة السياسية من قِبل الحركة الإسلامية.

وربما لا يتذكر كثيرون أن الأردن تحرك ضد جماعة «الإخوان» قبل صدور قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نهاية الشهر الماضي، بالطلب من إدارته درس «تصنيف بعض فروع أو تقسيمات جماعة الإخوان المسلمين منظماتٍ إرهابية أجنبية». فقد كان الربيع الماضي مطلعُهُ ثقيل على الحركة الإسلامية في الأردن بعدما اختل توازنها أمام الفعل السريع لتطبيق أحكام قضائية سابقة بحق الجماعة. كما أن هذا التوازن قد يختل أكثر لاحقاً بعد صدور أحكام قضائية متوقعة بخصوص القضايا المنظورة حالياً أمام المحاكم الأردنية. وإزاء هذا الأمر، يسعى قادة في الحركة الإسلامية إلى تجاوز الأزمة واحتواء الغضب الرسمي الذي يهدد بالفعل مصير استمرارهم في الحياة السياسية.

الموقف الرسمي بانتظار أحكام القضاء

لخَّص العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الموقف من الجماعة والحزب، برده على سؤال عن مستقبل الحركة الإسلامية في البلاد خلال لقاءات مع شخصيات وازنة. قال الملك إن ذلك ينتظر «أحكام القضاء»، مؤكداً أن سيادة القانون تضمن العدالة للجميع. وقد التقى الملك عبد الله الثاني رؤساء حكومات سابقين قبل شهرين، وجرى الحديث عن مستقبل العلاقة مع الحركة الإسلامية في المملكة الأردنية.

وإذا كان العاهل الأردني تحدث بلغة واضحة بهذا الشأن، فإن ارتباك سلوك أقطاب مركز القرار في تعاملاتهم مع الحركة الإسلامية أثّر على فهم المتابعين بخصوص مصير القضايا المنظورة حالياً أمام القضاء، في ظل همس يتساءل عن بطء إجراءات التقاضي، و«المبالغة» في المخاوف من ردود فعل الشارع على الأحكام المنتظر صدورها، خصوصاً إذا جاءت لصالح إنهاء وجود المرجعيات المؤسسية والأذرع المالية والاستثماريّة للجماعة؛ ما يعني تأثر الحزب الإسلامي جراء انقطاع التدفقات النقدية عنه، ومحاسبته على تلقيه أموالاً من الخارج.

ويبدو أن تباين وجهات النظر، لئلا يُقال صراع النفوذ بين أقطاب مركز القرار، نابع من مخاوف إزاء ردود الفعل الشعبية على أحكام قد تصدر بحق مؤسسات وشخصيات من الجماعة. وفي حال كان ذلك صحيحاً، ففي الأمر جانب من الاعتراف بضعف المواجهة مع الجماعة التي تسيطر على عاطفة شارع عريض من الأردنيين. لكن تكلفة المماطلة بإجراءات التقاضي قد تكون على حساب الثقة بالإجراءات الرسمية التي ستأتي بعد صياغة وزارة الخارجية الأميركية قرار ترمب الذي حدد فرع «الإخوان» في الأردن أحد الفروع التي يتناولها تصنيف الإرهاب. ووقتها سيكون على المؤسسة الرسمية في الأردن التعامل مع الحضور الشعبي المناصر للحركة الإسلامية في الشارع.

ويُدرك الجميع في الأردن، على الأرجح، بأن الرافعة المالية لـ«حزب جبهة العمل الإسلامي» هي جماعة «الإخوان» التي تمتلك رصيداً من التبرعات والاشتراكات تصل إلى ملايين الدنانير. كما يُدرك الجميع أيضاً، على الأرجح، بأن تمويل الحملات الانتخابية للحزب في مختلف المواسم النيابية والبلدية والنقابية، هو تمويل مفتوح. ويؤكد هذا الأمر ما كشفته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن توافر «وثائق» تؤكد أن تمويل الحزب «ليس ذاتياً، بل من أموال الجماعة الأم التي لا يزال التحقيق جارياً حول التجاوزات في جمع التبرعات وطبيعة الاستثمار فيها والتحويلات إلى الخارج».

تُهم الجماعة وتوقيتها

في شهر أبريل الماضي، وبعد أقل من ثلاثة أشهر على تسلم دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة في ولايته الثانية، تحركت الحكومة الأردنية، وفعّلت قراراً قضائياً سابقاً صدر في عام 2020 بـ«حل جماعة الإخوان المسلمين» وبـ«اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منحلة حكماً وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية؛ وذلك لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقاً للقوانين الأردنية».

اختارت الحكومة الأردنية توقيت تفعيل الحكم القضائي السابق بُعيد الكشف، في منتصف الشهر نفسه، عن «مخطط للفوضى» في البلاد. وتم إحباط هذا المخطط بعد القبض على خلية «إخوانية» مكونة من 16 شخصاً ثبت أن عدداً منهم ينتمي إلى «حزب جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية للجماعة. وقد أحيل المتهمون إلى محكمة أمن الدولة، وأُسندت لهم جناية تصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع، وتهمة جناية التدخل بتصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع، وتهمة جناية القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر. كما يواجه المتهمون تهماً تتعلق بمشروع تصنيع طائرات مسيّرة، وتهم نقل وتخزين مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية تم تهريبها من الخارج، وإخفاء صاروخ في إحدى ضواحي عمان. وتعود وقائع هذه القضية في الواقع إلى عام 2023، وقد صدرت أحكام بحق 4 متهمين في وقت سابق.

بعدها، وجّهت السلطة القضائية تهماً مباشرة للجماعة المحظورة عقب كشف التحقيقات الأولية سلسلة تجاوزات قانونية ومالية نتيجة متابعة شبكة تحويلات مالية للخارج من أموال تم جمعها كتبرعات. وقالت الجهات المختصة إن هناك «نشاطاً مالياً غير قانوني ضلعت به جماعة الإخوان المسلمين المحظورة طوال الأعوام الماضية داخلياً وخارجياً، تزايدت وتيرته في آخر 8 سنوات».

شكّل التوجه الرسمي وقتها، في الكشف عن تجاوزات متعلقة بملف جماعة «الإخوان» في الأردن، صدمة داخل صفوف الجماعة وذراعها السياسية «حزب جبهة العمل الإسلامي». وأثارت سلسلة الاتهامات التي وجَّهتها السلطة القضائية للجماعة أسئلة تتعلق بمصير «جبهة العمل» التي التزمت الصمت في قضية حل جماعة «الإخوان» والملاحقة القانونية لأموالها وأصولها. وجاء من ضمن الاتهامات أن «الأموال التي يتم جمعها وصرفها بشكل غير قانوني تُستخدم لغايات سياسية وخيرية ذات مآرب سياسية، فقد كانت تُصرف على أحد الأحزاب وعلى الأدوات والأذرع والحملات الإعلامية وعلى الفعاليات والاحتجاجات، والتدخل في الانتخابات النقابية والطلابية، وصرف مرتبات شهرية لبعض السياسيين التابعين للجماعة وعلى حملاتهم الدعائية». وتتضمن الاتهامات أيضاً أن الجماعة حازت وتحت عناوين مختلفة عشرات الملايين من الدنانير استُثمر جزء منها في شراء شقق خارج الأردن، كما استُخدمت الأموال لأغراض غير مشروعة قانوناً، ومنها ما سُجّل بأسماء أفراد ينتمون إلى الجماعة عن طريق ملكيات مباشرة أو أسهم في بعض الشركات.

حوارات صاخبة داخل الحركة الإسلامية

أغلق «حزب جبهة العمل الإسلامي» مكتبه الشبابي في وقت سابق من الأسبوع الماضي، ولدى السؤال عن القرار الحزبي كانت الإجابة من مصادر قريبة من الحزب نفسه بالقول: «إن صراعاً خفياً يدور في أروقة مجالس ومكاتب الحزب المنتخبة، حول استسلام القيادات أمام الحملة الرسمية التي تستهدف تصفية الجماعة والحزب». أضافت هذه المصادر أن هناك «مطالب يقودها تيار الشباب تضغط باتجاه تنفيذ خطوات احتجاجية تصعيدية».

مقر «الإخوان» محترقاً في القاهرة صيف 2013 (غيتي)

وحسب مصادر «الشرق الأوسط» الخاصة، أعاد الخلاف بين تيار الشباب في الحزب وبين قياداته المواجهة التاريخية بين فريقي الصقور (الشباب) داخل الحركة، والحمائم (القيادات). وأوضحت المصادر أن هناك داخل الحزب مَن يطالب بإعادة صياغة أهدافه ومبادئه ونظامه الأساسي، على قاعدة الفصل التنظيمي مع الجماعة الأم التي جُرِّم العمل تحت عنوانها، وهذا أمر يرفضه تيار الشباب المتشدد في الحزب والمرتبط بعلاقة تنظيمية مع جماعة «الإخوان».

ولا يُدرك شباب الحركة مدى المأزق الذي يعانيه حزبهم، ولا ما ينتظره قادة الجماعة من مساءلة قضائية، حسب ما يقول متابعون لملف الحركة الإسلامية في الأردن. وحسب هؤلاء، يُرجح أن يكون التصعيد الرسمي موازياً لأي تصعيد تدعمه الحركة الإسلامية. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن أي استعراضات جماهيرية شعبية تدعمها الجماعة المحظورة أو الحزب سيقابلها تصعيد رسمي باستخدام وثائق ومعلومات صارت في حوزة الجهات المختصة.

وبرأي المصادر نفسها، لا يملك الحزب اليوم سوى خيارات محدودة، فإما أن يَحل نفسه، ويعيد اجتماع منتسبيه تحت اسم جديد، وإما أن يذهب إلى الاندماج مع حزب آخر، وهو سيناريو مستبعد، وإما انتظار صدور القرار القضائي لتحديد ما هي الخطوة المقبلة الممكنة. وقد لا يكون قرار القضاء في الواقع في صالح استمرار «حزب جبهة العمل الإسلامي» بالحياة السياسية؛ ما يعني خسارته 31 مقعداً في البرلمان. وفي هذه الحال، لا بد من التعامل مع قضية ملء شواغر مقاعد الحزب في مجلس النواب الحالي؛ الأمر الذي يدفع بسيناريو حل المجلس والذهاب لانتخابات مبكرة في مدة لا تتجاوز 4 شهور من تاريخ الحل.

وقالت مصادر رسمية، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة والحزب مارسا تصعيداً في الشارع منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، تاريخ عملية «طوفان الأقصى» في غزة، مضيفة أن شعارات وهتافات سعت لـ«الاستقواء» على الموقف الرسمي و«تشويه» الرواية الرسمية، مضيفة أن الحركة الإسلامية بالغت في تنفيذ احتجاجات في مناطق لها حساسيتها الأمنية، كما حصل قرب السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية والسفارة الأميركية في منطقة عبدون. وعلى رغم «الطرد» المُبكر للسفير الإسرائيلي في عمّان وأركان سفارته، فإن الحركة ظلت تدعو إلى تنفيذ احتجاجات والدعوة إلى حرق السفارة. وتؤكد معلومات وتسجيلات متوافرة لدى السلطات الأردنية، أن الجماعة وحزبها «تلقيا توجيهات من قيادات (حمساوية) من الخارج» بضرورة تحريك الجبهة الأردنية لمناصرة غزة.

حسابات الموقف الرسمي... «بالع السيف»

ولأسباب كثيرة، يجد القرار الرسمي الأردني نفسه بموقف لا يُحسد عليه. فبين تأخر إجراءات التقاضي و«جدال» الأقطاب في مركز القرار، وبين استحقاق القرار الأميركي بتصنيف فروع وشخوص من جماعة «الإخوان» على قوائم الإرهاب (وهو ما يمكن أن يطول مؤسسات وأشخاصاً من الأردن)، سيكون الموقف الرسمي كـ«بالع السيف». فالقضاء سيحتاج إلى وقته لاستكمال مسارات التقاضي، في حين أن الشارع الأردني شديد التوتر تجاه أي قرار أميركي من شأنه أن يؤثر على القرار الداخلي. وثمة من يقول إنه لو استعجل القضاء الأردني دراسة الوضع القانوني لملف التجاوزات داخل الجماعة والحزب، منذ أبريل الماضي، لكان الوضع مريحاً لجهة الثقة بالقرار الرسمي بوصفه مستقلاً عن القرار الأميركي.

ويبدو أن الموقف الرسمي الأردني يضع في الحسبان ضرورة حماية الحكومة التي يجب أن تستمر مع استمرار مجلس النواب حتى عام 2028؛ لأن أي حل مبكر لمجلس النواب يعني ضرورة تقديم الحكومة استقالتها خلال أسبوع، ولا يُكلَّف نفس الرئيس تشكيل الحكومة التي بعدها. ويرغب الرئيس جعفر حسان في البقاء كسابقيه من الرئاسات، وهذا قد ينسحب على الارتخاء الحكومي في انتظار حكم القضاء، إذا تقرر حل حزب جبهة العمل الإسلامي وعندها سيفقد مجلس النواب 31 مقعداً هم نواب الحزب.

«الإخوان»... الحصار يشتد

تترقب جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة في مصر، نتائج تحركات تجريها واشنطن بطلب من الرئيس دونالد ترمب لاعتبارها «تنظيماً إرهابياً»، قبيل 3 سنوات من نهاية مئويتها الأولى. يرى خبراء تحدَّثوا لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الأم المحظورة بمصر، والمنقسمة في الخارج إلى 3 جبهات، «تمضي إلى حصار جديد لتحركاتها المالية والأنشطة الموالية لها، وبفاعلية أكبر»، متوقعين «مزيداً من التحركات لتجفيف منابع الجماعة في الخارج، مع إمكانية غلق مؤسسات وقنوات محسوبة عليها».

وتصنَّف السلطات المصرية جماعة «الإخوان» «تنظيماً إرهابياً» منذ عام 2013، علماً بأن هذا التصنيف كان سارياً لعقود من قبل. ويقبع معظم قادة «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية في قضايا عنف وقتل وقعت في البلاد بعد إسقاط حكم «الإخوان» (في العام نفسه، 2013)، بينما هناك آخرون هاربون في الخارج ومطلوبون للقضاء المصري، ويديرون حالياً التنظيم وسط انقسامات حادة.

ووفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض قبل أسبوع، وقّع ترمب أمراً تنفيذياً يوجّه وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، بتقديم تقرير حول ما إذا كان سيتم تصنيف أي من فروع «جماعة الإخوان المسلمين» (تأسَّست عام 1928) مثل تلك الموجودة في لبنان ومصر والأردن، وذلك في غضون 45 يوماً. واتهمت إدارة ترمب فروعاً لـ«الإخوان» في تلك الدول بدعم أو تشجيع شنّ هجمات عنيفة على إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة، أو تقديم الدعم المادي لـ«حماس». وفي تصريحات لموقع «جست ذا نيوز» اليميني الأميركي، الأحد الماضي، أكّد ترمب أن خطته لتصنيف جماعة «الإخوان» «منظمةً إرهابيةً أجنبيةً» باتت في مراحلها الأخيرة، وذلك بعد خطوة حاكم ولاية تكساس الجمهوري، غريغ أبوت، الذي صنّف «الإخوان» ومجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (كير) «منظمتَين إرهابيَّتين أجنبيَّتين ومنظمتَين إجراميَّتين عابرتَين للحدود». وطعن مجلس «كير» ضد هذا التصنيف.

ويعتقد المحلل في شؤون الحركات الإسلامية، عمرو فاروق، أن قرار التصنيف في حال صدوره «سيفاقم مشكلات الأزمات الداخلية للجماعة في ظل انشقاقها لـ3 تنظيمات في الخارج، بخلاف صدور قيود ستُفرَض على التمويلات والتحركات المالية، وتجميد أرصدة لقياداتها، وفرض قيود على مؤسسات محسوبة على الجماعة وغلقها، فضلاً عن إمكانية غلق قنوات محسوبة عليها مثل (مكملين) و(وطن)».

وأكد المحلل في شؤون الجماعات المسلحة، الدكتور عمرو عبد المنعم، أن قرار ترمب «سيزيد من انقسام الجماعة التي تعاني بالأساس من ارتباك في التعامل مع هذا التوجه الأميركي الكاشف عن أن واشنطن ابتعدت، في ظل إدارة ترمب الجديدة، عن الجماعة بعد سنوات من دعمها» في ظل إدارات سابقة. وواجهت الجماعة التصنيف المحتمل لها بصدور 3 بيانات من عناصرها المنقسمين بالخارج. فقد قالت الجماعة، في بيان حمل اسم محمود حسين، القائم بأعمال المرشد العام للجماعة (أعلى مسؤول بالجماعة في ظل حبس المرشد الحالي محمد بديع بمصر)، إنها ترفض قرار ترمب، مؤكدة أنه «مخالف للواقع ويجافي الحقائق»، مشيرة إلى أنها «منفتحة على كل نقاش جاد على المستويات العربية والغربية كافة لإيضاح منهجنا».

سبق هذا البيانَ بيانٌ لجبهة ثانية في لندن تزعم التحدث باسم الجماعة ويرأسها القيادي الإخواني صلاح عبد الحق. وجاء في بيانها: «نرفض بشكل قاطع أمر ترمب الصادر في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) بشأن الجماعة». وزعم البيان أن التنظيم لا يعمل من خلال فروع، بل بكيانات منفصلة تتخذ قراراتها الخاصة وتتصرف وفقاً للقانون في البلدان التي توجد فيها، وعدّ التصنيف «يُقوّض الأمن القومي الأميركي والاستقرار الإقليمي». وأكد أن «الجماعة ستستخدم كل السبل القانونية المتاحة للطعن على هذه الإجراءات، وأنها تظل مستعدة للتعاون بحُسن نية في هذا الصدد مع الإدارة الأميركية».

في المقابل، قالت الجبهة الثالثة للتنظيم المصري بالخارج والمعروفة باسم «تيار التغيير»، إن «القرار لا يستهدف جماعة بعينها فحسب، بل يستهدف كل صوت حر، أو مقاوم للاحتلال»، مؤكدة أن «الإدارة الأميركية هي العدو الأول لحرية المنطقة». وبرأي فاروق، فإن تلك البيانات المتباينة «تؤكد أننا أمام تنظيم متراجع» وأن الضربة التي ستأتي من واشنطن (التصنيف الإرهابي) «ستكون حاسمة في مواجهة أي نشاط له». أما عبد المنعم فيرى أنه ليس أمام الجماعة سوى النشاط في المسار القانوني عبر محامين دوليين، وفتح قنوات تواصل مع أعضاء بالكونغرس، مع تحركات إعلامية مكثفة عبر منابرها، بالإضافة إلى السعي لـ«ترسيخ المظلومية الكاذبة لدى قواعدها الداخلية». وأوضح عبد المنعم أن الأفرع الثلاثة لـ«الإخوان» خاملة العمل، لكنها ستعمل على ترتيبات لمواجهة التصنيف المحتمل، مشيراً إلى أن القرار الأميركي لن يؤثر على الجماعة الأم في مصر، لكن آثاره ستلاحق المصريين المنتشرين بالخارج، لا سيما في أوروبا.

ولم تصدر السلطات المصرية بياناً بشأن تحركات ترمب، لكن الجريدة الرسمية في مصر نشرت، الثلاثاء الماضي، قرار محكمة جنايات القاهرة في 18 نوفمبر بمد إدراج جماعة «الإخوان» ومؤسسة «ميدان» الموالية لها و108 متهمين بالانتماء للجماعة على قوائم الكيانات الإرهابية لمدة 5 سنوات.

وأشار المحلل فاروق إلى أن نفوذ واشنطن أكبر من أي دولة، وبالتالي حتى لو هناك قرار بحظر للإخوان في مصر، فهذا سيعزز ضربات السلطات المصرية للتنظيم بصورة أكبر، فضلاً عن ملاحقة وتجفيف المنابع التابعة لها في الخارج، وسيمتد ذلك ليشمل فرع الجماعة المحظورة في الأردن، وفرعها أيضاً في لبنان. وتوقع عبد المنعم، من جهته، أن السلطات المصرية ستواصل رفضها للتصالح أو التسويات مع الجماعة، وفي المقابل ليس أمام التنظيم الدولي سوى تقديم تنازلات في مواجهة الحصارَين المالي والتنظيمي، داخلياً وخارجياً.


عصفورة ــ نصر الله... معركة عربية على رئاسة هندوراس

نصري عصفورة - سلفادور نصرالله (الشرق الأوسط)
نصري عصفورة - سلفادور نصرالله (الشرق الأوسط)
TT

عصفورة ــ نصر الله... معركة عربية على رئاسة هندوراس

نصري عصفورة - سلفادور نصرالله (الشرق الأوسط)
نصري عصفورة - سلفادور نصرالله (الشرق الأوسط)

ليس سابقة، ولا مستجدّاً، وصول متحدر من أصول عربية إلى سدّة الرئاسة في أميركا اللاتينية التي تعاقب عليها كُثر من أبناء المهاجرين الذين نزلوا في تلك البلاد عندما كانت لا تزال مواطنهم الأصلية ترزح تحت حكم السلطنة العثمانية. كانوا يُعرفون بالأتراك Turcos نتيجة حملهم وثائق سفر الدولة المستعمرة، قبل أن تنال بلدانهم استقلالها عن دول الانتداب التي ورثت السلطنة بعد انهيارها النهائي في أعقاب الحرب العالمية الأولى. لكن الانتخابات الرئاسية والعامة التي أُجريت يوم الأحد المضي في هندوراس شهدت سابقة تمثلت في أن المنافسة، في شوطها الأخير، انحصرت بين اثنين من المرشحين يتحدر كلاهما من أصول عربية، هما نصري عصفورة (67 عاماً) المولود من أب فلسطيني وأم هندورية، وسلفادور نصر الله (72 عاماً) المتحدر من أسرة لبنانية. وقد حبست هذه المنافسة أنفاس المراقبين طيلة أيام، في انتظار أن يتم حسمها، وبفارق ضئيل، لصالح أحدهما، علماً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب دخل مباشرة على خط الاقتراع الهندوري داعماً عصفورة، واصفاً إياه بالحليف الموثوق في دعم الحرية والديمقراطية ومحاربة تجارة المخدرات والمنظمات الإجرامية التي تقف وراءها.

بعد عملية فرز ماراثونية ومحاطة بمخاوف كثيرة من احتمالات تدخّل القوات المسلحة الهندورية لقلب النتائج لصالح المحامية ريكسي مونكادا (60 عاماً)، مرشحة الحزب اليساري الحاكم الذي كان قد أوكل إلى الجيش مهمة الإشراف على تجميع قوائم الاقتراع وفرزها في الثكنات العسكرية، وبعد سلسلة من التصريحات المتضاربة بين عصفورة ونصر الله اللذين كان كل منهما يطمئن مناصريه بأن الفوز بات حليفه، أعلن الناطق باسم المجلس الانتخابي الوطني، مساء الثلاثاء الماضي، أي بعد يومين على نهاية العملية الانتخابية وفرز ما يقارب من ثلثي لوائح الاقتراع، أن النتيجة هي «تعادل تقني» بين الاثنين (عصفورة ونصر الله) بعدما حصل كل منهما على قرابة 40 في المائة من الأصوات، في مقابل 20 في المائة لمرشحة الحزب الحاكم. وبعد يوم من ذلك، أظهر إحصاء جديد من هيئة الانتخابات أن سلفادور نصر الله، مرشح الحزب الليبرالي الوسطي، يتصدر الانتخابات الرئاسية بنسبة 40.34 في المائة بعد فرز 79 في المائة من الأصوات. وبيّنت هذه النتائج أن مرشح الحزب الوطني المحافظ عصفورة يليه بنسبة 39.57 في المائة.

وكانت المنافسة محتدمة بين المرشحين الثلاثة الساعين لخلافة الرئيسة اليسارية زيومارا كاسترو التي شغل زوجها مانويل زيلايا الرئاسة أيضاً قبل أن يُطاح بانقلاب عام 2009.

وعلى الرغم من أن التراجع القوي في التأييد الشعبي للحزب الحاكم (حزب «ليبري») بدّد المخاوف من احتمال التلاعب بالنتائج، بقي الترقّب على أشدّه لمعرفة الفائز في هذه الانتخابات التي تحولّت مسرحاً جديداً للمواجهة بين دونالد ترمب والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، سيّما وأن القانون الانتخابي في هندوراس يلحظ، في حال التعادل التقني، إعادة عملية الفرز بشكل مفصّل ومراجعة الطعون والقسائم المشبوهة، وإعادة الانتخابات بين المرشحين المتعادلين في مهلة لا تتجاوز عشرين يوماً إذا استمر التعادل. وكان هذا الاحتمال قد تعزز عندما وصل الفارق بين عصفورة ونصر الله إلى 515 صوتاً فقط. وتراجعت حدة التوتر الذي ساد في الساعات الأولى بعد تأكد هزيمة الحزب الحاكم، عندما أقرّ عدد من الوزراء في الحكومة الحالية بخسارة الرهان الانتخابي، وباشروا التحضير لتسليم مهامهم إلى الحكومة الجديدة.

لكن عاد التوتر ليسود الأجواء مع تأخر المجلس الانتخابي في تحديث النتائج، وخاصة بعد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الرئيسة الحالية، حيث نفت ما يشاع عن خسارة الحزب الحاكم، وأدانت «التدخل الأجنبي»، مشيرة بصورة مباشرة إلى الولايات المتحدة والرئيس ترمب، ومؤكدة أنها ستبقى «إلى جانب الشعب؛ لأن الانتخابات لم تحسم بعد».

نصري عصفورة

يتحدر نصري عصفورة من أسرة فلسطينية هاجرت إلى هندوراس أواسط القرن الماضي، وهو رجل أعمال ناشط في مجال البناء والعقارات، ومُجاز في الهندسة المدنية. بدأ حياته العامة متولياً مناصب مختلفة في بلدية تيغوسيبالغا، عاصمة البلاد، وبرز خلالها بتنفيذه عدداً من مشاريع البنى التحتية، متميزاً بروح عملية عالية وقدرة على حل المشكلات وسهولة في التعامل. أكسبه ذلك شعبية واسعة لازمته طوال مسيرته السياسية. وبعد محاولة فاشلة لتولي رئاسة بلدية العاصمة، نجح في محاولته الثانية عام 2013، ثم أعيد انتخابه في عام 2017، حيث بدأ يخطط للوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية.

تميّزت السنوات الثماني التي أمضاها في رئاسة بلدية العاصمة بتنفيذه عدداً كبيراً من مشاريع البنى التحتية الضخمة، خاصة في الأحياء الفقيرة التي ازدادت فيها شعبيته، لكن دون أن تمكّنه من الفوز في الانتخابات الرئاسية التي خاضها في عام 2021 وخسرها أمام الرئيسة الحالية تشيمينا كاسترو التي أصيبت بهزيمة قاسية في هذه الانتخابات. وعاد عصفورة مطلع السنة الحالية لخوض الانتخابات الأولية للحزب الوطني، وفاز على منافسته السيدة الأولى السابقة آنا غارسيّا بما يزيد على ثلاثة أرباع الأصوات التي تم الإدلاء بها، معززاً بذلك زعامته على التيار اليميني المحافظ الذي أوصله إلى رئاسة كبرى بلدان أميركا الوسطى.

يقوم برنامج عصفورة على خطته التي أعلنها في بداية حملته الانتخابية تحت عنوان «رؤية النجوم الخمس» التي تضمّ مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الرامية إلى وضع البلاد على «الطريق الصحيح»، حسب تعبيره. وتدور هذه الخطة حول محور مركزي لتنشيط الاقتصاد وإيجاد فرص العمل وتشجيع الاستثمارات الخاصة والأجنبية وتوفير الضمانات القانونية لها، فضلاً عن رقمنة الإدارة العامة والتعليم، ومشاريع إسكانية للطبقتين المتوسطة والفقيرة.

في السياسة الخارجية، يطرح عصفورة توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة للوصول إلى تحالف استراتيجي معها، واستعادة العلاقات مع تايوان بعد أن كانت الحكومة الحالية قطعتها لصالح بكين، والتقارب مع إسرائيل، وإبعاد هندوراس عن دائرة النفوذ الفنزويلي.

وإذا كان انحصار المنافسة بين مرشحين متحدرين من أصول عربية قد ميّز هذه الانتخابات الرئاسية في هندوراس، فإن دخول الإدارة الأميركية بشكل مباشر وعلني للتأثير في نتيجتها، يؤكد النمط الذي ينهجه الرئيس ترمب، منذ بداية ولايته الثانية في يناير (كانون الثاني) الماضي، داعماً المرشحين الذين يتماهون مع خطه السياسي، ومهدداً بعواقب اقتصادية في حال عدم وصولهم إلى الحكم. وهو توعد، مساء الاثنين الماضي، الحكومة الحالية في هندوراس بالجحيم إذا حاولت التلاعب بنتائج الانتخابات.

وكان الأسبوع الماضي قد شهد سلسلة من التصريحات والتغريدات للرئيس الأميركي على منصته «تروث سوشيال» أعلن فيها دعمه الصريح لنصري عصفورة ووصفه بالحليف الموثوق لمحاربة الشيوعيين ومهربي المخدرات، معتبراً أنه القادر على ترسيخ الحريات والديمقراطية في هندوراس. وكان لافتاً، في هذا الدعم المباشر، أن ترمب وضعه في سياق المواجهة مع فنزويلا وحلفائها في المنطقة، مثل كوبا ونيكاراغوا، وضمن مساعيه لمحاصرة الأنظمة اليسارية. وكانت اندفاعة الرئيس الأميركي لدعم عصفورة، الذي رجحت الاستطلاعات الأخيرة قبل الاقتراع أنه سيأتي في المركز الثالث، قد بلغت ذروتها عشية الانتخابات عندما أعلن أنه سيصدر عفواً كاملاً عن رئيس هندوراس الأسبق خوان أورلاندو هرنانديز الذي كان يقضي عقوبة بالسجن 45 عاماً في الولايات المتحدة بعدما أدانته محكمة أميركية بتهمة تهريب 400 طن من الكوكايين والتواطؤ مع منظمات إجرامية. وقد أثار هذا الإعلان، الذي كان يهدف إلى تجيير تأييد أنصار أورلاندو لصالح عصفورة، موجة من الانتقادات داخل الولايات المتحدة وخارجها، خاصة وأن واشنطن وضعت نشر قواتها في البحر الكاريبي وقبالة السواحل الفنزويلية تحت عنوان مكافحة تهريب المخدرات وقطع طرق الإمدادات التي تستخدمها المنظمات الإجرامية في المنطقة.

وفوز عصفورة في انتخابات الأحد الماضي التي شملت أيضاً تجديد البرلمان والمجالس البلدية، من شأنه، إذا ما تحقق فعلاً، أن يعيد المشهد السياسي في هندوراس إلى السياق اليميني المحافظ الذي تميّز به تاريخياً ولم تقطعه سوى فترات قصيرة من العهود الإصلاحية التي حاولت تقليص نفوذ الولايات المتحدة، علماً أن الأخيرة تملك في هذا البلد أكبر قواعدها العسكرية في أميركا الوسطى. وبنت الولايات المتحدة هذه القاعدة في أواسط ثمانينات القرن الماضي على مقربة من العاصمة، لتكون منصة لوجيستية تنتشر منها القوات الأميركية في المحيط الإقليمي، وكي تكون مقراً للقيادة الجنوبية للجيش الأميركي. ونتيجة لوجود هذه القاعدة، صار يُطلق على هندوراس لقب «حاملة الطائرات الأميركية» في المنطقة.

وتجدر الإشارة، في هذا الإطار، إلى أن آخر العهود الإصلاحية في هندوراس كان العهد الذي قاده الرئيس الأسبق مانويل زيلايا قبل سقوطه في انقلاب عسكري تحاشت واشنطن إدانته. وكان زيلايا قد علّق على إعلان الرئيس ترمب قرار العفو عن الرئيس السابق أورلاندو قائلاً إنه يهدف إلى «حماية ناهب الدولة»، مضيفاً أن الهزيمة التي مُني بها الحزب الحاكم في هذه الانتخابات لن تثنيه عن سعيه لإرساء أول تجربة يسارية حقيقية في هندوراس.

سلفادور نصر الله

هذه كانت محاولة نصر الله الرابعة للوصول إلى الرئاسة، وهو صحافي يتمتع بشهرة واسعة من وراء البرامج الرياضية والمنوعات التلفزيونية التي يقدمها منذ أكثر من أربعين عاماً. يتحدر من أسرة لبنانية. هاجر والده إلى هندوراس بينما هاجرت أمه إلى تشيلي. وهو اعتاد المفاخرة بأصوله العربية، وبالدور الذي لعبته الجاليات العربية في نهضة أميركا اللاتينية منذ مطالع القرن الماضي.

بدأ مسيرته السياسية عام 2011، وترشح لرئاسة الجمهورية في عام 2013 عن حزب مكافحة الفساد الذي كان شارك في تأسيسه بعد أن كانت هندوراس غارقة في سلسلة من الفضائح المالية، وفي دوامة من العنف الاجتماعي على يد المنظمات الإجرامية. ثم عاد وترشح للمرة الثانية في عام 2017 عن تحالف المعارضة المناهض للنظام الدكتاتوري. وفي عام 2021 أسس حزب سلفادور (مخلّص) هندوراس، وترشح عن التحالف الذي كان يضمّ هذا الحزب إلى جانب حزب الوحدة والابتكار، لكنه عاد وسحب ترشيحه لينضمّ إلى لائحة الرئيسة الحالية نائباً لها، ويستقيل من منصبه بعد أشهر من فوزها في الانتخابات؛ احتجاجاً على عدم تمتعه بالصلاحيات التي كانت وعدته بها. ويرجّح أن ذلك التحالف مع الرئيسة الحالية التي كانت قريبة من النظام الفنزويلي، هو الذي دفع الرئيس الأميركي ترمب إلى تأييد منافسه المرشح اليميني المحافظ نصري عصفورة. وفي مطلع هذا العام، انضمّ نصر الله إلى الحزب الليبرالي الذي اختاره مرشحاً رئاسياً له.

وفي أول تعليق له على العفو الذي أصدره ترمب عن رئيس هندوراس الأسبق، خوان أورلاندو هرنانديز، قال نصر الله إن الأخير يجب أن يمثُل أمام القضاء في هندوراس، وإنه سيطلب من واشنطن تسليمه، في حال فاز بالرئاسة. ومعلوم أن الفساد وارتباطه بتجارة المخدرات يشكلان تحدياً كبيراً لهندوراس التي تسجل أحد أعلى معدلات الجريمة في المنطقة. وحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، يعيش ما يقرب من ثلثي سكان هندوراس في الفقر، ويأتي 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من تحويلات مواطنيها المقيمين في الولايات المتحدة، والتي تبلغ عشرة مليارات دولار.

حقائق

أميركا اللاتينية... قوى اليمين تتمدد

من السمات المألوفة في المشهد السياسي الأميركي اللاتيني منذ عقود، وجود شخصيات متحدرة من أصول عربية، غالباً لبنانية، وأحياناً فلسطينية وسورية، في المناصب الرسمية العليا من وزراء في الحكومات، أو أعضاء في المجالس النيابية، أو زعماء نقابيين وقيادات في الحركات الثورية، وصولاً إلى سدة الرئاسة في بلدان مثل كولومبيا، والبرازيل، والأرجنتين، والإكوادور، وبوليفيا، والسلفادور، وهندوراس، والدومينيكان والباراغواي.

لكن الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في هندوراس الأحد الماضي ستعني، في حال الفوز غير المتوقع لمرشح الحزب اليميني المحافظ نصري عصفورة، أن المنطقة أمام منعطف يسمح بعودة القوى والأحزاب اليمينية إلى بسط سيطرتها على الحكم في أميركا اللاتينية، بعد سنوات من تمدد اليسار الذي استفاد من انكفاء الولايات المتحدة (قبل وصول ترمب إلى سدة الحكم في ولايته الجديدة) عن التدخل المباشر لدعم القوى اليمينية، وبخاصة العسكرية، في بلدان وازنة مثل الأرجنتين، والبرازيل، والبيرو وتشيلي.

وكان صعود القوى اليسارية والتقدمية في أميركا اللاتينية قد اتخذ أنماطاً مختلفة، حيث أنتج في معظم الحالات أنظمة ديمقراطية على النمط الأوروبي، تناوبت فيها الأحزاب السياسية على الحكم، وتعززت الحريات العامة والفردية. لكن مع وصول هوغو تشافيز إلى الحكم في عز الطفرة النفطية الفنزويلية، وظهور نيكولاس مادورو بعد وفاته، وجنوح دانييل أورتيغا في نيكاراغوا نحو نظام استبدادي، مالت هذه الأنظمة ناحية النمط الكوبي، وأحكمت قبضتها على السلطة والمؤسسات العامة، قاطعة الطريق أمام أي تناوب على الحكم. وبعد انهزام اليسار في الانتخابات البوليفية الأخيرة، وتزايد احتمالات وصول المرشح اليميني المتطرف أنطونيو كاتس إلى رئاسة تشيلي في الدورة الثانية من الانتخابات المقررة منتصف هذا الشهر، جاء بروز اسم نصري عصفورة في انتخابات هندوراس، مدعوماً بقوة من الرئيس الأميركي ترمب، ليفتح باب التساؤل حول ما إذا كان المد اليميني سيواصل توسيع دائرته، وما إذا كانت القوى اليسارية ستجنح بدورها نحو الاعتدال واحترام الإرادة الشعبية والتنازل عن السلطة بالطرق الديمقراطية في انتخابات حرة ونزيهة.



جنوب السودان... تغييرات حكومية بحثاً عن استقرار مفقود


نساء ينتظرن في مخيم للاجئين بجنوب السودان لتسلم مساعدات من برنامج تابع للأمم المتحدة 20 أغسطس 2025 (أ.ب)
نساء ينتظرن في مخيم للاجئين بجنوب السودان لتسلم مساعدات من برنامج تابع للأمم المتحدة 20 أغسطس 2025 (أ.ب)
TT

جنوب السودان... تغييرات حكومية بحثاً عن استقرار مفقود


نساء ينتظرن في مخيم للاجئين بجنوب السودان لتسلم مساعدات من برنامج تابع للأمم المتحدة 20 أغسطس 2025 (أ.ب)
نساء ينتظرن في مخيم للاجئين بجنوب السودان لتسلم مساعدات من برنامج تابع للأمم المتحدة 20 أغسطس 2025 (أ.ب)

نالت دولة جنوب السودان الاستقلال في عام 2011، غير أنها لا تزال تغرق في أزمات سياسية، تعمقت في 2013 باندلاع حرب أهلية، وتوقفت باتفاق سلام في 2018. لكن لا يزال الوضع الحالي يحمل مخاوف من عودتها وسط خلافات واسعة بين دوائر الحكم العليا وأصحاب القرار والنفوذ.ويوحي تكرار التعديلات الحكومية التي يجريها الرئيس سلفا كير ميارديت بأن البلاد تعيش «حالة عدم استقرار سياسي عميقة، ناتجة عن طبيعة النظام القائم على توازنات قبلية وحزبية هشة»، بحسب ما يقول محللون. ويقول هؤلاء إن «تغيير الوزراء والمسؤولين يُستخدم كأداة لإعادة ضبط موازين القوى بين النخب المتنافسة، واحتواء الولاءات المتقلبة داخل الجيش والحركات المسلحة، وضمان بقاء مركز القرار في يد الرئيس والمحيط الضيق حوله».

حاول جنوب السودان، على مدار عقود، أن يذهب للاستقلال تحت رايات عديدة حتى ناله في عام 2011. غير أن هذه الدولة ما لبثت أن غرقت في أزمات سياسية، تعمقت عام 2013 باندلاع حرب أهلية، وتوقفت باتفاق سلام عام 2018. لكن لا يزال الوضع الحالي يحمل مخاوف من عودة الحرب، وسط خلافات واسعة بين دوائر الحكم العليا وأصحاب القرار والنفوذ.

ذلك المشهد المرتبك سياسياً يترافق مع تغييرات حكومية مستمرة، مُصاحبة بتأجيل انتخابات كانت مقررة في نهاية عام 2024 إلى ديسمبر (كانون الأول) 2026، وهذا يعني، بحسب خبراء من جنوب السودان ودول جوار، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاستقرار السياسي مفقود»، وأن مستقبل البلاد على المحك إن لم يتم ضبط موازين القوى وحسم تفاهمات قريبة التزاماً باتفاق 2018، ومنعاً لتكرار مشهد 2013 القاتم.

تغييرات متكررة

في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أقال رئيس جنوب السودان كير ميارديت، دينغ لوال وول من منصب وكيل وزارة النفط، وعيّن مكانه تشول ثون أبيل، وهي المرة الرابعة التي ينقل فيها المنصب من أحد الرجلين إلى الآخر في أقل من شهرين.

وكان كير قد أقال ثون في البداية من منصب وكيل الوزارة، وهو المنصب الثاني في الوزارة والمسؤول عن المعاملات المالية، وعيّن لوال مكانه في أكتوبر (تشرين الأول)، ثم أعاد ثون إلى منصبه في 3 نوفمبر قبل أن يستبدل به مرة أخرى لوال بعد أسبوع. كما أقال كير أيويل نجور كاججور من منصب المدير الإداري لشركة نايلبت النفطية المملوكة للدولة.

ويعتمد اقتصاد جنوب السودان أساساً على مبيعات النفط الخام، التي تعثرت بفعل حرب أهلية عصفت بالبلاد أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 400 ألف شخص بين عامي 2013 و2018 بعد فترة وجيزة من انفصالها عن السودان عام 2011.

وفي 12 نوفمبر الماضي، ذكر مرسوم بثه التلفزيون الرسمي أن رئيس جنوب السودان كير أقال بنيامين بول ميل من منصبه نائباً للرئيس ونائباً لرئيس الحزب الحاكم، لينهي بذلك ارتباطاً برجل أثير على نطاق واسع أنه الخليفة المقرب له.

وأقال كير أيضاً محافظ البنك المركزي ورئيس هيئة الإيرادات، اللذين يُنظر إليهما على أنهما مقربان من بول ميل، الذي تم تعيينه بصفته أحد نواب الرئيس الخمسة في فبراير (شباط). ووجّه كير أيضاً بتجريد بول ميل من رتبة الجنرال، التي ترقى إليها في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي أغسطس (آب)، أقال رئيس جنوب السودان كير، وزير المالية ديير تونغ نجور، وجاء بمقرب منه هو باك بارنابا شول في «أحدث تغيير حكومي مفاجئ». وربطت جوبا بين الإقالة والتراجع الأخير في قيمة جنيه جنوب السودان.

وقتها كانت عملة جنوب السودان قد انخفضت نحو الثلث مقابل الدولار في شهرين. ويقول محللون إن عدم الاستقرار الاقتصادي وعدم التزام كير بدقة باتفاق السلام المبرم عام 2018 من بين العوامل التي تدفع العملة للهبوط.

وبذلك يكون كير قد أقال أربعة وزراء مالية منذ عام 2020، بخلاف ما قام به في مارس (آذار) من إقالة وزير الخارجية، بعد أقل من أسبوع من إقالة وزيري الدفاع والداخلية.

ويرى الباحث الجنوب سوداني في العلاقات الدولية تيكواج فيتر، أن «كثرة تكرار التعديلات في جنوب السودان تدل على عدم الاستقرار السياسي»، موضحاً أنه «في العلوم السياسية تُفسّر كثرة التعديلات الدستورية وتكرارها بأنهما من المؤشرات التي تعبّر عن عدم الاستقرار السياسي، والعكس صحيح». ونبّه فيتر أن «بقاء الحكومة لفترة دون وجود تغييرات في المناصب الدستورية مؤشر على الاستقرار السياسي على مستوى المناصب الدستورية، والعكس صحيح».

وقريباً من هذا الطرح، يعتقد المحلل السياسي التشادي، المختص بالشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن «تكرار التعديلات الحكومية في جنوب السودان، يعكس حالة عدم استقرار سياسي عميقة، ناتجة عن طبيعة النظام القائم على توازنات قبلية وحزبية هشة». وتابع: «يُستخدم تغيير الوزراء والمسؤولين كأداة لإعادة ضبط موازين القوى بين النخب المتنافسة، واحتواء الولاءات المتقلبة داخل الجيش والحركات المسلحة، وضمان بقاء مركز القرار في يد الرئيس والمحيط الضيق حوله».

ويشير هذا التكرار، بحسب عيسى، إلى «غياب مؤسسات حكم مستقرة وقواعد واضحة لتداول السلطة أو المساءلة، ما يجعل المناصب تدار بمنطق الترضيات السياسية وليس بمنطق الكفاءة أو البرامج».

وتؤدي تلك التغييرات إلى «إبطاء تنفيذ اتفاقات السلام، وتغذي شعوراً عاماً بغياب الثقة في الحكومة، وتؤثر على قدرة الدولة على بناء إدارة فعالة أو تقديم خدمات مستقرة»، وفق عيسى، نافياً أن «كثرة التعديلات تعكس حراكاً إصلاحياً حقيقياً في الوقت الراهن بقدر ما تعكس أزمة بنيوية في النظام السياسي أكثر».

صراع داخلي

وتثير هذه الإقالات و«موجة التغيير المستمر» في المناصب العليا في حكومة جنوب السودان التساؤلات حيال خليفة كير والمخاوف التي أثيرت حيال احتمالات العودة إلى الحرب الأهلية، بحسب ما نقلته «رويترز» نوفمبر الماضي تعليقاً على الاستعانة بالمقربين من كير.

ووفقاً للباحث الجنوب سوداني، تيكواج فيتر، فإن تلك التغييرات تعكس «صراعاً في عدة اتجاهات؛ بين النخبة الحاكمة وبعضها بعضاً، وبين النخبة الحاكمة والقوى الأخرى، وبين القوى الأخرى وبعضها بعضاً. وهذا الصراع يُستخدم كأداة لضبط التوازنات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في جنوب السودان».

ونبّه إلى أن «التغييرات الدستورية في جنوب السودان تعكس كلا الأمرين معاً: صراع داخل النخبة الحاكمة ومحاولات لضبط التوازنات بين القوى في جنوب السودان. فهي انعكاس لوجود صراعات داخل النخبة الحاكمة، وقد ظهر ذلك من خلال انقسام النخبة الحاكمة في مواقفها بشأن التغييرات الدستورية، حيث عبّرت عن قبول تعيين بعض الشخصيات ورفض البعض الآخر».

وهذا الصراع هو بين جيل قديم يضم القيادات التي شاركت في تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان أو انضمت إليها مبكراً وشاركت في الحرب من أجل الاستقلال، من جهة، والجيل الجديد من القيادات التي كانت جزءاً من القوات الصديقة للحكومة السودانية وحديثي العضوية من جهة أخرى، بحسب ما يضيف فيتر.

كما أن هذه التغييرات تعكس محاولات لإعادة ضبط التوازنات بين ثلاثة اتجاهات؛ الأولى ضبط التوازنات داخل الحركة الشعبية، والثانية بين القوى الشريكة في اتفاق السلام المنشّط، والثالثة بين القوى الحاكمة والقوى المعارضة، وفقاً لفيتر.

رئيس جنوب السودان سلفا كير (يمين) ونائبه الأول سابقاً رياك مشار (أ.ف.ب)

وفي بعض الأحيان، يستعين الرئيس كير ببعض الأفراد لفترة ثم يستعين بالمجموعة الأخرى التي يُفترض أنها تمثّل تحالفات بين القوى المعارضة، وفقاً للباحث الجنوب سوداني الذي يشير إلى أن التغييرات الدستورية والرغبة في الحصول على نصيب أدتا إلى إضعاف المعارضة نتيجة للصراع من أجل كسب رضاء النخبة الحاكمة، على حساب الأهداف التي أدت إلى تشكيل هذه التحالفات.

ويتفق صالح عيسى مع هذا التفسير بشأن الصراع الداخلي، قائلاً إن «هذه التغييرات تعكس في الغالب مزيجاً من الصراع داخل النخبة الحاكمة، ومحاولات مستمرة لإعادة ضبط التوازنات بين القوى السياسية والعسكرية».

ويقوم النظام السياسي في جنوب السودان، بحسب عيسى، على «شبكة معقدة من التحالفات القبلية والحزبية وشخصيات نافذة داخل الجيش والحركات المسلحة، ما يجعل أي تعديل حكومي مرتبطاً بشكل مباشر بإدارة تلك العلاقات الحساسة».

ولهذا تأتي الإقالات والتعيينات كـ«آلية لاحتواء خلافات النخبة، واستباق تفكك التحالفات، ومنع تصاعد نفوذ أطراف بعينها قد ينظر إليها كتهديد لمركز السلطة. وفي الوقت نفسه، تستخدم هذه التعديلات أيضاً لضمان توزيع المناصب بشكل يرضي المجموعات المؤثرة، ويبقي على الحد الأدنى من التوازن الضروري لاستمرار النظام، مما يجعلها أقرب إلى إدارة الأزمات منها إلى الإصلاح السياسي الفعلي»، وفق صالح عيسى.

مستقبل قلق

وليست التغييرات المتكررة وحدها ما يقف وراء مخاطر اندلاع حرب أهلية جديدة. ففي 13 سبتمبر 2024 عادت الأزمة السياسية مع إعلان مكتب الرئيس كير عن تأجيل الانتخابات المقررة في ديسمبر 2024 إلى نهاية 2026، بدعوى إكمال المهام الضرورية بالاقتراع، وسط تخوف غربي من انهيار اتفاق السلام.

وفي مارس 2025، عاد الاقتتال الداخلي بين جيش جنوب السودان ومجموعة مسلحة تُعرف باسم «الجيش الأبيض» في منطقة الناصر بولاية أعالي النيل وتم إلقاء القبض على عناصر مقربة من نائب الرئيس وزعيم المعارضة رياك مشار المجمدة صلاحياته.

ومشار قيد الإقامة الجبرية منذ مارس وكانت قواته المعارضة قد خاضت معارك مع القوات الموالية للرئيس كير خلال حرب أهلية استمرت من عامي 2013 إلى 2018 وأودت بحياة نحو 400 ألف شخص قبل أن يتم توقيع اتفاق سلام 2018 بين الجانبين.

وفي سبتمبر الماضي، أوقف كير نائبه الأول مشار عن العمل عقب اتهامه من قبل السلطات القضائية بـ«القتل والخيانة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية» على خلفية مزاعم بشأن ضلوعه في هجمات شنتها ميليشيا عرقية ضد قوات اتحادية في مارس.

وفي سبتمبر الماضي، اتهم محققون من الأمم المتحدة سلطات جنوب السودان «بنهب ثروات البلاد بطرق تضمنت دفع 1.7 مليار دولار لشركات تابعة لبنجامين بول ميل، أحد نواب رئيس الدولة، في مقابل أعمال إنشاء طرق لم يتم إنجازها مطلقاً»، حسبما أوردت وكالة «رويترز».

وأعلنت حكومة جنوب السودان، في مطلع ديسمبر الحالي، بدء تنفيذ خطة خفض قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد، وهي خطوة قالت إنه تم الاتفاق عليها مع البعثة الأممية بعد إعلان الأمم المتحدة عن «قيود مالية شديدة» تؤثر على عملياتها العالمية، ما دفعها إلى إعادة النظر في حجم قواتها المنتشرة حول العالم، بما في ذلك جنوب السودان.

وفي ظل تلك المتغيرات المتسارعة، لا يبدو مستقبل جوبا سياسياً واضحاً على نحو دقيق، بحسب ما يرى الباحث الجنوب سوداني في العلاقات الدولية تيكواج فيتر.

غير أن المحلل السياسي التشادي صالح إسحاق عيسى قال إنه «ليست ثمة ضمانة بأن مستقبل جنوب السودان يتجه نحو التفاهمات السلمية. الواقع الحالي يشير إلى أن البلاد أكثر ميلاً إلى الانزلاق نحو صدام جديد، ما لم تتغير معادلات السلطة بشكل جذري وتتحرك جماعات داخلية وإقليمية بفاعلية».

ويرى عيسى أن التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة ومن جهات حقوقية تفيد بأن السلام الهش أصبح مهدداً فعلياً، وأن الاتفاق السياسي الذي يفترض أن يحكم التعايش بين الأطراف بات ينتهك بصورة مستمرة. كما أن العنف المسلح بما فيه الضربات الجوية، والاشتباكات بين قوات الحكومة ومسلحين موالين للمعارضة يتصاعد، ما يزيد من فرص انزلاق شامل للنزاع.

ويستدرك صالح عيسى في نهاية حديثه قائلاً: «لكن يمكن أن تلوح أمام جنوب السودان فرص تفاهم، وإن كانت ضئيلة، إذا التزمت الأطراف السياسية برفع اليد عن القمع السياسي، وأطلقت حواراً شاملاً، وتم الضغط دولياً وإقليمياً لفرض هدنة حقيقية»، مشيراً إلى أنه «قد تتاح فرصة لإعادة بناء مؤسسات أكثر استقراراً وإنقاذ ما تبقى من اتفاق السلام».

ويؤكد أن «هذه الفرصة، حال ظهرت، ستكون بحاجة إلى إرادة سياسية قوية، وضغط خارجي وإقليمي جاد، واستعداد لحماية المدنيين وتعزيز المساءلة»، مشيراً إلى أن «الواقع المؤقت يوحي بأن الصدام، هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً في الغالب وليس التفاهم، ما لم تتغير المعطيات بشكل سريع وجذري».