انقسام أميركي ـ روسي في مجلس الأمن حول الانتخابات السورية

بيدرسن يدعو إلى اجتماع «الدستورية» في 24 أغسطس المقبل

اجتماع افتراضي لممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن مع المبعوث الأممي غير بيدرسن أمس (الأمم المتحدة)
اجتماع افتراضي لممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن مع المبعوث الأممي غير بيدرسن أمس (الأمم المتحدة)
TT

انقسام أميركي ـ روسي في مجلس الأمن حول الانتخابات السورية

اجتماع افتراضي لممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن مع المبعوث الأممي غير بيدرسن أمس (الأمم المتحدة)
اجتماع افتراضي لممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن مع المبعوث الأممي غير بيدرسن أمس (الأمم المتحدة)

وصفت واشنطن الانتخابات التشريعية التي أجريت الأسبوع الماضي في سوريا بأنها «ذريعة كاذبة» من نظام الرئيس بشار الأسد «لتقويض العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة»، مشيرة إلى «تقارير ذات مصداقية» عن قيام موظفي الاقتراع بتوزيع بطاقات الاقتراع المملوءة بالفعل بأسماء مرشحي حزب البعث. بينما عدّت موسكو أن ما حصل يؤكد أن «هياكل السلطة التشريعية التنفيذية (تعمل بشكل طبيعي)» في هذا البلد.
جاءت هذه المواقف خلال جلسة عقدها مجلس الأمن عبر الفيديو واستمع خلالها إلى إحاطة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، الذي أشار أولاً إلى أنه يتطلع إلى استئناف أعمال اللجنة الدستورية خلال الشهر المقبل. وقال إنه وضع قضية المعتقلين والمختطفين والمفقودين «في صميم جهودي» منذ بدأ مهمته مبعوثاً إلى سوريا، عادّاً أن هذه القضية الإنسانية «بإمكانها أن تبني ثقة كبيرة داخل المجتمع، وكذلك بين الأطراف والشركاء الدوليين». وأضاف أن «عدم إحراز تقدم أمر مؤسف»، مناشداً الحكومة السورية وكل الأطراف السورية «القيام بإفراجات أحادية عن المعتقلين والمختطفين». وقال: «يعاني السوريون الآن تسونامي آخر؛ وهو الانهيار الاقتصادي»، مشيراً إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم والبطالة وإغلاق مزيد من الشركات، ومعدلات انعدام الأمن الغذائي؛ إذ «اضطرت العائلات إلى تقليل عدد الوجبات». ولاحظ ارتفاع عدد المصابين بوباء «كوفيد19» في كثير من المناطق، داعياً كل الأطراف إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وتحدث بيدرسن عن «بعض التقدم» في اتجاه وقف عام لإطلاق النار في كل أنحاء البلاد وفقاً للقرار «2254»، علماً بأن «نشاط تنظيم (داعش) لا يزال يشكل مصدر قلق بالغ - في جنوب ووسط وشرق سوريا - مع ورود تقارير حول أعمال شغب بين معتقلي (داعش) في الحسكة. وآمل أن تعمل الأطراف الدولية الرئيسية من أجل إحراز تقدم في العملية السياسية الأوسع»، قائلاً إنه «فقط من خلال الحوار بين الأطراف الدولية، يمكننا أن نبدأ في معالجة كثير من التحديات التي تواجهها سوريا والسوريون؛ من الحاجات الإنسانية والاعتقال والنزوح والعنف والإرهاب إلى الفقر والتدهور الاقتصادي وانتهاك سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية واستقلالها». وأضاف: «لا نزال نستمع إلى وجهات نظر متباينة حول طبيعة هذه التحديات؛ فالنقاش حول مسألة العقوبات ليس سوى مثال واحد»، داعياً إلى «دبلوماسية دولية جادة ومهمة، لجسر الخلافات، بما في ذلك من خلال الخطوات المتبادلة». وأكد أن «هناك مصلحة مشتركة في مثل هذا الحوار» بين روسيا والولايات المتحدة. وحض على التقدم «خطوة بخطوة، من رسم طريق إلى الأمام لإنهاء معاناة الشعب السوري والسماح له بتحديد مستقبله».
وقال وزير الدولة الألماني نيلس آنين إنه «ينبغي أن يتحد مجلس الأمن لحض كل الأطراف على الإفراج الفوري عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفاً»، مشيراً بصورة خاصة إلى «النظام السوري الذي يحتجز الغالبية العظمى من المعتقلين». وأكد أن «السلام والمصالحة في سوريا لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال عملية سياسية تحت رعاية الأمم المتحدة تماشياً مع القرار (2254)». وكرر دعوة بيدرسن لوقف إطلاق نار كامل وفوري على الصعيد الوطني. وأضاف: «تواصل ألمانيا دعم كل الجهود، لا سيما جهود الآلية الدولية والنزيهة والمستقلة لسوريا ولجنة التحقيق، لضمان ألا تمر أخطر الجرائم والفظائع التي ارتكبت خلال الصراع السوري دون عقاب. سيحاسب الجناة، ويحصل الضحايا على العدالة». وطالب كل الدول الأخرى بـ«استخدام كل الوسائل القانونية المتاحة لها لملاحقة الجناة (...) ومكافحة الإفلات من العقاب».
وقالت المندوبة الأميركية كيلي كرافت: «نحن بحاجة إلى رؤية تقدم حقيقي ومفاوضات حقيقية. لا لالتقاط صور وفرص انتخابية بعيدة عن أن تكون حرة ونزيهة»، مضيفة أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ترى الانتخابات التشريعية التي أجريت في 19 يوليو (تموز) الحالي، «بالضبط ذريعة كاذبة لتقويض العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وواحدة من سلسلة طويلة من عمليات الاقتراع التي يديرها نظام الأسد، والتي لا توجد فيها للشعب السوري خيارات حقيقية لتحديد قادته». وكشفت عن أن «الولايات المتحدة تلقت تقارير ذات مصداقية عن قيام موظفي الاقتراع بتوزيع بطاقات الاقتراع المملوءة بالفعل بأسماء مرشحي حزب البعث»، علماً بأنه «لم يُسمح للسوريين المقيمين خارج البلاد - الذين يشكلون نحو ربع سكان سوريا قبل الثورة - بالتصويت». وقالت: «يجب أن تكون الانتخابات في سوريا حرة ونزيهة، وتشرف عليها الأمم المتحدة، وتشمل مشاركة الجالية السورية في الشتات. يجب أن يتحد المجلس في مطلبنا بإجراء أي انتخابات سورية مستقبلية بما يتماشى مع القرار (2254)، وأن يتحرك عمل اللجنة الدستورية لصياغة دستور سوري جديد، إلى الأمام دون تأخير».
وأكد نظيرها الفرنسي نيكولا دو ريفيير أن «العملية السياسية المشروعة الوحيدة تجري في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة»، داعياً إلى استئناف المباحثات في أقرب وقت ممكن استعداداً للاجتماع الثالث للجنة الدستورية. وقال إن «استمرار النظام في عرقلة عمل اللجنة الدستورية أمر غير مقبول»، مؤكداً أنه «من مسؤولية هذا المجلس أن يحيط علماً بذلك إذا تم تعطيل عمله مرة أخرى. لن تكون اللجنة الدستورية وحدها كافية لإحداث انتقال سياسي موثوق به»؛ بل «يجب تنفيذ جميع عناصر القرار (2254) من أجل تلبية توقعات الشعب السوري».
في المقابل؛ أشار المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا إلى إجراء الانتخابات التشريعية في سوريا، موضحاً أنها «الدورة الانتخابية الثالثة التي تمر بها البلاد منذ بداية النزاع المسلح». وقال إنه «من خلال تنظيم الانتخابات، تضمن السلطات السورية أن هياكل السلطة التشريعية منها والتنفيذية تعمل بشكل طبيعي». وإذ لفت إلى إعادة إطلاق اللجنة الدستورية، حض الجميع على «دعم العملية السياسية من خلال الانخراط مع الأحزاب السورية وتشجيعها على الحوار البناء». ورأى أن «السبيل الوحيد لإحلال السلام والاستقرار في سوريا هو إعادة وضع كل أراضيها تحت سيطرة دمشق، وتعزيز التسوية السياسية من خلال حوار شامل وجامع لكل فئات السكان السوريين. لكي يحدث هذا في أقرب وقت ممكن؛ يجب ألا ندخر جهداً».



المدارس الأهلية في صنعاء تحت وطأة الاستقطاب والتجنيد

الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي)

جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)
الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي) جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)
TT

المدارس الأهلية في صنعاء تحت وطأة الاستقطاب والتجنيد

الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي)

جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)
الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي) جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)

كثفت الجماعة الحوثية من استهداف قطاع التعليم الأهلي ومنتسبيه في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، من خلال إجبار الطلبة والمعلمين في عدد من المدارس الأهلية على المشاركة فيما تسميه الجماعة «تطبيقات عسكرية ميدانية»؛ بغية تجنيدهم للدفاع عن أجندتها ذات البعد الطائفي.

وبحسب مصادر تربوية يمنية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، دشنت الجماعة الحوثية خلال الأيام القليلة الماضية حملات تجنيد للطلاب والكادر التربوي من أجل استقطاب مقاتلين جدد إلى صفوفها.

الانقلابيون أخضعوا طلاباً وتربويين في صنعاء للتعبئة الفكرية والعسكرية (إكس)

ويفرض الانقلابيون الحوثيون على مديري المدارس الخاصة في صنعاء اختيار 15 طالباً و10 تربويين من كل مدرسة في صنعاء؛ لإلحاقهم بدورات تعبوية وعسكرية. كما تتوعد الجماعة - طبقاً للمصادر - الرافضين لتلك التوجيهات بعقوبات مشددة تصل إلى حد الإغلاق وفرض غرامات مالية تأديبية.

وأثار الاستهداف الحوثي الأخير للمدارس موجة غضب ورفض في أوساط الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، فيما اتهم التربويون الجماعة بالمضي في استغلال مؤسسات التعليم بعد تجريفها للحشد والتجنيد.

واشتكى أولياء الأمور في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من استهداف أطفالهم بعد أخذهم عنوة من فصول الدراسة دون معرفتهم إلى أماكن مجهولة لتدريبهم على القتال وغسل أدمغتهم بالأفكار المتطرفة، تمهيداً للزج بهم إلى الجبهات.

ونتيجة لذلك الاستهداف، شهد عدد من المدارس الأهلية في صنعاء غياباً ملحوظاً للطلبة والمعلمين الذي رفضوا استمرار الحضور، جراء ما يقوم به الانقلابيون من إجبار على الالتحاق بالدورات القتالية.

وأفادت مصادر تربوية في صنعاء بأن عدداً كبيراً من أولياء الأمور منعوا أبناءهم من الذهاب للمدارس، خصوصاً تلك المستهدفة حالياً من قبل الجماعة، وذلك خوفاً عليهم من الخضوع القسري للتجنيد.

تعبئة مستمرة

أجبر الانقلابيون الحوثيون مديري مدارس «التواصل» و«منارات» و«النهضة» «ورواد»، وهي مدارس أهلية في صنعاء، على إيقاف الدراسة ليوم واحد بحجة عقد اجتماعات معهم. كما ألزمت الجماعة من خلال تلك الاجتماعات المدارس بتوفير ما لا يقل عن 25 طالباً وتربوياً من كل مدرسة للمشاركة فيما تسميه الجماعة «تطبيقات عسكرية ميدانية».

وشهدت إحدى المناطق في ضواحي صنعاء قبل يومين تدريبات عسكرية ختامية لدفعة جديدة تضم أكثر من 250 طالباً ومعلماً، جرى اختيارهم من 25 مدرسة في مديرية الحيمة الداخلية بصنعاء، وإخضاعهم على مدى أسابيع لدورات قتالية ضمن ما تسميه الجماعة «المرحلة الخامسة من دورات (طوفان الأقصى)».

اتهامات لجماعة الحوثي بإجبار مدارس على تقديم مقاتلين جدد (إعلام حوثي)

ونقلت وسائل إعلام حوثية عن قيادات في الجماعة تأكيدها أن الدورة ركزت على الجانب التعبوي والقتالي، استجابةً لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي؛ استعداداً لما يسميه «مواجهة الأعداء وتحرير الأقصى».

يتزامن هذا التحرك الانقلابي مع استمرار معاناة عشرات الآلاف من المعلمين والتربويين في كافة المناطق تحت سيطرة الجماعة؛ بسبب انقطاع رواتبهم منذ عدة سنوات، مضافاً إليها ارتكاب الجماعة سلسلة لا حصر لها من الانتهاكات التي أدت إلى تعطيل العملية التعليمة بعموم مناطق سيطرتها.

وكانت الجماعة الحوثية أخضعت في أواخر أغسطس (آب) الماضي، أكثر من 80 معلماً وتربوياً في مديرية الصافية في صنعاء لدورات تعبوية وقتالية، كما أرغمت المدارس الأهلية في صنعاء، في حينها، على إحياء مناسبات ذات منحى طائفي، تُضاف إلى أنشطة تعبوية سابقة تستهدف أدمغة وعقول الطلبة بهدف تحشيدهم إلى الجبهات.

وتتهم عدة تقارير محلية وأخرى دولية جماعة الحوثي بأنها لم تكتفِ بتدمير قطاع التعليم في مناطق سيطرتها، من خلال نهب مرتبات المعلمين واستهداف وتفجير المدارس وإغلاق بعضها وتحويل أخرى لثكنات عسكرية، بل سعت بكل طاقتها لإحلال تعليم طائفي بديل يحرض على العنف والقتل والكراهية.