وزير الثقافة المغربي: «أصيلة» منظومة متكاملة

رأى في الفنون دواء لكل ما أفسده «كورونا»

الوزير الفردوس لدى تدشينه منحوتة للفنانة إكرام القباج
الوزير الفردوس لدى تدشينه منحوتة للفنانة إكرام القباج
TT

وزير الثقافة المغربي: «أصيلة» منظومة متكاملة

الوزير الفردوس لدى تدشينه منحوتة للفنانة إكرام القباج
الوزير الفردوس لدى تدشينه منحوتة للفنانة إكرام القباج

عدّ عثمان الفردوس، وزير الثقافة والشباب والرياضة المغربي، مدينة أصيلة (شمال المغرب) «منظومة ثقافية متكاملة، ونموذج لما يمكن أن نقوم به فيما يتعلق بإعادة تنشيط التنمية المحلية والسياحة وقطاع الثقافة، وغيرها».
وقال الفردوس: «في أصيلة، يتبيّن أنّ الثقافة تُعتبر بمثابة طاقة متجددة. إنّها كالشمس، مَن يقبل على الثّقافة ويقُمْ بخطوة نحوها يجد طاقة الشّباب والمبدعين والفنانين».
وجاءت تصريحات الوزير الفردوس خلال افتتاحه مساء الأربعاء، في مدينة أصيلة، سلسلة من التظاهرات الفنية المنظَّمة من قبل مؤسسة «منتدى أصيلة» من أجل إحياء دينامية العمل الجمعوي، وجعل الفن وسيلة للتعافي من تداعيات جائحة «كوفيد - 19».
وشدد الفردوس على أنّ الثقافة قد «تشكل دواء لكل ما أفسدته جائحة (كورنا)»، وزاد قائلاً: «بإمكان الثقافة أن تساعد على التعافي»، مبرزاً أنّ «الثقافة هي الحل».
وكانت مؤسسة «منتدى أصيلة» قد بادرت، في إطار سعيها إلى إحياء دينامية العمل الجمعوي بالمدينة في ظل الجائحة، إلى تنظيم هذه التظاهرة بين 15 و31 يوليو (تموز) للمساهمة في إذكاء شعور السكان بالمرح والطمأنينة عن طريق الفنون التشكيلية كأداة لمقاومة القنوط والاكتئاب.
وزار الوزير الفردوس، رفقة محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، وفاطمة الحساني، رئيسة جهة طنجة - تطوان - الحسيمة، الفعاليات الفنية المنظمة بالمدينة، ويتعلق الأمر بالصباغة على الجداريات بمشاركة 14 فناناً من جيل المبدعين المغاربة المرموقين، ومشغلاً مماثلاً خاصاً بأطفال أصيلة، ومعرضاً لأعمال مختارة للفنانين المشاركين في التظاهرة مقاماً في رواق المعارض بـ«مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية». كما افتتح الوزير الفردوس، معرضاً لأعمال الفنانين الصغار المنجز في «مرسم الطفل» خلال موسم «أصيلة الثقافي» الدولي الـ41، ومعرضاً للفنانين الأصيليين الشباب في قصر الثقافة، وزار أيضاً ورشة للكتابة حول بورتريهات الفنانين المشاركين، إلى جانب تدشينه منحوتة معدنية كبيرة للفنانة المغربية إكرام القباج، التي نُصبت في الوسط الدائري بمحج محمد السادس.
وقالت الفنانة القباج، إنّ المنحوتة تحمل اسم «دارات» أي «حسن المقام»، موضحة أنّ إنجاز هذا العمل الفني جاء بفضل «مؤسسة منتدى أصيلة»، وبدعم وتعاون مع شركات خاصة، موضحة أنّ المنحوتة «عبارة عن فن عمومي، والنحت ليس غريباً عن مدينة أصيلة، التي تتوفر على نحو 30 منحوتة، وتهتم كثيراً بالفن العمومي، والنحت على وجه الخصوص»، معربةً عن أملها في أن يزيد هذا العمل «مدينة أصيلة، الحاضرة العتيقة، جمالاً ورونقاً».
وفي مارس (آذار) الماضي، قرّرت «مؤسسة منتدى أصيلة» تأجيل تنظيم «موسم أصيلة الثقافي الدُّولي» الـ42، الذي كان مرتقباً هذا الصيف إلى صيف 2021.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.