القروض الصينية تتحول لكابوس يهدد اقتصادات دول أفريقيا

بلغت 180 مليار دولار عام 2018

TT

القروض الصينية تتحول لكابوس يهدد اقتصادات دول أفريقيا

ما زال المستثمر الزامبي ديباك باتيل، يتذكر تلك الزيارة العظيمة التي قام بها للعاصمة الصينية بكين واستقباله مع باقي أعضاء الوفد في قاعة الشعب الكبرى وصفوف الحرس الصيني والعشاء الفاخر وعزف فرقة الموسيقى العسكرية الصينية للعديد من الأغاني الزامبية المحلية.
في ذلك الوقت كان باتيل وزيرا للتجارة في زامبيا وشارك في الوفد الذي زار الصين لتعزيز العلاقات بين البلدين وتأمين التمويل الصيني لمشروعات البنية التحتية في زامبيا.
وفي حين كان أغلب أعضاء الوفد مستعدين للقبول بأي شيء يعرض عليهم لتمويل مشروعات مثل إقامة سد لتوليد الكهرباء واستاد لكرة القدم يسع حوالي 50 ألف متفرج، كان باتيل يدعو إلى توخي الحذر. ويقول باتيل في تصريحات لوكالة بلومبرغ للأنباء: «كانت وجهة نظري هي أننا نحتاج إلى إقامة شراكة استراتيجية (مع الصين) مع ضرورة التفكير باستمرار في ذلك، لكنني كنت مجرد صوت واحد في الحكومة».
يقول تقرير لبلومبرغ، إن تحذير باتيل ذهب أدراج الرياح وبدأت زامبيا تقترض من البنوك الصينية لتمويل إقامة المطارات والمستشفيات والمشروعات السكنية والطرق التي تربط بينها. وأصبحت الديون الصينية تمثل حوالي ثلث إجمالي الديون الخارجية لزامبيا، والتي زادت بمقدار 7 أمثال خلال العقد الماضي، مما أجبر الحكومة على طلب إعادة جدولة هذه الديون خلال العام الحالي.
والآن أصبح باتيل مستثمرا في قطاع العقارات وأقام دعوى قضائية للطعن في قانونية مليارات الدولارات التي اقترضتها زامبيا بدون الحصول على موافقة البرلمان. وقال باتيل: «لا أحد غير الحكومة يعرف شروط هذه القروض» والحكومة تقول إنها لا تحتاج إلى موافقة البرلمان على الاقتراض.
والآن أصبح باتيل واحدا من عدد متزايد من النشطاء وصناع السياسة في أفريقيا الذين يشككون في جدوى القروض الصينية للقارة الأفريقية والتي وصلت إلى حوالي 180 مليار دولار عام 2018 بحسب الباحثين في جامعة جونز هوبكنز الأميركية.
اتفاقيات أفريقية صينية لا يوقعها إلا «رجل مجنون»
يراجع البرلمان النيجيري حاليا القروض الصينية التي يقول أعضاؤه إن شروطها لم تكن في صالح البلاد. ويطالب النشطاء في كينيا الحكومة بإعلان شروط القروض الصينية المستخدمة في إقامة خط سكك حديدية بطول 470 كيلومترا. وقال الرئيس التنزاني جون ماجوفولي عن اتفاقية وقعها سلفه مع مستثمرين صينيين لإقامة ميناء ومنطقة اقتصادية بقيمة 10 مليارات دولار إنها اتفاقية «لا يوقعها إلا رجل مجنون».
وفي حين سيكون من الصعب جدا على الحكومات الأفريقية التي تعاني صعوبات مالية بالغة الحصول على الكثير من التنازلات من الجانب الصيني، فإن الموجة الوشيكة للعجز عن سداد القروض في أفريقيا ستمثل أكبر اختبار للنفوذ الصيني في المنطقة.
ويقول كريس ألدين أستاذ الشؤون الدولية في كلية لندن للاقتصاد، وفق بلومبرغ: «هذا يمكن أن يؤدي إلى أكبر تغيير في العلاقات منذ أصبحت الصين لاعبا اقتصاديا أساسيا في القارة... الحكومات والمجتمعات الأفريقية تطالب الصين بصورة متزايدة بتقديم حلول لهذه المشكلة»، في إشارة إلى مشكلة تراكم الديون والعجز عن سدادها.
ويمكن بسهولة ملاحظة الوجود الصيني في أفريقيا. ففي دولة غينيا بيساو الصغيرة توجد لافتات إرشادية باللغة الصينية على أحد مباني الحكومة. وفي موزمبيق تمول الصين مشروع الجسر المعلق الذي يبلغ طوله ميلين اثنين وهو أطول جسر معلق في القارة ويربط بين العاصمة والمنتجعات الساحلية وجنوب أفريقيا المجاورة. كما ساهمت الصين في تمويل مشروع متحف الحضارات السمراء في السنغال والذي يضم جناحا للفنون الصينية.
وقد أصبحت الصين أكبر ممول لمشروعات البنية التحتية في أفريقيا من خلال مؤسسات مثل بنك التصدير والاستيراد الصيني وبنك الصين للتنمية والتي تمول نحو 20 في المائة من المشروعات الكبرى في القارة بحسب مؤسسة ديلوت للاستشارات الاقتصادية.
في الوقت نفسه رهنت الحكومات الأفريقية العائدات المستقبلية لصادرات البلاد من السلع الخام مثل النفط والكاكاو والنحاس كضمانة لنحو ربع القروض الصينية.
نصيب الصين من ديون القارة الأفريقية يزداد
وبحسب تقديرات معهد كايل الألماني للدراسات الاقتصادية فإن نصيب الصين من ديون القارة الأفريقية الآن أصبح يزيد على إجمالي نصيب صندوق النقد والبنك الدوليين ودول نادي باريس مجتمعة، رغم أن مؤسسات التمويل الخاصة من مختلف أنحاء العالم ما زالت تمثل نحو نصف إجمالي الدين الخارجي للدول الأفريقية.
ونظرا لأنه لا يتم الإعلان عن الكثير من القروض الصينية للدول الأفريقية فهناك شكوك قوية في أن ديون أفريقيا للصين أكبر كثيرا من التقديرات.
وذكر معهد كايل أن نحو نصف القروض التي قدمتها الصين للدول النامية أي نحو 200 مليار دولار لم يتم تسجيلها لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حتى عام 2016.
ويعني غياب الإعلان عن القروض أن الكثير منها لا يخضع للتدقيق والمحاسبة وهو ما يثير المخاوف من وصول أغلب هذه الأموال في النهاية إلى جيوب المسؤولين الفاسدين أو الوسطاء. وهناك رجل أعمال من هونغ كونغ يدعى سام با ويعتقد أنه كان وسيطا في قروض بمليارات الدولارات في أفريقيا، وقد تم اعتقاله في الصين عام 2015 في إطار حملة ضد الفساد.
وتتهم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الصين بأنها تثقل كاهل الدول الفقيرة بديون لا يمكن سدادها، بهدف الاستيلاء على الأصول القيمة لتلك الدول وتعزيز نفوذها لدى حكوماتها. ولكن بعض الباحثين قالوا إن المخاوف من تداعيات القروض الصينية لدول أفريقيا مبالغ فيها.
ووفقا لدراسة أعدتها مبادرة بحث الصين وأفريقيا في جامعة جونز هوبكنز، فإن الصين لم تستحوذ على أي أصول ولم تلجأ إلى المحاكم لإجبار الدول المدينة على سداد ديونها. وبحسب معدي الدراسة، فإن الصين تفضل انتظار الدول المدينة حتى تطرح أصولها للخصخصة فتشتريها الشركات الصينية لسداد الديون كما حدث عندما باعت سريلانكا حصة الأغلبية في أحد الموانئ إلى شركة صينية عام 2017 لسداد ديون مستحقة للصين.



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.