مقابر «صحراء المماليك» في مصر مادة لجدل حكومي وأثري

مخطط لشق طريق يواجه انتقادات

المصحح: علي أبوزيد
المصحح: علي أبوزيد
TT

مقابر «صحراء المماليك» في مصر مادة لجدل حكومي وأثري

المصحح: علي أبوزيد
المصحح: علي أبوزيد

جددت عملية هدم بعض المقابر في منطقة «جبانة المماليك»، بالعاصمة المصرية القاهرة، الجدل مرة أخرى بشأن إزالة المباني التراثية والأثرية في مصر، واستحوذت قضية «مقابر المماليك» أو «صحراء المماليك» على اهتمامات المصريين خلال الساعات الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم نفي المسؤولين المصريين أثرية المقابر التي يجري هدمها بالمنطقة، فإن بعض المهتمين بالآثار انتقدوا عملية الهدم، وتغيير ملامح المنطقة، عبر إنشاء محور «الفردوس» الجديد في منطقة تعج بالمباني التاريخية والأثرية في قلب القاهرة.
ووفق الدكتور أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية في وزارة السياحة والآثار، فإنّ «محور الفردوس الجديد بعيد عن الآثار الإسلامية المسجلة بـ(قرافة المماليك)»، مشيراً إلى أنه «لم يتم هدم أي أثر، وأن المقابر الموجودة بالصور المنشورة بمواقع التواصل الاجتماعي هي مباني غير مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، وهي مقابر حديثة خاصة بأفراد».
ومع أن هذه المقابر غير مسجلة بصفتها آثار، فإن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وجه بتشكيل لجنة علمية فنية لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية، لتتم دراستها وبحث إمكانية عرض جزء منها في بعض المتاحف بصفتها جزءاً من تراث مصر المتميز، بحسب طلعت.
وأثارت هذه التصريحات موجة أخرى من الانتقادات، وعدها بعض المتابعين -على غرار رانيا إبراهيم- «متناقضة»، قائلة: «هل يعني عدم تسجيلها في سجلات الآثار أنها ليست تراثية أو أثرية أو مهمة... ضمها للمباني الأثرية يعد أولوية حالياً، بدلاً من هدمها». واتفق معها وليد محمود منصور، عبر تعليقه على صفحة وزارة السياحة والآثار الرسمية على «فيسبوك»، قائلاً: «ولماذا لم تجتمع اللجنة قبل الهدم لحصر كل المباني، ونقلها بشكل علمي، بدلاً من التعامل معها وهي أطلال؟!».
كانت منطقة مقابر المماليك في الأصل ميداناً لتدريب المماليك، أُطلق عليه اسم «ميدان القبق»، وهو عبارة عن ميدان واسع في وسطه برج عليه كرة، حيث يلف الشخص على حصانه بسرعة، ويضرب الكرة. ومع الوقت، بدأ سلاطين المماليك يبنون فيه قصوراً لهم، مثل السلطان قايتباي الذي بنى قصراً ومدرسة ومسجداً، وانتشرت بعده أعمال باقي السلاطين، وفق الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المنطقة لم يطلق عليها اسم (قرافة المماليك)، إلا في أواخر العصر العثماني، عندما امتد إليها عمران الجبانات، وأحاطت بها تماماً».
ويؤكد الكسباني أنها «ليست المرة الأولى التي تُزال فيها مقابر من المنطقة. ففي عام 1956، أُزيلت 1200 مقبرة لإنشاء طريق صلاح سالم. والمقابر التي أُزيلت أخيراً هي مقابر حديثة لأفراد، وقد طُلب من أصحابها نقل الرفات قبل إزالتها»، لافتاً إلى «وجود مشروع ترميم وتطوير مقابر المماليك الأثرية لتصبح مزاراً سياحياً».
وتضم منطقة «صحراء المماليك» التي يقدر عمر آثارها بأكثر من 500 عام، أكثر من 30 أثراً مسجلاً، وقد دفن بها السلطان قايتباي وبرقوق، وغيرهم من سلاطين المماليك.
بدوره، قال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في بيان صحافي، مساء أول من أمس، إنّ هذه المقابر ليست مسجلة بصفتها آثاراً، موضحاً أنّ «المباني التي تسجل بالآثار يشترط أن يمر عليها مائة عام، بموجب قانون عام 1983. وظهور بعض المقابر في الصور على أنّها قديمة لا يعني أنّها أثرية، لكنّها مقابر حديثة لأفراد»، مؤكداً أنّ «الطريق بعيد تماماً عن الحرم الأثري لمقابر المماليك».
ويعيش عدد كبير من سكان القاهرة في أحواش هذه المقابر حالياً. وقد عبرت أعمال سينمائية مصرية عدة عن هذه القضية ضمن معالجتها لأزمة السّكن خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، على غرار فيلم «كراكون في الشارع»، من بطولة الفنان عادل إمام. ويأتي ذلك وسط مطالبات بنقل المقابر من وسط القاهرة إلى الصحراء خارج القاهرة للاستفادة من هذه المنطقة المميزة، ولاستعادة الوجه الحضاري للعاصمة المصرية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.