الحكومة اللبنانية تقرر التدقيق في الحسابات المالية

وزراء «الثنائي الشيعي» تخوفوا من «التسييس» ومراقبة التحويلات

مجلس الوزراء اللبناني مجتمعاً أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون (دالاتي ونهرا)
مجلس الوزراء اللبناني مجتمعاً أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون (دالاتي ونهرا)
TT

الحكومة اللبنانية تقرر التدقيق في الحسابات المالية

مجلس الوزراء اللبناني مجتمعاً أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون (دالاتي ونهرا)
مجلس الوزراء اللبناني مجتمعاً أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون (دالاتي ونهرا)

تجنب وزراء الثنائي الشيعي المتمثل بـ«حركة أمل» و«حزب الله» أمس توتراً مع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب، بالتحفظ على التصويت داخل جلسة مجلس الوزراء على التعاقد مع شركة Alvarez & Marsal للتدقيق الجنائي بالحسابات المالية، من غير أن يلغي هاجسين لديهما، أولهما مساس التدقيق الجنائي المالي بنظام السرية المصرفية، وبقانون «مكافحة التطبيع مع إسرائيل».
وتبحث آلية «التدقيق الجنائي التشريحي» فيما إذا كانت العمليات المالية أجريت بشكل سليم دون أي مخالفات، ولا تكتفي بالتدقيق في الحسابات والتأكد ما إذا كانت الموجودات مطابقة للمطلوبات. فوفق التدقيق الجنائي، يتم التدقيق في أصل وأسباب إجراء العمليات المالية وتقصي الفساد وسوء الإدارة والهدر، والتحقق فيما إذا كانت العمليات المصرفية حائزة على موافقة قانونية. وسيبدأ التدقيق بموجب قرار مجلس الوزراء من حسابات مصرف لبنان، ما يتيح لشركة التدقيق الجنائي الولوج إلى العمليات المصرفية والتحويلات.
واعتبر رئيس الحكومة حسان دياب في مستهل جلسة مجلس الوزراء أن «أمامنا اليوم اعتماد شركة للتدقيق الجنائي في مصرف لبنان، هذا حجر الأساس الذي يُبنى عليه الإصلاح وسيكون قراراً تاريخياً في لبنان، وسيشكّل تحوّلاً جذرياً في مسار كشف ما حصل على المستوى المالي من هدر وسرقات، لذلك سيكون هذا القرار أحد أهم إنجازات الحكومة».
ورغم أن «حزب الله» لا يعارض التدقيق الجنائي التشريحي «من حيث المبدأ»، وقد صوّت عليه وزيراه قبل ثلاثة أشهر في الحكومة، ويربط تحفظه بالشركة التي يجري التعاقد معها على أساس ألا تشكل قلقاً أمنياً، بحسب ما تقول مصادر مطلعة على موقف الحزب، تتحدث مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» عن «هواجس من تسييس هذه العملية من قبل شركات لم يكتمل ملفها الأمني بعد»، لجهة «استخدامها في ملاحقة الحسابات المصرفية سياسياً وتركيب ملفات لشخصيات بغرض توظيفها ضمن قانون مكافحة الإرهاب»، عبر ملاحقة العمليات المصرفية لحسابات محددة بين المصارف والبناء عليها، بغياب أي آلية توضح ما إذا كان التدقيق سيطال التحويلات بين المصارف التي تجري حكماً عبر المقاصّة في المصرف المركزي، و«هو ما يُستنتج من نتيجة التصويت في مجلس الوزراء».
ووافق مجلس الوزراء أمس على التعاقد مع شركة Alvarez & Marsal للتدقيق الجنائي ومع شركتي kpmg وoliver waymang للتدقيق المحاسبي. وتحفظ الوزراء عماد حب الله وحمد حسن وعباس مرتضى عن التصويت، وقالوا إنهم يؤيّدون التدقيق ولكن التحفظ مرتبط بعدم وجود معلومات كافية عن الشركة وطبيعة مهامها بعد، وهم «لا يوافقون على شركة لها علاقة بإسرائيل»، كما لا يوافقون على «شركة تلزم لبنان بالتخلي عن نظام السرية المصرفية».
وأوضح وزير الصحة حمد حسن أنّه أصر مع الوزيرين مرتضى وحب الله على أهمية إجراء التدقيق المالي الجنائي، قائلاً: «وضعنا ورقة بيضاء لأن الشركات المدرجة إما لديها فروع في إسرائيل أو فيها خبراء إسرائيليون».
وقالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن وزيرة الدفاع ونائبة رئيس الحكومة زينة عكر، قالت خلال الجلسة إنها لا تضمن ألا يكون في الشركات المالية الأجنبية مساهمون أو مديرون أو موظفون إسرائيليون، وهو ما دفع الوزراء الشيعة إلى «التحفظ بموجب هذا الهاجس، وليس معارضة لمبدأ التدقيق»، مشددين على أن التحفظ هو «لأسباب أمنية». وأشارت المصادر إلى أن وزير الزراعة عباس مرتضى قال إنه يؤيد التدقيق لكنه لا يوافق على شركة لها أي صلة بإسرائيل. ولفتت المصادر إلى أن مجلس الوزراء «تخطى تقارير الأجهزة الأمنية حول شبهات بارتباطات شركات التدقيق الجنائي بإسرائيل، كما تخطى رأي هيئة الاستشارات والتشريع التابعة لوزارة العدل».
وقالت المصادر الوزارية إن الحكومة صوتت على التدقيق الجنائي وأقرته، «وسننتظر لمعرفة اتجاه الأمور»، مضيفة أن هذه الخطوة «تحتاج إلى ضمانات». وإذ أشارت إلى أنه «لا يمكن الذهاب إلى هيئات تتعامل مع هيئات منافسة وتطلع على خطتك، شددت على وجوب «البحث عن حلول في هذه المرحلة وليس البحث عن مزيد من المشاكل».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».