صدمة في شيكاغو بعد اعتقال 3 مراهقين حاولوا الانضمام إلى «داعش»

توقيف 15 أميركيا منذ بداية العام حاولوا السفر إلى سوريا.. وغالبية التجنيد عبر الإنترنت

زارين وشفيع خان، والدا المتهم محمد حمزة خان، يستمعان لأسئلة الصحافيين بعد جلسة محاكمة نجلهما في شيكاغو (أ.ب)
زارين وشفيع خان، والدا المتهم محمد حمزة خان، يستمعان لأسئلة الصحافيين بعد جلسة محاكمة نجلهما في شيكاغو (أ.ب)
TT

صدمة في شيكاغو بعد اعتقال 3 مراهقين حاولوا الانضمام إلى «داعش»

زارين وشفيع خان، والدا المتهم محمد حمزة خان، يستمعان لأسئلة الصحافيين بعد جلسة محاكمة نجلهما في شيكاغو (أ.ب)
زارين وشفيع خان، والدا المتهم محمد حمزة خان، يستمعان لأسئلة الصحافيين بعد جلسة محاكمة نجلهما في شيكاغو (أ.ب)

استيقظ محمد حمزة خان، 19 عاما، قبيل فجر 4 أكتوبر (تشرين الأول) ليصلي مع والده وشقيقه البالغ 16 عاما في مسجد الضاحية التي يقطنون بها في شيكاغو بولاية إلينوي الأميركي. وعندما عادوا إلى المنزل قبل السادسة صباحا بقليل عاد الأب إلى فراشه، بينما عكف ولداه سرا على رسم ملامح خطة يعكفان عليها منذ شهور. وتدور الخطة حول هجر الأسرة والوطن والسفر إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش».
وبينما كان الوالدان يغطان في نوم عميق، جمع خان 3 جوازات سفر أميركية حديثة وتذاكر طيران بقيمة 2600 دولار لتركيا كان قد اشتراها مسبقا لنفسه ولشقيقه وشقيقته البالغة 17 عاما. وتسلل المراهقون الثلاثة إلى خارج المنزل واستقلوا سيارة أجرة في الطريق إلى مطار أوهير الدولي.
كان من المفترض أن يتوجه خان إلى عمله في السادسة والنصف صباحا في أحد المتاجر المحلية، لذا علم أن والديه لن يقلقا لغيابه عندما يستيقظان. أما الشقيقان الأصغر فوضعا الوسادات مكانهما على الفراش وقاما بتغطيتها ليوهما والديهما أنهما نائمان.
وتركزت الخطة حول السفر إلى إسطنبول، ثم التنقل بسيارة إلى داخل سوريا للعيش داخل أراضٍ يسيطر عليها «داعش».
وترك كل من الأشقاء الثلاثة، الذين ولدوا بالولايات المتحدة لأبوين هاجرا من الهند، رسالة لوالديه يشرح فيها دوافعه.
وكتب خان: «لقد تأسست دولة إسلامية، وبالتالي أصبح فرضا على كل مسلم ومسلمة قادرين الهجرة إلى هناك. لقد سحق المسلمون بالأقدام لفترة طويلة للغاية... وهذه البلاد تعادي الإسلام والمسلمين علانية... ولا أريد لذريتي أن تنشأ في مثل هذه البيئة الملوثة».
أما شقيقته فكتبت: «الموت قادم لا محالة، وجميع الأوقات التي استمتعنا بها لن يكون لها قيمة ونحن على فراش الموت. إن الموت بميعاد، ولا يمكننا إرجاؤه أو تأخيره، أما ما فعلناه استعدادا للحظة الموت فهو الأمر المهم».
وفي خطاباتهم، أخبر الأشقاء الثلاثة، الذين ترعرعوا على مشاهدة أفلام الكارتون ولعب كرة السلة، والديهم أنهم يحبونهم، وطلبوا منهم الانضمام إليهم في سوريا، لكنهم أوضحوا أنهم قد لا يرونهم بعد ذلك، إلا في الحياة الآخرة. كما ناشدوهم عدم إبلاغ الشرطة.
بحلول الظهيرة طرق عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) باب منزل الأسرة، حاملين مذكرة تفتيش. وهنا سأل الأب المصدوم، شفيع خان: «لماذا؟»، فأجابه أحد العملاء: «أبناؤك محتجزون في المطار، في أثناء محاولتهم السفر إلى تركيا».
وعن هذا الموقف قالت الأم، زارين خان: «لقد صدمنا، ووقفنا متجمدين مكاننا». ويعد المراهقون الثلاثة من أسرة خان جزءا من عدد متزايد من الشباب الأميركي الذين ينضمون أو يحاولون الانضمام إلى «داعش» في سوريا أو العراق، فخلال هذا العام فقط احتجزت السلطات 15 مواطنا أميركيا على الأقل - 9 منهم إناث - لمحاولتهم السفر إلى سوريا للانضمام إلى المسلحين هناك. وجميع هؤلاء تقريبا من المسلمين في فترة المراهقة أو مطلع العشرينات من العمر، وألقي القبض عليهم جميعا تقريبا داخل مطارات أثناء انتظارهم لاستقلال طائرات. وذكر مسؤول أميركي رفيع المستوى أن الحكومة تتوقع مزيدا من عمليات إلقاء القبض.
يذكر أن السلطات تفرض رقابة وثيقة على «تويتر» و«فيسبوك» وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث يستهدف مسؤولو التجنيد التابعون لـ«داعش» الشباب من عمر 14 عاما.
من جهته، أوضح مدير «إف بي آي» جيمس بي. كومي، خلال كلمة ألقاها مؤخرا، أن «الدعاية التي يروجون لها مصقولة بصورة استثنائية، ويعمدون لنشر سمومهم عبر قرابة 23 لغة»، مضيفا أن الجماعة الإرهابية تحاول اجتذاب «المقاتلين وأزواجهم المحتملين..»..
وعندما وصل الأشقاء الثلاثة إلى المطار كان عملاء «إف بي آي» بانتظارهم. وذكر مسؤول أميركي لم يكشف هويته أن السلطات كانت تراقب اتصالات أحد المراهقين الثلاثة على الأقل، رغم أن «إف بي آي» لم تكشف كيف انتبهت إليهم بادئ الأمر.
وتم توجيه اتهام إلى حمزة خان بتوفير دعم مادي لمنظمة إرهابية، وبالتالي يواجه عقوبة تصل إلى السجن 15 عاما. وخلال جلسة استماع عقدت الشهر الماضي، أمر قاضٍ بحبسه من دون إمكانية دفعه لكفالة، واصفا إياه بأنه خطر على المجتمع.
أما شقيقاه، وهما قاصران لم يتم الكشف عن أسمائهما، فتم تسليمهما لوالديهما، وهما قيد التحقيق وقد يواجهان اتهامات جنائية.
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن وزارة العدل ليست متحمسة تجاه محاكمة الأفراد القصّر، لكنها ستضطر إلى ذلك عندما يبلغون درجة من الراديكالية تجعلهم مصدر تهديد محتملا. وأضاف: «ليس هناك الكثير من الخيارات الجيدة. وأعتقد أننا سنعاين المزيد من قضايا القصّر وصغار السن مستقبلا».
وداخل المحكمة الشهر الماضي، قال مساعد وكيل وزارة العدل، آر. ماثيو هيلر، إن خان وشقيقيه «يعتقدون أنهم ملزمون دينيا» بدعم «داعش». وأضاف: «هذه لم تكن رحلة وليدة لحظة عابرة، وإنما نتاج خطة معدة بحرص تتضمن التخلي عن أسرتهم وعن مجتمعهم ووطنهم والانضمام إلى تنظيم إرهابي أجنبي».
وقال إن حمزة خان «كان يحاول الانضمام إلى منظمة دعت لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وقتلت بالفعل مواطنين أميركيين وأبدت عزمها على ارتكاب إبادة جماعية».
إلا أن محامي خان، توماس أنتوني دركين، قال خلال الجلسة إن الحكومة تحاكم خان بسبب ما يعد «جريمة فكرية» تدور حول رفض أميركا دعم قيام «دولة إسلامية»، في إشارة إلى سيطرة «داعش» على أجزاء من سوريا والعراق وإعلان «الخلافة فيها». وقال إن الأشقاء الثلاثة رغبوا في العيش داخل ذلك «الوطن» وليس التحول إلى مقاتلين، وهي رغبة رغم ما تنطوي عليه من سذاجة وضلال فإنها ليست إجرامية.
وأشار دركين إلى خطاب ألقاه الرئيس أوباما في سبتمبر (أيلول) داخل الأمم المتحدة، قال فيه إن دعايات «داعش» «دفعت الشباب للسفر إلى الخارج لخوض حروبها، وحولت... شبابا واعدين إلى تفجيريين انتحاريين. ويجب علينا أن نطرح رؤية بديلة لذلك».
واستطرد دركين: «هذه هي الرؤية البديلة التي نحصل عليها اليوم: السجن. إذا رغبنا في حل هذه المشكلة، فإنها لن تحل بالتهديد بسجن الأفراد إلى الأبد... وإنما علينا إيجاد حل، لأنهم أطفال أميركيون... إنهم ليسوا همجيين. إنهم أطفالنا».
من جانبهم، أكد والدا خان، خلال مقابلة أجريت داخل مكتب دركين للمحاماة في شيكاغو مؤخرا، أنهما يشعران بحيرة بالغة حيال ما حاول أبناؤهما فعله. وقالت زارين خان من خلف حجاب ملون يخفي وجهها ما عدا عينيها: «ما كتبوه في هذه الخطابات ليس منا. هذه ليست تعاليمنا. هذا ليس ما نؤمن به. هذا حتى لا صلة له بأسرتنا أو أصدقائنا أو جيراننا - لا أحد مطلقا».
وأضافت: «لقد حاولنا أن نكون أفضل والدَين على الإطلاق. هذا كل ما بوسعي قوله، إننا بذلنا أقصى جهدنا. إنهم أولاد صالحون، لكن هذا الأمر هبط فجأة من الفراغ، ولا نزال نحاول تفهم حقيقة ما حدث».
يذكر أن حمزة خان ترعرع في منزل أميركي جميل بإحدى الضواحي، مع شجيرات فاتنة أمام المنزل وملعب صغيرة لكرة السلة في الفناء الخلفي. وحصل على جائزة اللياقة البدنية في الصف الدراسي الثامن. وقد تطوع في المسجد المحلي بالمنطقة، ومثل الأرجنتين خلال النموذج الوطني لمحاكاة الأمم المتحدة. وقد تخرج في مدرسة ثانوية إسلامية خاصة عام 2013، والتحق العام الماضي بجامعة بينيدكتاين، وهي مؤسسة تعليمية تتبع الروم الكاثوليك على بعد 10 أميال من منزله، حيث يدرس الهندسة وعلوم الحاسب الآلي.
أما والده، شفيع خان، فقد انتقل إلى شيكاغو قادما من الهند منذ 30 عاما، والتحقت زارين بزوجها منذ 20 عاما. وقالت إنهما يعتبران أنفسهما «مسلمين عاديين»، ليسا أكثر أو أقل تدينا عن أصدقائهما أو جيرانهما بضاحية بولينغبروك، التي يقطنها قرابة 73.000 نسمة جنوب غربي شيكاغو.
وقالت إنهما يحاولان الصلاة 5 مرات يوميا، لكن غالبا ما لا يتمكنان من ذلك. أما شفيع خان فلديه لحية كثيفة ويرتدي طاقية بيضاء، وقال إنه يحرص على ذلك اقتداء بالنبي محمد. أما زارين فتغطي رأسها ومعظم وجهها، الأمر الذي تعتبره دليلا على الاحتشام، وليس التدين المتطرف.
ومثلما الحال مع ملايين المسلمين الأميركيين، قال الزوجان خان، وكلاهما يحمل الجنسية الأميركية، إنهما حرصا على تربية أبنائهما على حب بلادهم ودينهم. وعندما سئلا ما إذا كانا يشعران بانتماء أكثر نحو الإسلام أم أميركا، قال شفيع: «كلاهما».
يذكر أن شفيع خان، 48 عاما، نال درجة علمية في العلوم البيئية من جامعة نورث إيسترن إلينوي وعمل لسنوات كثيرة كمخطط لدى منظمة مساعدات إنسانية.
أما زراين خان، 41 عاما، فقد درست علم الوراثة والميكروبيولوجي بجامعة هندية، لكنها تخلت عن دراستها لاضطرارها إلى الانتقال إلى شيكاغو مع زوجها.
ولدى الزوجين 4 أبناء - الثلاثة الذين ألقي القبض عليهم، بجانب طفلة في الثالثة. وعملت زارين لسنوات كثيرة مدرّسة في مدرسة إسلامية محلية.
وقد حاول الزوجان حماية أبنائهما من التأثيرات غير المرغوبة، فرغم امتلاكهما جهاز تلفزيون عندما كان الأطفال أصغر عمرا، فإنهما لم يشتركا في خدمة الكيبل. وجرى استخدام التلفزيون فقط في عرض أقراص «دي في دي» لأفلام كارتون وبرامج تعليمية منتقاة من المكتبة العامة.
عندما بلغ حمزة خان نحو 8 سنوات، تخلصت الأسرة من جهاز التلفزيون، لأنه أصبح لديهم حاسب آلي موصل بالإنترنت، وفرضا عليه رقابة وثيقة، وسمحا للأطفال بمشاهدة أفلام الكارتون وقراءة الأخبار عبر الإنترنت، لكن لم يسمحا لهم بالتجول عبر الإنترنت بمفردهم. وقالت زارين: «لم نرغب في تعريضهم للمواد التي تخص البالغين، وإنما أردنا الحفاظ على براءتهم. وأردنا توجيه ذكاءهم للدراسة وأن يصبحوا أناسا صالحين».
وقد التحق الأطفال بمدرسة إسلامية محلية، حيث درسوا المنهج الأميركي المعتاد من لغة إنجليزية ورياضيات وعلوم - إضافة إلى دروس حول الإسلام. أما ابنتهما، التي أكملت 18 عاما بعد القبض عليها بفترة وجيزة، فتلقت تعليمها في المنزل على يد والدتها كي تتخرج مبكرا في المدرسة الثانوية وتبدأ دراسة الطب.
وقد حفظ الأبناء الثلاثة القرآن باللغة العربية، والتحقوا جميعا بمدرسة إسلامية بدءا من الصف الرابع، وقضوا العامين ونصف العام التالية في دروس تحفيظ طوال النهار. من جهته، قال حبيب قدري، ناظر المدرسة الإسلامية التي ارتادها حمزة خان حتى الصف الرابع، والذي يكتب من وقت لآخر مقالات حول الشباب المسلم، إن عملية الحفظ تعد أمرا شائعا بين المسلمين ولا تعد مؤشرا على التطرف الديني.
وقالت زارين إن الأسرة قضت عطلات كثيرة معا، وانتقلوا بالسيارة إلى شلالات نياغرا وكنيتيكت، وكانوا يتسوقون بمتاجر «وول مارت» مثل أي أسرة أميركية عادية. وأضافت: «حاولنا أن نعرضهم لكل شيء. وحاولنا أن نغرس فيهم الأخلاق الحميدة، ولم تكن الحياة كلها تدور حول الإسلام فحسب، وإنما حاولنا إطلاعهم على أفكار مختلفة».
من ناحيته، قال عمر مظفر، أحد قيادات المجتمع المسلم الذي يدرس الدين الإسلامي في جامعة لويولا بشيكاغو وجامعة شيكاغو، إن الكثير من الأسر المسلمة، على ما يبدو، حاولت حماية أبنائها من الثقافة المحيطة. واستطرد بأنه منذ حرب الخليج عام 1991، وخصوصا منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، شعر بعض المسلمين بأنهم «محاصَرون» داخل المجتمعات الأميركية التي يعيشون بها. وقال: «إن هناك رغبة دفاعية تدفع الآباء والأمهات لسحب أبنائهم بعيدا عن كل شيء. ويشعر الكثير منهم أنهم في حيرة ولا يدرون ما ينبغي عليهم عمله، لذا يحاولون عزل أطفالهم».
غالبا ما تعرف تلك العملية بوضع الأطفال بـ«الشرنقة»، وهي تعني عزل الأطفال عن كل ما يتصل بالثقافة الأميركية من خلال منع التلفاز، والاتصال بالإنترنت، والاطلاع على الجرائد وإرسالهم إلى المدارس الإسلامية.
يقول مظفر: «يعتقدون أن المثل الأميركية غير أخلاقية، وهناك اعتقاد شائع بأن الأمر إذا كان أكثر صرامة فهو أبلغ في التقوى. وهذا من الأمور التي يتحتم علي الوعظ بشأنها طيلة الوقت».
والنتيجة، في غالب الأحيان، أن الأطفال المسلمين الأميركيين يجدون أنفسهم محاصرين بين عالمين. فهم أميركيون، غير أنهم يشعرون أن آباءهم يحاولون الانتقال بهم بعيدا عن محيط الثقافة الأميركية. وكل ذلك يجعلهم عرضة للوقوع تحت تأثير أولئك الذين يعدون بما هو أفضل، أي المكان الذي يتم الاحتفاء بهم فيه لأجل دينهم فحسب. أيضا، وفي الآونة الأخيرة، تنتشر تلك الدعاوى في صورة شبكة من عملاء التجنيد المجهولين ذوي قدرات الإقناع المخيفة على شبكات التواصل الاجتماعي والذين يغرون الحدثاء وصغار السن من الشباب بالانضمام إلى تنظيم داعش. وهم من وصفهم قادري بقوله «شيوخ غوغل».
وفقا لشفيع وزارين خان ووثائق المحكمة، يبدو أن «شيخ غوغل» الخاص بأولاد خان هو رجل يحمل اسما حركيا هو «أبو القعقاع»، والذي تواصلوا معه عبر موقع «تويتر». كان لدى حمزة خان وشقيقته حسابان على موقع «تويتر»، وكانا يدخلان على حسابهما من خلال هواتفهما الذكية نظرا لأن والديهما طالما كانا يراقبان استخدام الإنترنت في حاسوب المنزل.
وفي المحكمة، قال المدعي هيلر إن أطفال خان المراهقين كانوا يهدفون إلى تلبية دعوة أبو القعقاع للقائهم حين وصولهم إلى تركيا ومن ثم الانتقال برفقته إلى سوريا. وتشير المذكرات التي عثر عليها عملاء التحقيقات الفيدرالية حين تفتيشهم لمنزل خان إلى أن المراهقين كانوا متجهين إلى مدينة الرقة في نهاية المطاف، وهي معقل تنظيم داعش في سوريا. اتخذت شقيقة خان لنفسها اسم «أم البراء» على موقع «تويتر» وكانت تمهر تغريداتها بتوقيع (@deathisvnear - الموت قريب). قال المدعون إنه في شهر مايو (أيار)، غردت تقول إنها شاهدت فيلما لمدة ساعة من أفلام الدعاية لتنظيم داعش يسمى «صليل الصوارم»، الذي يعرض صورا ومقاطع فيديو لعمليات الذبح وغيرها من الأعمال الوحشية.
أخبر هيلر القاضي أنه في 28 مايو، وفي ما يبدو أنه عقب مشاهدة الفيلم المذكور، غردت تقول إنها «شاهدت صليل الصوارم حتى النهاية» متبوعة برموز تعبر عن القلب والوجه المبتسم. وقد وصف هيلر رد فعلها للفيلم المذكور بأنه «سعادة منطوية»، وقد اتخذها كدليل على أن أطفال خان يؤيدون أعمال العنف المنفذة من قبل داعش ويهدفون إلى الانضمام إليها والمشاركة فيها.
قال دوركين: «إنه أمر غارق في العبث أن تقول بطريقة أو بأخرى إنه بسبب تحميل أحدهم لإحدى الأفلام الدعائية فهو بطريقة أو بأخرى يعتبر خطرا على المجتمع الأميركي». وقال إن الفتاة كتبت تقول إن دورها في الخلافة سوف يكون، على الأغلب، الزواج بأحد المقاتلين، وليس أن تتحول هي ذاتها إلى مقاتلة.
كانت رسائل المراهقين الثلاثة التي خلفوها وراءهم مليئة بالخطاب الدعوي الذي لا يتسق مطلقا مع شخصياتهم ولا سبيل لهم إليه إلا من خلال عناصر التجنيد التابعة لتنظيم داعش. كتب حمزة خان يقول: «إنني مجبر على دفع الضرائب إلى الحكومة الأميركية. وتلك الأموال سوف تستخدم تلقائيا في قتل إخواني وأخواتي من المسلمين... لا يمكنني الجلوس هنا ببساطة تاركا إخواني وأخواتي من المسلمين يقتلون بأموالي التي أجنيها هنا بصعوبة بالغة... لا يمكنني الحياة في ظل قانون أخشى فيه من الإعلان عن معتقداتي. أريد أن أعيش في ظل الشريعة [القانون الإسلامي]... إن حياتي في راحة مع عائلتي بينما أهلي الآخرون يقتلون لهي أنانية فجة».
واستمر يقول: «إننا جميعنا نرى المجتمعات الغربية تزداد ابتعادا عن الأخلاق يوما بعد يوم. إنني أتوجه بدعوتي إلى عائلتي ليشاركوني الحياة لدى الدولة الإسلامية. حقا، إنهم يتعرضون للقصف، ولكن دعونا نتذكر أننا لم نخلق في هذا العالم للراحة».
قال شفيع وزارين خان، حال جلوسهما في مكتب دوركين أثناء أداء المراهقين الاثنين لفروضهما المنزلية في الغرفة الأخرى، إنهما يكافحان لفهم كيف يمكن لأطفالهما كتابة مثل تلك الأمور. ولم يكن دوركين ليسمح بإجراء المقابلات مع الأشقاء الأصغر سنا.
كانت عائلة خان تعرف أن أطفالها يستخدمون موقع «تويتر» وتطبيق المراسلة الفورية المعروف باسم (KIK)، ولكنهم قالوا إنهم لم يكونوا يعلمون أن الأطفال يتواصلون مع الغرباء في الخارج.
في الليلة السابقة على محاولة المراهقين مغادرة البلاد للأبد، قالت زارين خان إنها هي وابنتها جلستا معا تضعان صبغة الحناء على شعر كل منهما احتفالا بعطلة عيد الأضحى المقبلة. وقالت: «أعتقد أنهم تعرضوا لعملية غسيل مخ تامة إثر ما كانوا يقرأونه على شبكة الإنترنت. لا أود لأي أب أو أم أن يمروا بما نمر به الآن. إنه كابوس حقيقي. إننا نشكر إلهنا أن أطفالنا لا يزالون معنا، وليسوا هناك».

* خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ«الشرق الأوسط»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.