صناديق الاقتراع تغيب عن معظم مناطق شرق سوريا

لافتات انتخابية وسط العاصمة السورية لمرشحين إلى مجلس الشعب (أ.ف.ب)
لافتات انتخابية وسط العاصمة السورية لمرشحين إلى مجلس الشعب (أ.ف.ب)
TT

صناديق الاقتراع تغيب عن معظم مناطق شرق سوريا

لافتات انتخابية وسط العاصمة السورية لمرشحين إلى مجلس الشعب (أ.ف.ب)
لافتات انتخابية وسط العاصمة السورية لمرشحين إلى مجلس الشعب (أ.ف.ب)

«الناس لا يهمها من يرشح نفسه ومن يحصد أعلى الأصوات ويفوز ضمن القوائم الانتخابية؛ فتوفير مياه الشرب والكهرباء ورغيف الخبز أهم بكثير»، بهذه الكلمات بدأ المدرس الحكومي عبد العزيز الرجل الخمسيني المتحدر من مدينة الحسكة أقصى شمال شرقي سوريا، حديثه.
المدرس الذي يسكن في مناطق سيطرة النظام داخل المربع الأمني، رفض إعطاء صوته لمرشحي مجلس الشعب في دائرة مدينته، ويعزو السبب إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والانخفاض الحاد في سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي أجبره على العمل سائق سيارة أجرة. يقول: «أنا وعائلتي لم ندل بأصواتنا، فالانتخابات ليست في مكانها الطبيعي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. حري بالسلطة وضع خطط لتحسين الوضع المعيشي وإنهاء حالة الحرب المستمرة منذ 9 سنوات».
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» بالحسكة، لاحظنا تصدر صور ولافتات مرشحي دائرة المدينة شوارع وأحياء المربع الأمني إلى جانب صور كبيرة للرئيس السوري بشار الأسد، وتنافس 207 مرشح على 14 مقعدا بينهم 8 مقاعد ضمن الفئة (أ) و6 كراسي بالفئة (ب) تذهب عشرة منها لأعضاء حزب البعث الحاكم وأحزاب الجبهة التقدمية المتحالفة معها، و4 مقاعد فقط حصة المستقلين.
سيرين (36 سنة) التي تعمل في دائرة حكومية نقلت بأن نسبة الذين اقترعوا أمس لم تتجاوز 5 في المائة، علما بأن عدد سكان الحسكة الذين يحق لهم الانتخاب بحسب الإحصاءات الحكومية، بلغ نحو مليون و400 ألف نسمة. ووصفت الإقبال على صناديق التصويت بـ«الخجولة»، وذكرت بأن أولويات الناس ليست في مجلس الشعب «لأن رفع الرواتب وتحسين لقمة العيش وتوفير الخدمات الأساسية تمثل الأولوية المطلوبة والملحة التي يجب تنفيذها من قبل السلطة». واتهمت برامج مرشحي مجلس الشعب بـ«الشخصية»، وأن أعضاءها لا يمثلون طبقات السكان، وأضافت: «من يفوز سيسافر للعاصمة دمشق، وسيعيش بعيداً عن الناس الذين وعدوا بخدمتهم».
ويحتفظ النظام السوري بـ«مربعين أمنيين» في مدينتي الحسكة والقامشلي اللتين تقعان ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من تحالف دولي بقيادة واشنطن.
وكان القاضي سامر زمريق رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات السورية، قد قال في تصريحات صحافية لمواقع حكومية، إنه: «تم تحديد 149 مركزاً انتخابياً منها 63 مركزاً في مدينة الحسكة، و86 مركزاً في مدينة القامشلي». واختصرت الصناديق في مناطق سيطرة النظام، لرفض الإدارة الذاتية إجراء أي انتخابات تابعة للحكومة السورية ضمن مناطق سيطرتها.
لكن وليد (48 سنة) والذي يعمل سائق تكسي أجرة يتنقل بسيارته الصفراء بين مناطق نفوذ الحكومة والإدارة الذاتية، أخبر بأن الكثير من الناس الذين أقلهم أمس رفضوا المشاركة في مسرحية الانتخابات، وقال: «عند المرور من ساحة الرئيس ومشاهدتهم لقوائم المرشحين وصورهم يتأففون وتستفزهم حالة اللامبالاة من السلطة، أمبارح أغلب يلي ركبوا معي لم يصوتوا»، وأعرب عن رأيه بشكل ساخر ليقول: «الشعب وين والحكومة وين... لن أصوت لأي مرشح، هم لا يقدمون ولا يؤخرون إن فازوا ولن يصب شيء في مصلحة المواطن».
فيما علقت سوسن وهي موظفة حكومية تسكن ضمن المربع الأمني على إجراء العملية الانتخابية في بلد يشهد نزاعاً مسلحاً منذ 9 سنوات: «في هذه البقعة الجغرافية يتواجد فيها الأميركان والروس والأتراك والنظام وقسد ويقولون لك عرس ديمقراطي، هنا فقط يحدث انتخابات وحرب ومجاعة وتشرد ونزوح بنفس الوقت. نعم إنها سخرية القدر».
وغابت صناديق الانتخاب في مدينة الرقة وبلداتها، وريف محافظة دير الزور الشمالية، إلى جانب غيابها عن مدن وبلدات منبج وعين العرب (كوباني) والعريمة التابعة لريف حلب الشرقي، وهذه المناطق خاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية، ويقدر عدد ساكنها بنحو 4 ملايين نسمة.
بينما شدد لقمان أحمي الناطق باسم «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، بأن انتخابات مجلس الشعب لا تعني الإدارة «لا من قريب ولا من بعيد»، وأوضح في حديثه: «بالوقت الذي يتطلع فيه السوريون لحل سلمي للأزمة التي امتدت على مدى 9 سنوات، يصر النظام السوري على السير في نهجه وكأن شيئا لم يحدث منذ عام 2011 وإلى الآن»، وأشار بأنهم كانوا يتطلعون أن تدعو الحكومة قوى المعارضة ومختلف المكونات وشرائح المجتمع السوري إلى اجتماع وطني شامل، وأضاف قائلاً: «من أجل الحوار لحل الأزمة عبر الحوار السوري - السوري، ووضع مبادئ دستورية للدستور ومن ثم الذهاب إلى الانتخابات التشريعية العامة».



منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
TT

منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)

اتهمت منظمة حقوقية دولية بارزة الجماعة الحوثية بقمع المجتمع المدني، وتعريض المساعدات الإنسانية للخطر، وقالت إنهم مستمرون في احتجاز وإخفاء موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية. كما انتقدت الهجمات الإسرائيلية على موانئ الحديدة، واستهداف الحوثيين إسرائيل.

ووفق التقرير العالمي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» عن عام 2025، فإن الأطراف المتحاربة في اليمن، وخاصة الحوثيين، قمعت المجتمع المدني بشكل أكبر، وعرقلت تقديم المساعدات الإنسانية وعرَّضتها للخطر في عام 2024. كما احتجز الحوثيون وأخفوا تعسفياً العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني.

وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين بالمنظمة: «إن الحوثيين أظهروا نفاقاً حقيقياً، حيث قالوا إنهم يقفون مع الفلسطينيين الذين يواجهون القمع الإسرائيلي، بينما هم أنفسهم يضطهدون المجتمع المدني اليمني».

وطالبت الباحثة الحكومات والأمم المتحدة بالضغط على الجماعة للإفراج عن جميع الأفراد المعتقلين تعسفياً، وإدانة جميع الجهات الفاعلة التي تهدد المجال المدني والمساعدات الإنسانية باليمن، بما في ذلك إسرائيل.

الهجمات الإسرائيلية تهدد وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن لجهة استهدافها الموانئ (إكس)

ومع تأكيد المنظمة أن الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة؛ وهو نقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية، تُهدد توفير المساعدات، وقد ترقى إلى جرائم حرب، قالت إن الهجمات العشوائية التي شنها الحوثيون، والتي أصابت سفناً مدنية في البحر الأحمر وأسفرت عن مقتل مدنيين، وأصابت أهدافاً مدنية في إسرائيل، قد ترقى أيضاً إلى جرائم حرب.

اعتقالات وقيود

وفق التقرير، فإنه، ومنذ 31 مايو (أيار) 2024، اعتقل الحوثيون وأخفوا قسراً عشرات الأشخاص، بما في ذلك ما لا يقل عن 17 موظفاً في وكالات الأمم المتحدة وعدد من موظفي المنظمات غير الحكومية والسفارات الأجنبية والشركات الخاصة العاملة بالأراضي التي يسيطرون عليها.

كما أدت عرقلة الحوثيين للعمليات الإنسانية وقطع المعلومات داخل أراضيهم، إلى تفاقم تفشي الكوليرا الذي انتشر في جميع أنحاء اليمن وتسبَّب في وفاة 258 شخصاً من بين 95000 حالة مشتبه بها.

مناصرون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا له زعيمهم (رويترز)

واتهمت المنظمة جميع الأطراف اليمنية المتحاربة بفرض مزيد من القيود على حرية حركة النساء، وفي كثير من الحالات طلب منهن عند السفر ضرورة مرافقة أحد الأقارب من الذكور (المحرم). وذكرت أنه وفي 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استولى الحوثيون على السفينة التجارية «جالكسي ليدر»، واحتجزوا طاقمها المكون من 25 فرداً تعسفياً.

وأكد تقرير المنظمة أن الحوثيين هاجموا عدة سفن تجارية، وأطلقوا صواريخ عشوائية على إسرائيل، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب محتملة. وقالت إنه يتعين عليهم وعلى جميع الأطراف المتحاربة الإفراج فوراً عن جميع المعتقلين تعسفياً، والتوقف عن الاحتجاز التعسفي للأشخاص.

انتقاد الضربات الإسرائيلية

وفي تقرير آخر، انتقدت المنظمة الدولية قصف الجيش الإسرائيلي ميناءيْ رأس عيسى والحديدة، بالإضافة إلى محطة توليد كهرباء حزيز في صنعاء، وكلها تقع في مناطق سيطرة الحوثيين. وهي موانئ ضرورية لنقل الغذاء وغيره من احتياجات السكان الذين يعتمدون على الاستيراد، فنحو 70 في المائة من الواردات التجارية، و80 في المائة من المساعدات الإنسانية، يمر بهذين الميناءين.

ونقلت المنظمة عن أوكي لوتسما، الممثل المقيم لـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، القول إنها موانئ «بالغة الأهمية للأنشطة التجارية والإنسانية». في حين تصف روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، هذه الموانئ بأنها «خط الحياة لملايين البشر»، وأنها يجب أن تبقى «مفتوحة وتعمل». كما أن محطة توليد كهرباء حزيز هي المحطة المركزية في صنعاء، وتؤمِّن الكهرباء لسكان المدينة.

الهجمات الإسرائيلية استهدفت أعياناً مدنية في اليمن (إكس)

وأكدت المنظمة أن الهجمات المتعمَّدة على أعيان لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة هي جرائم حرب، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل بنى تحتية مهمة في اليمن.

فمنذ يوليو (تموز) 2024، هاجم الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ومحطات توليد الكهرباء في البلاد. وقُتل ستة مدنيين على الأقل، وأُصيب 80 آخرون جراء الهجوم في 20 يوليو على ميناء الحديدة وحده. ورأت المنظمة أن هذا الهجوم يرقى، على الأرجح، إلى مستوى جريمة حرب.

وقالت «هيومن رايتس ووتش» إنه إذا كانت هجمات الحوثيين بالطائرات المُسيّرة والصواريخ على إسرائيل تستهدف مدنيين أو أعياناً مدنية بشكل متعمَّد أو عشوائي، فقد ترقى هي أيضاً إلى مستوى جرائم حرب. وقالت إنه على السلطات الإسرائيلية والحوثية أن تُنهي فوراً جميع هجماتها غير القانونية، بما فيها تلك التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية المدنية.