إعلام «الخلافة»

إعلام «الخلافة»
TT

إعلام «الخلافة»

إعلام «الخلافة»

في مطلع التسعينات الفائتة، لم يكن لوكالة أنباء «الأناضول» التركية سوى مراسل واحد فقط في أي من العواصم العربية المؤثرة، كما لم تكن تلك الوكالة الحكومية تصدر نشرات باللغة العربية، ولم يكن هناك بالطبع مسلسلات تركية مدبلجة بتلك اللغة تغرق شاشات تلفزيونات المنطقة، ولم تكن هيئة الإذاعة التركية المملوكة للدولة (تي آر تي) تبث قناة موجهة للعرب.
لكن ما حدث لاحقاً كان مثيراً للدهشة وداعياً للتفكير من جانبين؛ أولهما ضخامة الموارد والجهود التي بذلتها أنقرة لاختراق المنطقة العربية إعلامياً، وثانيهما أن تلك الجهود التي انتظمت ضمن استراتيجية واضحة وفعالة انطلقت بقوة كبيرة عشية اندلاع الانتفاضات العربية قبل نحو عقد من الزمان.
تقول الحكمة التركية: «الكلام الجميل يفتح الأبواب المغلقة»، والواقع أن أنقرة لم توفر كلاماً «جميلاً» تجاه العالم العربي عشية اندلاع الانتفاضات، بل هي حرصت على أن تتودد وتتقرب، سواء عبر المسلسلات التي نقلت صور القصور الفاخرة، والممثلات الحسان، والنجوم الجذابين، أو من خلال منظومة إعلامية ضخمة ومتكاملة أخذت في التشكل والازدهار لاستهداف جمهور يمتد من المحيط إلى الخليج.
لم تقتصر المقاربة الإعلامية التركية لقضايا المنطقة على التغلغل الدرامي، لكنها اتسعت لتقدم آلة إخبارية ضخمة ومتنوعة، وقبل نهاية العقد الأول من الألفية كانت «تي آر تي» تطلق نسختها العربية، المتضمنة قناة فضائية وموقعاً إلكترونياً.
في عام 2012، تحول مكتب «الأناضول» الذي لم يكن يمتلك سوى مراسل واحد في القاهرة إلى مكتب إقليمي ضخم يضم نحو 43 مراسلاً ومصوراً صحافياً، وقد تم تدشين المكتب آنذاك بمباركة وتشجيع كبيرين من السلطات «الإخوانية» التي كانت تحكم مصر آنذاك.
وفي تعليقه على هذا التطور الكبير، قال المنسق الدبلوماسي العام لرئاسة الوزراء التركية جمال الدين هاشمي في مايو (أيار) 2013: «علينا الاعتراف بأن إصدار وكالة (الأناضول) نسختها العربية للمرة الأولى في تركيا يعد ثورة تعادل ثورات الربيع العربي»، مشيراً إلى أن تدشين صفحات عربية لوسائل الإعلام التركية «يأتي في إطار التحول السياسي الذي تعيشه تركيا خلال العقد الأخير».
نحن نفهم الآن هذا التحول السياسي الذي تعيشه تركيا، بوصفه تحولاً من دولة إقليمية مهمة تتفاعل مع جيرانها في إطار تحقيق مصالح يجدر أن تكون متوازنة إلى دولة تريد أن تبسط هيمنتها على المنطقة استناداً إلى ميراث «الخلافة العثمانية».
في مسلسل «السلطان عبد الحميد»، الذي أنتجته «تي آر تي»، بتكلفة بلغت نحو 12 مليون دولار، وقف السلطان يخاطب أتباعه قائلاً: «أريد أمة واحدة من جبل طارق إلى جزيرة جاوة، أمة قد آمنت، سماء ناصعة واحدة يعلو فيها صوت واحد هو صوت الآذان، جيش واحد، جيش الرحمة في السلام، وجيش الرهبة في الحرب... هذه خريطتي وهذا حلمي، ومن سيتعب فليغادر الآن».
وخلال عرض هذا المسلسل، الذي تلقى دعماً ترويجياً وتسويقياً هائلاً، تحدث الرئيس إردوغان إلى بعض أتباعه أثناء زيارة ميدانية لإحدى المناطق الريفية التركية، فحضهم على مشاهدة المسلسل، قائلاً: «تابعوا مسلسل السلطان عبد الحميد... لقد كان قائداً تاريخياً مجاهداً مدافعاً عن وحدة الإسلام ومصالح تركيا».
تلك هي الخطة إذن: «استغلال الدراما والإنتاج الفني والإعلامي من أجل ترويج خطة إردوغان في المنطقة».
قررت تركيا، عشية اندلاع الانتفاضات، تكثيف اهتمامها بالتوجه للتأثير في عقول العرب وقلوبهم، عبر إطلاق منصات ناطقة بالعربية، وتعزيز التمركز العربي لوكالة الأناضول الرسمية، وإنشاء عدد من المواقع الإلكترونية والمراكز البحثية المتخصصة، حيث ستهتم هذه المنصات بـ«عرض البانوراما التركية على المشاهد العربي»، وإجراء حوارات مع مثقفين أتراك وعرب، وتنظيم لقاءات بينهم، لإحداث مزيد من التقارب والألفة بين الجانبين، كما ستركز على إبراز «عظمة» تركيا، و«عظمة» قائدها إردوغان، و«عظمة» تاريخها، و«عظمة» الخلافة العثمانية، قبل أن تشن الحروب والهجمات النارية على النظام السوري (حليف الأمس)، وعلى الخليجيين باستثناء قطر، وعلى مصر بعد إطاحة «الإخوان»، وعلى حفتر في ليبيا، وعلى كل موقف سياسي أو جهة لا تفتح الباب أمام العثمانية الجديدة، ولا تؤمن بزعامة إردوغان.



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».