عرب أميركا اللاتينية ونجاحاتهم السياسيةhttps://aawsat.com/home/article/2396246/%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%AD%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9
من أوائل المتحدرين من أصول عربية الذين تولّوا رئاسة الجمهورية في أميركا اللاتينية خوليو طربية، الذي هاجر مع أهله وهو في الثانية من العمر إلى كولومبيا من بلدة تنّورين (شمال لبنان) في عشرينات القرن الماضي. وبعدما جمع والده ثروة طائلة من التجارة وخسرها خلال النزاعات الأهلية التي عرفت هناك بـ«حرب الألف يوم»، اضطر خوليو للعمل باكراً لمساعدة عائلته وترك الدراسة في المرحلة الثانوية، الأمر الذي كان خصومه السياسيون يعيبونه عليه دائماً. وبعدما تمكنّت العائلة من استعادة بحبوحتها انصرف طربية للعمل السياسي في صفوف الحزب الليبرالي. وعُيّن وزيراً للخارجية بعد توليه منصب سفير في الأمم المتحدة ولدى بريطانيا والولايات المتحدة، ثم تولّى رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت في العام 1967 قبل أن يُنتخب رئيسا في العام 1978 وقبل وفاته بعامين زار طربية وعائلته مسقط رأسه في لبنان عام 2003. وفي الأرجنتين، وصل كارلوس منعم إلى الرئاسة في العام 1989عن الحزب البيروني بعدما كان حاكماً لولاية لا ريوخا، التي تعيش فيها جالية كبيرة متحدّرة من أصول عربية. وكانت أسرة منعم قد هاجرت من بلدة يبرود غرب سوريا أواخر القرن الـ19 واستقرّت في تلك الولاية التي أصبحت لاحقاً المعقل الرئيسي لحزب العدالة الذي أسسه خوان دومينغو بيرون، ومنه الرئيس الحالي للأرجنتين. وكان منعم قد اعتقل لفترة قصيرة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح ببيرون قبل نهاية ولايته الرئاسية الثانية. إبان رئاسته تولّى شقيقه إدواردو منعم رئاسة مجلس الشيوخ. وما يستحق الذكر أن كارلوس منعم، المولود في عائلة مسلمة، قد اعتنق المسيحية عندما قرّر خوض معركة رئاسة الجمهورية التي كان الدستور الأرجنتيني يشترط الانتماء إلى الديانة المسيحية لتولّيها. غير أنه قبل أشهر من الانتخابات جرى تعديل الدستور بحيث لم يعد ذلك شرطاً لتولّي الرئاسة.
البرازيل حيث الجالية الأكبر
في البرازيل، حيث تعيش الجالية المتحدرة من أصول عربية الأكثر عدداً، تولّى ميشال تامر رئاسة الجمهورية في العام 2016 بعد عزل الرئيسة ديلما روسّيف بسبب فضائح فساد مالي وتلاعب بموازنة الدولة. وكان تامر رئيساً لمجلس النواب الذي صوّت لعزلها، وكان هو أيضا ملاحقاً بتهم فساد ما زالت أمام المحاكم البرازيلية. وتامر متحدر من أسرة لبنانية هاجرت إلى البرازيل في عام 1925 من بلدة بتعبورة الصغيرة في ريف لبنان الشمالي. وفي عام 2018 كان مرشّح حزب العمّال لرئاسة جمهورية البرازيل يتحدر هو الآخر من أصول لبنانية وهو فرناندو حداد، لكنه خسر أمام الرئيس الحالي اليميني جاير بولسونارو. هذا، وسبق لمتحدّر آخر من أصول لبنانية أن ترشـّح لرئاسة البرازيل هو باولو معلوف الذي لم يحالفه الحظ في انتخابات عام 1985، وهو كان حاكماً لولاية ساو باولو التي سعى لنقل عاصمة البلاد إليها باعتبارها المدينة الأكبر وعاصمة الولاية الأغنى. في أميركا الوسطى، انتخبت السلفادور أول رئيس لها يتحدّر من أصول عربية في عام 2004 هو إلياس السقّا المولود في أسرة هاجرت من مدينة بيت لحم في فلسطين، والطريف أن منافسه في انتخابات الرئاسة متحدر آخر من أصول فلسطينية هو شفيق حنضل الأمين العام للحزب الشيوعي وأحد القادة التاريخيين لحركة تحرير السلفادور «فارابوندو مارتي». ويتولّى رئاسة جمهورية السلفادور حالياً نجيب بو كيلة... المتحدر هو أيضا من أصول فلسطينية. الوجود الفلسطيني فرض وجوده في بوليفيا عام 1978 عندما انتخب أوّل رئيس لها متحدر من أصول عربية هو خوان حزبون، الذي هاجرت عائلته من فلسطين (بيت لحم) في العقد الثالث من القرن الماضي، وكان قد تدرّج في مناصب عسكرية رفيعة بينها قيادة سلاح الجو قبل أن يتولّى وزارة الداخلية في حكومة الرئيس هوغو بانزير أشهر الرؤساء الذين تعاقبوا على بوليفيا. لكن وصول حزبون إلى الرئاسة بقي لسنوات مثار جدل عميق في الأوساط السياسية، إذ إن المحكمة العليا قررت إلغاء تلك الانتخابات بعد يومين من إجرائها عندما تبيّن أن هناك عملية تزوير ضخمة لصالح حزبون الذي قام بتدبير انقلاب عسكري ضد خصمه ورئيسه السابق الجنرال بانزير. وبعد أربعة أشهر من توليّه الرئاسة أطاحه انقلاب عسكري آخر. حالة بروز المتحدرين من أصل لبناني في المشهد السياسي للإكوادور، أيضاً تستحق التوقف عندها. إذ من الظواهر الأساسية في هذا المشهد خلال العقود الخمسة الأخيرة عائلة المهاجر أسعد بوكرم، الذي كان يسيطر على مقاليد الحياة الاقتصادية والسياسية في مدينة غواياكيل، كبرى مدن الإكوادور وعاصمتها الاقتصادية. ولقد جمع أسعد بوكرم ثروة طائلة من خلال أنشطته التجارية المتعددة في غواياكيل التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون متحدّر من أصول عربية، معظمهم من المهاجرين اللبنانيين. فكان رئيسا لغرفة التجارة والصناعة فيها، ثم رئيساً للبلدية قبل أن يصبح رئيساً للبرلمان الوطني ولاعباً رئيسياً في الحياة السياسية. وكان بوكرم موصوفا ببلاغته الخطابية وجرأته التي دفعته إلى الوقوف بوجه النظام العسكري ما اضطره لسلوك طريق المنفى إلى بنما بين 1970 و1972، وعندما قرّر الترشّح لرئاسة الجمهورية عام 1978 منعه العسكر بحجة أن والديه ليسا من مواليد الإكوادور، فاتجه إلى ترشيح زوج ابنة أخيه خايمي رولدوس الذي انتخب رئيساً في العام التالي. لكن بعد انتخابه بسنتين مات رولدوس في حادث طائرة مع زوجته مرتا بوكرم وعدد من معاونيه. وأشارت تحقيقات لاحقة أن الحادثة كانت مدبّرة ربما من جهات استخباراتية بسبب اتجاه رولدوس إلى تأميم قطاع النفط، أو أنه صفّي ضمن «خطة كوندور» التي كانت تهدف إلى احتواء تمدد اليسار والشيوعيين في أميركا اللاتينية. وفي عام 1996 انتخب عبد الله بوكرم رئيساً للجمهورية - وهو ابن شقيق أسعد ورئيس سابق لبلدية غواياكيل وشقيق مرتا زوجة خايمي رولدوس. إلا أن البرلمان قرّر عزله بعد سنة ونصف على انتخابه بحجة «اختلال وضعه النفسي» إذ كان يمضي وقته بإحياء الحفلات الموسيقية والمهرجانات ويطلق على نفسه لقب «المجنون» El Loco. وفعلاً، نُفي إلى بنما حيث عاش حتى عام 2017 قبل أن يعود إلى الإكوادور. خلال هذه الفترة، تحديداً عام 1988 ترشّح متحدر آخر من أصل لبناني هو جميل معوّض لرئاسة جمهورية الإكوادور لكنه حلّ في المرتبة الخامسة بين منافسيه، ثم ترشّح مجدداً بعد عشر سنوات وفاز بأغلبية تجاوزت 60 في المائة من الأصوات. وعلى عهده وقّعت الإكوادور معاهدة السلام التاريخية مع جارتها البيرو منهية بذلك عقوداً من الحروب والنزاعات بين البلدين. ويجدر التذكير بأن الظهور الأول للمتحدرين من أصل لبناني في صدارة المشهد السياسي للإكوادور كان في عام 1944 عندما تولّى خوليو سالم منصب رئيس الجمهورية لثلاثة أيام فقط في نهاية شهر مايو (أيار) بعد خلع الرئيس كارلوس آرّويو الذي كان نائباً له.
عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد
عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في
يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في
بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.
يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،
الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونسhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/5082105-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3
ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.
تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.
وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.
أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.
كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.
من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.
بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.
تفعيل دور «القوات المسلحة»
تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.
بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.
والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».
واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.
المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.
متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة
حملات غير مسبوقة
وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.
وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.
وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».
تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».
أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.
بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).
وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.
وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.
أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».
وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.
وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».
وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.
حقائق
قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً
اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.