الدول الكبرى تبحث عن المعادلة الصحيحة للتعامل مع الصعود الصيني

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والأميركي دونالد ترمب خلال لقائهما في أوساكا اليابانية على هامش قمة مجموعة العشرين (أرشيف - أ.ب)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والأميركي دونالد ترمب خلال لقائهما في أوساكا اليابانية على هامش قمة مجموعة العشرين (أرشيف - أ.ب)
TT

الدول الكبرى تبحث عن المعادلة الصحيحة للتعامل مع الصعود الصيني

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والأميركي دونالد ترمب خلال لقائهما في أوساكا اليابانية على هامش قمة مجموعة العشرين (أرشيف - أ.ب)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والأميركي دونالد ترمب خلال لقائهما في أوساكا اليابانية على هامش قمة مجموعة العشرين (أرشيف - أ.ب)

صار التعامل مع الصين أمراً معقداً للغاية يفرض مفرداته الخاصة: الارتباط، الاحتواء، المواجهة، التقييد وغيرها. وفي ظل كل هذا، تواجه الحكومات قوة لم تعد ببساطة «صاعدة». فالقيادة في عهد شي جينبينغ ترى أن الصين قوية الآن لدرجة أنها تستطيع أن تفرض أجندتها في الداخل والخارج دونما خوف من أي عقوبات.
و تقول وكالة «بلومبرغ» للأنباء في تقرير لها إن فرض شي لقانون أمن قومي على هونغ كونغ رغم الغضب العالمي، ووقوع اشتباك عسكري على الحدود مع الهند، ودبلوماسية بكين الشرسة خلال جائحة كورونا هي أحدث الأمثلة على فشل السياسات الغربية إلى حد كبير في وقف تحرك الصين أو إبطائه.
ومع إعطاء الولايات المتحدة مبدأ «أميركا أولاً» الأولوية، بدأت الدول تدرك أنها تحتاج إلى إعادة تفكير. وحتى الآن تتركز الاستراتيجيات إلى حد كبير في معسكر من معسكرين: انتظار تحول الصين إلى دولة تتصرف بشكل أفضل من خلال جذبها إلى النظام العالمي بقواعده ومؤسساته، أو محاولة وقف تحركها في مساراتها من خلال الضغط الاقتصادي أو العسكري.
وقال فيرناندو شيونغ، وهو نائب من دعاة الديمقراطية في هونغ كونغ، إن «السياسات المفتوحة تجاه الصين من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانت ذات هدف جيد ونفع متبادل، على أمل أن تنضم الصين إلى نظام العالم الحر أو على الأقل تتعلم التوافق معه. لكن في ظل قوة اقتصادية وقوة عسكرية متزايدة، أصبح من الواضح أن شي يعتقد أن النظام في ظل الحزب الشيوعي الصيني أفضل»، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
وقال بيتس جيل، أستاذ دراسات أمن آسيا- الهادئ في جامعة ماكواري في سيدني، إنه بينما أدت جائحة كورونا إلى تسريع النقاش بشأن الصين، «تتمثل المشكلة في الافتقار إلى اتفاق حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه العمل كفريق، فليست كل الحكومات ذات العقلية المتماثلة تكون متماثلة الآراء عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع التحديات التي تمثلها الصين».
ويضيف جيل: «الأسس الرئيسية لإرساء هذه الاستراتيجية، وهي العمل على أساس متعدد الأطراف واحترام الحلفاء والالتزام بمجموعة من السياسات المدروسة التي يمكن الاعتماد عليها وتوقعها والتي توحد الوسائل والأهداف، ليست جزءا من برنامج الإدارة الأميركية» الحالية.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجنب لوقت طويل انتقاد الصين في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وكان يقفز ما بين إعلان حرب تجارية على بكين والإعراب عن إعجابه بالرئيس الصيني.
وفي الوقت الحالي تصعّد واشنطن موقفها، من اتّخاذ إجراءات أقوى ضد عملاق الاتصالات هواوي إلى مطالبة وسائل الإعلام الصينية الرسمية الموجودة في الولايات المتحدة بتسجيل أنفسها كوكلاء أجانب إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين الصينيين.
وقال مستشار الحكومة الصينية واستاذ العلاقات الدولية في جامعة رينمين ببكين شي ينهونغ: «بالنسبة للصين، يعتبر التزامها بأولوياتها الداخلية، على سبيل المثال قرار المضي قدماً في فرض التشريع الأمني في هونغ كونغ، وتأكيد بناء الاعتماد على النفس في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، والالتزام بالنظام السياسي الخاص بالصين بغض النظر عن الهجمات الأميركية، هي في حد ذاتها أكبر رد على الولايات المتحدة وإدارة ترمب».
ويشير تقرير «بلومبرغ» إلى أن مسؤولين من دول عدة يقولون إن الحل الوحيد للتعامل مع الصين هو التكاتف بصورة أكبر، مع الولايات المتحدة أو من دونها. وبدأوا يفعلون ذلك بطرق جديدة ومهمة، خاصة أستراليا، وكندا، والهند، والمملكة المتحدة التي طالما سعت كلها للموازنة بين اعتمادها الاقتصادي على الصين ومخاوفها الاستراتيجية من سلوكياتها.
وحاولت الولايات المتحدة إصلاح بعض علاقاتها. وقال مسؤول كبير في إدارة ترمب واثنان من كبار الدبلوماسيين الغربيين في الصين، إن الدبلوماسيين يسعون لحشد حلفاء في آسيا وغيرها من المناطق. ويتمثل جزء من الدعوة الواضحة إلى ذلك في الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين عن طريق فك الارتباط بسلسلة الإمدادات، مع زيادة الاستثمارات المحلية في التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع.
وتقول «بلومبرغ» إن الأمر لن يكون سهلا. وقال مسؤول أميركي إن بعض الصقور في الدائرة المقربة من ترمب مازالوا يريدون العمل على انهيار للحزب الشيوعي على غرار ما حدث في الاتحاد السوفياتي، وهو موقف لن تؤيده الدول الأخرى.
وفي اجتماع عقد مؤخرا مع وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو، اقترح مفوض الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إجراء حوار خاص مع الولايات المتحدة يركز فقط على الصين. لكن مسؤولاً قريباً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر من أنه لا يجوز أن يصبح الاتحاد الأوروبي وسيطاً بين واشنطن وبكين، لأن أوروبا لها أجندتها ومقترحاتها الخاصة.
وقال تشارلز ليو، وهو دبلوماسي سابق، ومؤسس شركة «هاو كابيتال» الاستثمارية، إن دور الصين في التصنيع العالمي ومصالح الحلفاء الغربيين معها تجعل من الصعب على ترمب أن يدعو بصورة مقنعة إلى انفصال كامل عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ورأى شين شيشون، وهو أحد كبار الباحثين في معهد الصين للدراسات الدولية التابع لوزارة الخارجية إن «الولايات المتحدة لم تُعد نفسها عقليا لصعود نجم الصين، لذلك تبحث عن سبل لخلق مشاكل للصين والحد من صعودها».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».