رئيس وزراء تونس يستقيل بعد خلافات حادة مع «النهضة»

على خلفية اتهامات في ملف {تضارب مصالح}

TT

رئيس وزراء تونس يستقيل بعد خلافات حادة مع «النهضة»

قال مصدر حكومي، إن الرئيس التونسي قيس سعيد طلب من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، مساء أمس تقديم استقالته. ولم يصدر بيان رسمي من رئاسة الحكومة. لكن يتوقع الإعلان عن الاستقالة بعد اجتماع الفخفاخ بممثلي أحزاب من الائتلاف الحكومي، بحسب المصدر نفسه.
لكن مصادر سياسية قالت لـ«رويترز» أمس، إن رئيس الوزراء التونسي تقدم بالفعل باستقالته للرئيس قيس سعيد، بعد خلاف قوي مع «حزب النهضة»، الذي بدأ مساعي لسحب الثقة منه. ومن المتوقع أن يعين الرئيس سعيد شخصية أخرى في الأيام القليلة المقبلة لتشكيل حكومة في فترة لا تتجاوز شهرين.
وكان حزب النهضة قد أعلن أمس أنه قرر سحب الثقة من إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التي يشارك فيها الحزب، وذلك على خلفية اتهامات في ملف تضارب مصالح، موضحا أنه سيجري مشاورات مع الأحزاب السياسية لتقديم مرشح بديل له.
وقال الحزب في بيان إنه «يتبنى خيار سحب الثقة من السيد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، ويكلف رئيس الحركة راشد الغنوشي بمتابعة تنفيذ هذا الخيار، بالتشاور مع مختلف الأحزاب والكتل والنواب بمجلس نواب الشعب».
وأوضح عبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس الشورى في تصريحات إعلامية، أن الحزب سيقدم قبل نهاية الشهر الحالي مذكرة بسحب الثقة إلى البرلمان، وأنه سيدخل في مشاورات مع الأحزاب السياسية والمنظمات في تونس ليقدم مرشحا بديلا للفخفاخ.
وبدأ الموضوع يحظى باهتمام واسع لدى الرأي العام في تونس، منذ أن صرّح الفخفاخ منتصف يونيو (حزيران) الماضي أنّه يملك أسهماً في شركة خاصة تنشط في مجال إعادة تدوير النفايات، والتي وقعت عقدا استثماريا مع الدولة.
وينص دستور 2014 في فصله الـ97 على أنه «يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم إلى رئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء (73 من أصل 217 نائبا) على الأقل». وهو «يشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة، يُصادق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة». ويحتاج سحب الثقة عن الحكومة لغالبية من 109 أصوات.
وكان الفخفاخ قد أعلن يوم الاثنين أنّه قرّر إجراء تعديل وزاري سيكشف عنه خلال أيام، رافضاً بذلك دعوة سابقة لحركة النهضة لإجراء مشاورات سياسية من أجل «مشهد سياسي بديل». فيما قال الهاروني إن حزبه كلّف الغنوشي، رئيس الحركة، بإجراء مشاورات مع رئيس الجمهورية، والأحزاب والمنظمات «للاتفاق حول مشهد حكومي بديل»، وبرر الهاروني ذلك بقوله إنه «لا يمكن الخروج من تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الخطير جدا بحكومة تلاحق رئيسها شبهات، واتهامات تتعلق بتضارب المصالح».
وأعلن الشورى، وهو أعلى هيئة في حركة النهضة، عن قراره اللجوء إلى تقديم لائحة لوم في البرلمان لسحب الثقة من الحكومة عقب اجتماعه مساء أول من أمس، مبرزا أن حركته ستبدأ مشاوراتها مع باقي الأحزاب لتوفير النصاب القانوني لجمع الإمضاءات المطلوبة للائحة اللوم (73 إمضاء)، ومن ثم الأغلبية المطلقة (109 أصوات) لسحب الثقة منها أثناء التصويت.
وعلل الهاروني هذه الخطوة بشبهة «تضارب المصالح»، التي تلاحق الفخفاخ، وافتقاد الائتلاف الحكومي الحالي لمبدأ «التضامن». لكن الفخفاخ كان اتهم في وقت سابق حركة النهضة «بالنفخ في قضية تضارب المصالح، وتأليب الرأي العام وتضليله بخصوصها»، واتهم الحركة بضرب الاستقرار الحكومي، كما تعهد بإجراء تعديل في تركيبة الحكومة قد ينطوي ضمنيا على إبعاد وزرائها.
وتأتي هذه الأزمة السياسية في وقت طرحت فيه الحكومة الحالية خطة إنقاذ لإنعاش الوضع الاقتصادي الصعب، وسط توقعات ببلوغ نسبة انكماش تتجاوز 6 في المائة هذا العام، وزيادة نسبة البطالة من 15 في المائة إلى 21 في المائة.
وازدادت الأزمة السياسية بين الفخفاخ وحركة النهضة احتداماً، بعد أقل من خمسة أشهر على بدء عمل الحكومة. وأوضح الفخفاخ في وقت سابق أنّ تبرير دعوة النهضة لإحداث تغيير في المشهد الحكومي، بقضية «تضارب المصالح» هو «مواصلة الدفع باتجاه مشهد مأزوم، وفي التوظيف السياسي الذي يصب في مصالحها الحزبية الضيقة».
كما تتزامن هذه الأزمة السياسية الجديدة مع تصاعد الاحتقان والتوتر الاجتماعي، خصوصا في مناطق الجنوب التي تشهد احتجاجات متواصلة للمطالبة بتأمين التنمية ومناصب الشغل.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.